أكد ساسة سودانيون أن القبول “المشروط” من قبل الجيش السوداني لحضور مفاوضات جنيف، ليس أكثر من “مراوغة” للتماشي مع الضغوط الأمريكية الخاصة بضرورة الوُجود في هذه المفاوضات.
وأشاروا إلى أنه مع أقرب فرصة قد يلقي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بـ”حجج” ينسحب على أثرها، أو يعقد مسار المفاوضات.
مراوغة من البرهان
وأشار الخبراء في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن أبرز تلك الحجج ما جاء بتمسكه بشروط للمشاركة، سواء أكانت غير المعلن عنها من جانبه، أم الأخرى التي لا تتناسب تمامًا مع الواقع الذي وصل إليه السودان على أثر هذه الحرب، والتي منها مطالبته بتسليم قوات “الدعم السريع” المناطق والوحدات العسكرية التي تسيطر عليها، وأيضًا تركها للسلاح.
وكان قد رجح سياسيون سودانيون، في وقت سابق، لجوء الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على الحكومة السودانية، وعلى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في حال رفض التعاطي مع المساعي الأمريكية لبدء مفاوضات لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية.
وكانت الخارجية الأمريكية، دعت يوم 8 أغسطس الجاري، أطراف النزاع في السودان إلى الانخراط في محادثات جنيف، للتوصل إلى حلول سلمية تنهي الحرب في السودان.
وفي وقت سابق، أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، أنه لا يمكن أن يكون هناك نصر عسكري لطرف في هذه الحرب، وأن كل يوم يمر يضيف مأساة أخرى للشعب السوداني، معربًا عن أمله في أن تقرر القوات المسلحة السودانية المشاركة في المحادثات بعد أن وافقت قوات “الدعم السريع” على الحضور.
وقال القيادي في قوات الدعم السريع، الشرتاي سمير إسماعيل، إن المشاركة من جانب الجيش السوداني ليس أكثر من مراوغة يلعب بها “البرهان” مع الجانب الأمريكي، لا سيما أنه ليس بصاحب قرار، وأنه يتعامل مع الضغوط الأمريكية لإتمام المفاوضات بإيعاز من “الإسلاميين” أصحاب القرار.
ودلل على ذلك بإفساد “القوات المسلحة” في أوقات سابقة منابر جدة والمنامة، ومحاولات أخرى للتفاوض، كان ينسحب منها الجيش عبر أعذار واهية، لأنه لا يتمتع بالقرار في ظل تحكم “الحركة الإسلامية”.
وسخر “إسماعيل” في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز”، ما تحدث عنه “البرهان” من مشاركة مشروطة مشيرا إلى أنه يملأ النواحي كافة بأن هناك شرطاً دون أن يفصح عنه.
ولفت إلى أنه لو كان الأمر يتعلق بشروطه الماضية الخاصة بقوات الدعم السريع، فهذا لن يحدث، لأن “الدعم السريع” مشارك في المفاوضات، وفي الوقت نفسه متواجد في وحداته العسكرية.
التحرر من قيود الإسلاميين
وأوضح “إسماعيل” أن “البرهان” قبل المشاركة في ظل ضغوط دولية ليس أكثر ما يريد أن يتعامل معها بشكل مؤقت، ولكن في النهاية فإن “الجيش” ومن ورائه من “الإسلاميين” ليس لديهم أي نية أو قناعة للانخراط في المفاوضات بشكل حقيقي ومتقدم.
وفسر “إسماعيل” عدم وجود “نية” للجيش لإنجاح المفاوضات، وأنه يتعامل مع “السودان” للوجود في السلطة فقط دون النظر إلى معاناة السودانيين، مدللًا على ذلك بأن هناك دولاً قدمت عن طريق “بورتسودان” خلال الأيام الماضية مساعدات إنسانية تسلمتها “القوات المسلحة”، وفي النهاية تم بيعها في الأسواق بدلًا من توزيعها على النازحين والمتضررين الجائعين، وتسليمها لرجال أعمال يتعاملون مع حكومة “الأمر الواقع” للتربح منها.
وتوقع “إسماعيل” أن تحمل “جنيف” هذه المرة، آلية رقابية كاملة على المساعدات الإنسانية بصورة دقيقة، مشددًا على أن “الدعم السريع” ترحب بالمفاوضات في ظل اهتمامه بإنهاء معاناة الشعب السوداني لا سيما أن هناك بالفعل مواطنين يموتون جوعًا.
فيما يرى خبير قضايا السلام وفض النزاعات إبراهيم زريبة، أن الأمر الوحيد الذي يتعلق بنجاح هذه المفاوضات هو المشاركة فعليًا والاستمرار من جانب “البرهان”، وهذا لن يحدث إلا في حالة تحرره من قيود “الإسلاميين”.
وأشار إلى أن هناك إرغامًا في ظل الخيارات الواقعة في يد واشنطن تجاه تعنت “البرهان” في المشاركة والتي منها قدرتها في فرض عقوبات على الجيش السوداني وحكومة بورتسودان، من خلال حظر الطيران ومنع استيراد الأسلحة للقوات المسلحة السودانية، وعقوبات تدريجية أقوى من ذلك، بحسب قوله.
وشدد “زريبة” في تصريحات لـ”إرم نيوز” على أهمية الجلوس على طاولة واحدة تجمع “الجيش” و”الدعم السريع”، لتقديم المساعدات لشعب يموت من الجوع، أملًا في التوصل إلى عملية سياسية “في ظل تشرد الشعب السوداني المتضرر بشكل بالغ بعد أن فقدوا أملاكهم وذويهم”.
وتابع :”لا بد من عملية سياسية تكون مصاحبة لجنيف بعد وقف إطلاق النار حتى يكون هناك تأسيس للدولة بشكل صحيح بإزالة مسببات الحروب، وتأسيس جيش لا يحمل أيديولوجيات، ولا يكون لديه ولاء سياسي لحزب أو طائفة أو جماعة”.
حجج واهية
فيما يؤكد السياسي السوداني عيسى القوني، أن “عصابة الإخوان” على حد وصفه، هي التي تقود المشهد داخل “الجيش السوداني” وأن خياراتها “صفرية”، ما بين التحكم في السودان أو الهروب ولكن بعد أن يذهبوا بالبلد إلى الجحيم، على حد تعبيره.
وأشار “القوني” في تصريحات لـ”إرم نيوز” أن الجيش السوداني ومن يحركه من “الإسلاميين”، لا يريدون أن يكون هناك أي وجود لمشاركة سياسية، “لكونها تلزمهم بما لا يقبلوه فضلًا عمّا ينتج عن ذلك من محاسبة وكشف عن المتورطين في إشعال هذه الحرب، وهم لا يريدون أن يحاسبهم أحد”.
لذلك، وبحسب القوني فقد رفضوا المبادرات جميعها، ونكسوا عهد منبر “جدة” سواء الأولى أم الثانية وصولًا إلى “المنامة” مرورًا بـ”الإيغاد”، “لتكون المراوغات مستمرة وتتعامل مع المستجدات أو الضغوط وقتيًا كما يحدث حاليًا في (جنيف) في ظل قدرتهم على إفسادها بحجج واهية”.