لبنان ينتظر عند حافة الهاوية: التفاؤل الإقليمي ينطفئ
كتب منير الربيع في “المدن”:
يضجّ لبنان بتخبّط سياسي لا مثيل له. من رسائل سياسية وديبلوماسية، إلى تحليلات داخلية متضاربة حول احتمالات وقوع الحرب واتساعها. أصبح لبنان مصنعاً ومرتعاً للتوتر بكل صنوفه. لا رؤية، ولا وضوح حول مسارات الأمور. كان الرهان على المساعي الأميركية والضغوط الدولية للجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن ذلك لم يؤد إلى أي نتيجة. يضج لبنان باستغراب موقف وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن، والذي تماهى مع نتنياهو، ما أضعف فرصة المفاوضات. الاجتماع الذي كان يفترض أن يعقد يومي الخميس والجمعة في العاصمة المصرية القاهرة لاستكمال المفاوضات، والوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تأجل، ولم تتوفر ظروف انعقاده، لا سيما بعد فشل الوفد العسكري والأمني الإسرائيلي في الوصول إلى حلّ بموضوع محور فيلاديلفيا مع المسؤولين المصريين.
إنتظارات محلية وإقليمية
بعض المعطيات تشير إلى أن اجتماع التفاوض في القاهرة تأجل إلى يوم الأحد المقبل، على أن تسبقه جولة اتصالات جديدة، سعياً وراء البحث عن خفض التصعيد ومنع تفاقم التطورات والأوضاع. ليس بعيداً، أشارت وكالة تسنيم الإيرانية إلى زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى طهران، سعياً وراء استمرار التواصل والتنسيق في سبيل منع تفجّر الأوضاع في المنطقة.
لبنانياً أيضاً، الرهان لا يزال على دور قطر ومصر، في سبيل تحقيق خروقات تؤدي إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، كي لا ينفجر الوضع عسكرياً بشكل أكبر. وهو ما قاله أيضاً وزير الخارجية عبد الله بو حبيب.
تبقى الحالة الانتظارية قائمة، على وقع تصعيد الإسرائيليين لعمليات استهداف العمق اللبناني. في الموازاة، تؤكد مصادر ديبلوماسية أن المساعي والضغوط الدولية والإقليمية مستمرة لمنع انفجار الأوضاع. ولكن على الهامش، تتزايد النقاشات والتقديرات والتحليلات، في محاولة لاستشراف المرحلة المقبلة. بين من يحاول استعادة رسائل دولية عديدة للإشارة إلى أن التصعيد سيكون حتمياً.. ومن يستعيد حقبة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، من حيث المؤثرات وليس لجهة المضمون أو الوقائع.
حافية الهاوية أم كسب الوقت؟
من ضمن الاستذكارات، من يعود إلى تشبيه ما يجري بأنه “لعبة حافة الهاوية”. وهي التي كان يجيدها حافظ الأسد، وقد ذكرها وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر في كتاباته، حين وصف الأسد بأنه أكثر من يعرف كيفية التفاوض على حافة الهاوية. ولكن عند حصول الجدّ كان الأسد يخطو إلى الوراء، كي لا ينزلق، ويذهب إلى الواقعية ويدخل في الاتفاق. تلك المرويات يستعيدها البعض في لبنان اليوم، وكأنها حاضرة في المفاوضات الأميركية الإيرانية وفي الرسائل التي يتم نقلها إلى حزب الله وإلى نتنياهو، على قاعدة التحذير من إقدام أي طرف على خطوة غير محسوبة، فينزلق ولا يعود أحد قادراً على لجم الانفجار أو ضبط حدوده وسقفه.
في القراءات أيضاً، تقديرات تشير إلى أن مسار التفاؤل الذي عمل الأميركيون على ضخه حول المفاوضات كان يهدف إلى كسب الوقت. بعض التقديرات تعتبر أن ذلك بهدف امتصاص الردّ الإيراني وردّ الحزب. وبعضها الآخر يعتبر أنها مماطلة إلى ما بعد تمرير مؤتمر الحزب الديمقراطي.
أما بما يتعلق بالجولة التفاوضية الجديدة، فإن منسوب التفاؤل قد تراجع، خصوصاً بعد موقف وزير الخارجية الأميركي، ما يدفع لبنان إلى انتظار على قلق من احتمالات المزيد من التصعيد أو التدهور. لا سيما أن كل المؤشرات الديبلوماسية تتحدث عن انسداد الأفق الديبلوماسي.
هنا تتضارب وجهات النظر مجدداً، بين من يعتبر أن التصعيد سيبقى محدوداً ومضبوطاً ومدروساً، على قاعدة الضربات التي تحصل ويمكن أن تتكثف أو يتوسع نطاقها قليلاً. وبين من يستعيد تجارب سابقة مع الإسرائيليين، الذين قد يستغلون الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لرفع منسوب المواجهات، ولتحقيق أهداف يعتبرون أنهم بإمكانهم تحقيقها بالاستفادة من وجود القوات الأميركية الذي لا يزال مبهماً بالنسبة إلى كثيرين، لا سيما الذين يستبعدون اندلاع حرب كبرى.