جعجع في رسالة جوابية الى الصحافي قاسم قصير: المراجعة السياسية مطلوبة من “الحزب”
وجه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع رسالة جوابية الى الكاتب الصحافي قاسم قصير ردا على رسالته المفتوحة اليه , قال فيها: “توجّه الأستاذ قاسم قصير إليّ، اليوم، برسالة مفتوحة أثمِّن فيها أسلوبه الراقي في مقاربة الأمور، إذ إن الخلاف بالرأي ليس المشكلة في بلد متعدِّد ومتنوع، وإحدى مرتكزاته الأساسية حرية الرأي، إنما المشكلة كلها تكمن في عدم تقبُّل الموقف الآخر المختلف والسعي إلى تخوينه. ومن هنا، أقدِّر، أستاذ قاسم، ما كتبته في رسالتك، بمعزل عن الاختلاف الكبير في وجهات النظر.
أوافقك الرأي، استاذ قاسم، بأن “ما يحصل في لبنان والمنطقة من حروب ومجازر واعتداءات يتطلّب توحيد الموقف اللبناني الوطني في مواجهة العدو الصهيوني”، وذلك انطلاقا من كون قوة لبنان أو أي دولة في العالم تكمن في وحدة شعبها حيال القضايا الكبرى والأساسية. ولكن يبقى السؤال: لماذا لم يبادر “حزب الله”، قبل المباشرة بعملياته العسكرية في 8 تشرين الأول 2023، الى التشاور مع سائر اللبنانيين والاتفاق معهم على موقف موحد؟ لا يجوز ان يتولى فريق من اللبنانيين مصادرة القرار الاستراتيجي للدولة من دون التشاور مع الآخرين، وان يبدأ عمليات عسكرية جميعنا يعرف الى اين يمكن ان تؤدي، ومن ثم يطلب من الآخرين جميعا ان يجاروه “على العمياني” في ما بدأه هو وحده.
إن توحيد الموقف اللبناني الوطني، أستاذ قاسم، من أجل “الضغط على القوى الدولية والإقليمية لوقف الحرب والعدوان على قطاع غزة (…)”، هو واجب إنساني وأخلاقي، لأن ما يحصل من مجازر ومآس وكوارث مرفوض رفضا باتا، إنما على كل دولة في هذا العالم ان تعرف مدى إمكاناتها وقدرتها على التأثير بعيدا من الأوهام. فأميركا والدول الأوروبية التي تمارس أقصى ضغوطها لوقف الحرب لم تفلح بعد بالوصول إلى هدنة. فأين موقع لبنان العسكري والمالي والاقتصادي مقارنة بهذه الدول لكي نفترض ان لبنان يمكن ان يضغط لوقف حرب غزة؟ وهذا ما يجعل طروحات من هذا القبيل رومانسية الطابع ولا تمت إلى الواقع والحقيقة بصلة، وليت بيد لبنان حيلة وقدرة للضغط من أجل وقف الحرب على غزة.
تختلف الأمور على أرض الواقع، استاذ قاسم، عما نتمناه جميعا، إذ ان الأمور تقاس بموازين القوى الفعلية بغض النظر عن الشعر والنثر والتباهي بمسيّرات من هنا او أنفاق من هناك، وموازين القوى في الوقت الحاضر ليست في مصلحة العرب، وليست، من بعيد، في مصلحة لبنان. ومن هنا يقتضي النزول عن شجرة الأحلام او الأوهام واعتماد الحلول المتوافرة أعجبتنا أم لا، وذلك حماية لشعبنا ووطننا وتجنبا لمزيد من الخسائر، فميزان القوى الأساسي يبدأ من وحدة الموقف، والوحدة تكون على أساس المشترك الذي يجمع اللبنانيين وهو الدولة والدستور.
مواقفنا أستاذ قاسم، نابعة دائما من الحرص الوطني الوحدوي بالذات، واتهامنا للأكثرية الحكومية بالخيانة العظمى نابع من هذا الحرص تحديدا، لأن التماهي الحاصل بين هذه الأكثرية وحزب الله يعرِّض لبنان، لبنان كله، للحرب التي أعلنها الحزب من دون العودة إلى الحكومة. وما نطالب به لأهالي الجنوب، أهالي الجنوب جميعا، هو نفسه الذي نطالب به لأهالي لبنان، أهالي لبنان جميعا، لأننا نرى ان الأمور تفلتت من عقالها في منطقة الشرق الأوسط ويمكن ان يكون الآتي أعظم، وهذا واضح، استاذ قاسم، من خلال قولك اننا أمام مخاطر كبرى، إذ قد يتعرض لبنان لحرب إسرائيلية واسعة. ومن هنا موقفنا بضرورة الالتزام الفعلي وفي أسرع وقت ممكن القرار 1701، لأن هذه الطريقة الوحيدة، إن لوقف العمليات العسكرية في الجنوب والتي كبدتنا حتى الآن ما يزيد عن 550 ضحية ومجموعة خسائر لا تعد ولا تحصى، أو لتجنيب لبنان الحرب الإسرائيلية الواسعة التي يحكى عنها في كثير من مراكز القرار العربية والدولية.
وأستغرب، استاذ قاسم، أشد الاستغراب، قولكم بأننا “لا نأخذ في الاعتبار الانتهاكات الإسرائيلية كلها للبنان طيلة ثماني عشرة سنة والى اليوم”، فيما العكس هو الصحيح، فلأننا نأخذ في الاعتبار الانتهاكات المتواصلة ونيات إسرائيل المكشوفة لتوسيع اعتداءاتها على لبنان، طالبنا ونطالب بتطبيق القرار 1701 من دون إبطاء.
تأكد تماما، استاذ قاسم، ان ما يحدِّد مواقفنا وحساباتنا يتعلق بمصلحة الشعب اللبناني كله وليس اي شيء آخر، ومن الممكن ان نخطئ في تقدير الموقف السياسي، وهذا طبيعي، ولكننا لا نخطئ أبدا في نياتنا وأهدافنا المتعلقة بمصلحة لبنان والشعب اللبناني كله.
لا شك ان المراجعة السياسية مطلوبة دائما، أستاذ قاسم، ولكنها مطلوبة بشكل أساسي من الفريق الذي لا يلتزم الدستور ولا الميثاق ولا الشراكة ولا القرارات الدولية، ومطلوبة بشكل أساسي من الفريق الذي يعتبر ان قرار الحرب من اختصاصه وحده، فيما اختصاص سائر اللبنانيين معالجة تداعيات إعلانه الحرب. والحل يبدأ، أي حل، من خلال التزام جميع اللبنانيين من دون استثناء قيام الدولة الفعلية والسلاح الواحد، والتهرب من هذا الالتزام يعني مواصلة الدوران في حلقة الفوضى نفسها.
رحمة بلبنان واللبنانيين، وقبل ان تتدحرج الأمور إلى ما هو أسوأ مما هي عليه حاضرا، يجب ان نأخذ المبادرة فورا ونعكف على تطبيق القرار 1701 بمندرجاته كلها، والسلام”.