قالت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية، إن الحكومة الهولندية الجديدة كشفت عن سياساتها الأكثر تشددًا حتى الآن فيما يتعلق بالهجرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن حكومة هولندا تعهدت بتقليص الهجرة إلى مستويات قياسية، وتحدي قواعد الاتحاد الأوروبي الخاصة باللجوء.
وتعهد التحالف الحاكم، الذي يقوده رئيس الوزراء ديك شوف ويهيمن عليه حزب الحرية اليميني المتطرف (PVV)، بسحب هولندا من ميثاق الاتحاد الأوروبي للهجرة واللجوء “في أسرع وقت ممكن”.
وأوضحت الصحيفة، أن حكومة شوف، التي تشكلت بعد شهور من المفاوضات، تتألف من حزب الحرية، وحركة المزارعين المواطنين (BBB)، والحزب الليبرالي (VVD)، وحزب العقد الاجتماعي الجديد المناهض للفساد (NSC).
ولفتت إلى الكشف عن اتفاق التحالف يوم الجمعة، الذي وضع تقييد الهجرة أولوية قصوى.
بدوره، وعد رئيس الوزراء بتقليص “كبير” في أعداد المهاجرين لمعالجة ما تسميه حكومته تدفق المهاجرين غير المستدام، مطالبة بالخروج من ميثاق اللجوء الأوروبي.
وبحسب “لوفيغارو”، فإنه في قلب خطة الحكومة تكمن المطالبة بالحصول على استثناء من سياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة باللجوء، التي اعْتُمِدَت من قبل البرلمان الأوروبي في أبريل بعد سنوات من المفاوضات.
وبينت أنه إذا مُنحت هذا الاستثناء، فسوف يُسمح لهولندا بإعفاء نفسها من القواعد الأوروبية الموحدة التي تنظم اللجوء والهجرة.
وتجدر الإشارة بأن الإعفاءات نادرة في الاتحاد الأوروبي.
وتتمتع حاليًّا، كل من الدنمارك وأيرلندا وبولندا فقط بمثل هذه الاستثناءات، وكل منها لأسباب محددة، إذ حصلت الدنمارك على إعفاءاتها في السياسة النقدية وغيرها بعد رفض معاهدة ماستريخت في عام 1992.
وأشارت “لوفيغارو” إلى أن إعفاء أيرلندا يتعلق بعدم مشاركتها في منطقة شنغن؛ نظرًا لترتيبات الحدود الخاصة مع المملكة المتحدة، على حين يتمحور إعفاء بولندا حول ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي؛ بسبب مخاوف تتعلق بالسيادة الوطنية والقيم الاجتماعية، مشددة أنه مع ذلك، يُنظر إلى الحصول على هذا الاستثناء على أنه تحدٍ كبير.
بدوره، أقر غيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية، في وقت سابق من هذا العام أن هذه العملية قد تستغرق سنوات، مضيفًا أن حزبه سيعمل على تنفيذ السياسات الأكثر صرامة في مجال اللجوء بموجب القانون الهولندي حاليًّا.
أشد السياسات المتعلقة باللجوء في تاريخ هولندا
ولفتت الصحيفة إلى أنه لتجنب تأخيرات طويلة في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، أدخلت الحكومة سلسلة من الإجراءات الوطنية الفورية.
وأشارت أنه من بين هذه الخطط، إعلان “أزمة لجوء”، وهي خطوة قانونية تسمح للحكومة بتجاوز القوانين الحالية المتعلقة بالأجانب وتنفيذ إجراءات أكثر صرامة.
وكذلك من بين السياسات المقترحة إلغاء قانون يلزم البلديات بتوفير أماكن إقامة لطالبي اللجوء، إضافة إلى ذلك، ستُشَدَّد قواعد لم الشمل، إذ تقتصر على المهاجرين الذين أقاموا في البلاد مدة عامين على الأقل، ولديهم وظائف ثابتة.
وستُلْغَى تصاريح الإقامة الدائمة، وستُرْفَض طلبات اللجوء التي لا يحضر أصحابها مواعيدهم الإلزامية فورًا.
من جانبه، وعد رئيس الوزراء شوف، الذي كان رئيسًا لجهاز المخابرات الهولندية سابقًا، باتخاذ إجراءات سريعة ضد طالبي اللجوء الذين يتسببون في مشاكل.
وأكد أنه سيُنْقَل المهاجرين الذين يسببون اضطرابات “فورًا” إلى مرافق تحد من حرية تنقلهم، وكذلك تعهد بترحيل المهاجرين غير الشرعيين “فورًا”.
الجهود لجعل هولندا “غير جذابة” للمهاجرين
من جهتها، أعربت مارجولين فابر، وزيرة اللجوء والهجرة، عن التزامها الثابت بأهداف التحالف، قائلة “نستجيب للمطالب الواضحة للناخبين”.
وأشارت فابر مرارًا إلى التحديات التي تواجهها هولندا في استيعاب طالبي اللجوء، مشيرة إلى الاكتظاظ في مراكز الاستقبال، ومدة الانتظار الطويلة لمعالجة الطلبات، وتكاليف إدارة النظام المتزايدة.
وأكدت في تصريحات لصحيفة دي فولكسكرانت: “بالإضافة إلى ذلك، فإن التدفق المستمر لطالبي اللجوء يضغط على نظام الإسكان، والرعاية الصحية، والخدمات التعليمية”، مضيفة “نحن نتخذ خطوات لجعل هولندا غير جذابة قدر الإمكان لطالبي اللجوء”.
مستويات قياسية للهجرة تثير القلق
وأكدت “لوفيغارو” أن النهج المتشدد للحكومة جاء استجابة لمستويات الهجرة القياسية، ولا سيما أن تقريرًا بتكليف من البرلمان الهولندي في وقت سابق من هذا العام حذر من أنه إذا استمرت هذه الاتجاهات، فقد يرتفع عدد السكان إلى 23 مليون نسمة بحلول عام 2050، مع أن يكون نصف السكان تقريبًا من أصول أجنبية.
وهولندا، التي يزيد عدد سكانها على 17 مليون نسمة، تعد واحدة من أصغر الدول، وأكثرها كثافة سكانية في أوروبا.
وأوصى التقرير بتقليص الهجرة إلى 60 ألف شخص حدًّا أقصى سنويًّا؛ للحفاظ على الخدمات العامة.
مع العلم أنه في عام 2023 وحده استقبلت هولندا ما يزيد على 332 ألف وافد جديد، بمن فيهم 108 آلاف لاجئ أوكراني فروا من الغزو الروسي، كان هذا بعد عام قياسي في 2022، إذ وصل ما يزيد على 406 آلاف مهاجر.
وأعرب ريتشارد فان زفول، رئيس اللجنة المستقلة التي أعدت التقرير، عن الحاجة الملحة لتقليص تدفق المهاجرين، قائلًا : “نحن فعلًا واحدة من أكثر الدول اكتظاظًا بالسكان في أوروبا، لا يمكننا الاستمرار في هذا المسار”.
تحولات سياسية بشأن الهجرة
وبحسب الصحيفة الفرنسية، شهد المشهد السياسي الهولندي تغيرًا كبيرًا في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالهجرة، وعلى حين كان هذا الموضوع تاريخيًّا مرتبطًا باليمين السياسي، فقد اكتسب زخمًا عبر الطيف السياسي.
وأن الحزب الليبرالي (VVD)، الذي كان القوة السياسية المهيمنة في هولندا، تبنى الآن سياسات هجرة أكثر صرامة تحت قيادته الجديدة ديلا يسيلغوز.
وتجدر الإشارة بأن يسيلغوز، وهي لاجئة سابقة، وعدت بتقليص الهجرة، ما يمثل تحولًا عن الموقف السابق للحزب تحت قيادة مارك روته.
وختمت “لوفيغارو” بالقول إن هولندا تواجه الآن معركة صعبة مع بروكسل بشأن قواعد اللجوء الأوروبية، وقدرتها على فرض تدابير وطنية مشددة ستكون محورًا رئيسًا في هذا النزاع.
وبينت أنه سواء أنجحت الحكومة في تغيير سياسات الهجرة أم لا، فقد أعلنت بوضوح أنها مستعدة لخوض مواجهة طويلة مع الاتحاد الأوروبي