صواريخ إعتراضية “لغوية”… هكذا تسوّغ إسرائيل الجرائم المرتكبة
نشرت صحيفة “فوكس بلس” التركية مقال رأي، للكاتب إبراهيم قره تاش، بيّن فيه كيف تستخدم إسرائيل اللّغة كدرع وغطاء للتغطية على الظلم، وإذا أمكن خلق انطباع بأنها على حقّ في كل ما تفعله من تجاوزات.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته “عربي21″، إن “اللغة تُستخدم لتغيير إدراك الناس، وتسويغ الجرائم المرتكبة. ولا توجد دولة تُعلن أنها تستغل موارد دولة أخرى، بل تبرّر أفعالها بأنها تجلب الحضارة وتساهم في تنمية تلك الدول”.
“أما الذين يقاومون هذا الاستغلال، فيتم تصنيفهم كإرهابيين، وهكذا يتم تسويق الجريمة على أنها إقامة للعدالة. فلا بُد من وجود قوة خطابية للمدافعين عن الحقيقة لقبولها، وإلا فإن الضحايا يظهرون كالمذنبين”، يسترسل المقال ذاته.
واستعرض الكاتب تيّارًا فكريًا يعرف بـ”التفكيك”، وهو الذي أسّسه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، الذي يدرس هذه السلوكيات من منظور لغوي وفلسفي. وبناءً على هذه النظرية، فإن اللغة تتشكّل وفقًا للرؤية الأوروبية للعالم، حيث تُفسّر المفاهيم مثل الخير، الحداثة، الأخلاق، الحقوق الأساسية، الإرهاب، البراءة، التقدم، والتخلف، بمعانٍ من تعريف الغرب.
ويتابع بالقول: “إذا رأى الغربيون أن بعض الميول الجنسية، مثل المثلية، تعتبر بريئة وشرعية وأخلاقية وحقًا أساسيًا، فإن معارضة ذلك تُعتبر رجعية أو ضد الحرية”.
في هذا السياق، يُعتبر كتاب “الاستشراق” للكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد، ردّ فعل على الهيمنة اللغوية للقوى العظمى، التي تصل إلى حد الإساءة اللفظية والاستغلال ضد من يوصفون بكونهم “الضعفاء” أو “الشرقيين”.
أما المفكرون الغربيون، مثل دريدا، فرغم عيشهم في الغرب، فقد فضحوا كيفية استخدام اللغة لتبرير الجرائم. وبعض الباحثين في مجال العلاقات الدولية يسعون للوصول إلى الحقيقة من خلال “تفكيك” العبارات الجاهزة. وهم يعتبرون أن معرفة الحقيقة تأتي من كشف الحقائق المخفية وراء اللغة، لأن اللغة يمكن أن تعطي الحقائق شكلًا مغايرًا مثل الطلاء.
وتناول الكاتب دور الغرب في تأسيس إسرائيل وتبرير احتلال فلسطين من خلال الخطاب الإعلامي. حيث يشير إلى أن “الغرب ينفي دوره في تأسيس إسرائيل، معتبرا أن هذا النجاح هو بفضل الإسرائيليين أنفسهم، لكن الحقيقة أن إعلان بلفور البريطاني هو الذي مهّد الطريق لإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلية”.
وأضاف أن “الدعم الغربي كان مستمرا، ولا يزال، إذ تستخدم دولة الاحتلال الإسرائيلي أسلحة أمريكية في عملياتها، وتحظى بدعم كبير من أعضاء الكونغرس الذين يتلقون أموالًا من مجموعات الضغط اليهودية”.
وتابع: “في أوروبا، تقدم معظم الدول الدعم لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك ألمانيا التي استخدمت معارضة الاحتلال الإسرائيلي ذريعة لرفض منح الجنسية الألمانية؛ إذ تقوم الحجّة الغربية الرئيسية على أن للاحتلال الإسرائيلي الحق في الدفاع عن نفسها، وهي حجّة تبدو بريئة في الظاهر، لكنها في الواقع تغطي على جرائم كبيرة”.
واسترسل: “الاحتلال الإسرائيلي في موقف هجومي، وليس دفاعي، فهو يستولي على منازل الفلسطينيين ويقتلهم، بينما يدّعي الدفاع عن النفس. وهذا الخطاب يجعل الاستيلاء على الأراضي حقًا مشروعًا، ومعارضة الاحتلال إرهابًا”.
وأشار الكاتب إلى أن “دولة الاحتلال الإسرائيلي تصف الفلسطينيين بأنهم ليسوا بشراً، في حين أن الإنسانية تُقاس بالرحمة والعدل. من يقتل الأطفال بحجة أنهم قد يصبحون من أعضاء حماس في المستقبل هو نفسه غير إنساني، ويُستخدم هذا التّحايل اللغوي لإخفاء مثل هذه الفظائع”.
وتطرّق الكاتب إلى “الادّعاء القائل بعدم وجود دولة فلسطينية أو شعب فلسطيني، من خلال تفنيد هذا عبر التاريخ والحقائق القانونية. كانت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى سنة 1917، ثم أصبحت تحت الانتداب البريطاني، حيث تم إنشاء دولة باسم فلسطين. وفي سنة 1948، أُنشئت دولة الاحتلال الإسرائيلي ودولة فلسطين بموافقة الأمم المتحدة، ما يثبت وجود دولة فلسطين قانونيًا وينفي ادعاءات الإسرائيليين”.
وأردف: “أما بخصوص الشعب الفلسطيني، فإنهم من أصول عربية، ولكن هذا لا ينفي حقّهم في أراضيهم. إذا اتبعنا منطق الاحتلال الإسرائيلي، فإن الشعب الأمريكي أيضًا ليس له هوية عرقية محددة”، مستفسرا: “هل يصبح احتلال أمريكا مشروعًا؟”.
“كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها لا تمثّل عرقًا واحدًا، حيث يتكون سكانها من مختلف الأعراق، ولا يوجد ارتباط دموي بينهم، وبالتالي فإن مفهوم السامية لا ينطبق بشكل كامل على اليهود فقط، بل يشمل العرب أيضًا”، كما يوضّح الكاتب نفسه.
واستعرض الكاتب أيضًا ما وصفه بـ”زيف استخدام مصطلح “معاداة السامية” كوسيلة لإسكات الانتقادات ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصّةً في الغرب، حيث يُتّهم كل من ينتقد دولة الاحتلال الإسرائيلي فورًا بمعاداة السامية. وهذا الاستخدام للمصطلح يهدف إلى تبرير أفعال الاحتلال، ومنع أي انتقاد موجه لها”.
وأكد الكاتب أن “الادعاء بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي مُحاطة بالعرب، ويجب أن تكون مسلّحة بشكل كبير، وتتصرّف بعدوانية، غير صحيح، لأن العرب لم يحاصروا الاحتلال الإسرائيلي، بل اليهود هم الذين جاءوا واستوطنوا الأراضي العربية واحتلوها وقاموا بالاعتداءات. فما لا شك فيه أنه إذا ما حاول اليهود استعمار لندن، فإن البريطانيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، لأن المقاومة هي رد فعل طبيعي في مواجهة الاحتلال”.
كذلك، شكّك الكاتب في مدى تأثير “ديمقراطية” دولة الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين. فوجود نظام ديمقراطي داخل الاحتلال الإسرائيلي لا يعني شيئًا للفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال والقتل. الديمقراطية لا تمنع الجرائم، بل ربما تسهم في استمرارها من خلال انتخاب حكومات جديدة تستمر في نفس السياسات العدوانية. ولا يميل مجتمع الاحتلال الإسرائيلي إلى انتخاب سياسيين مسالمين، ما يزيد من معاناة الفلسطينيين.
وبيّن الكاتب أن عملية 7 تشرين الأول كانت ردّ فعل دفاعيا ضد الاحتلال المستمر منذ 76 عامًا. ولا يمكن تبرير الاستخدام المفرط للعنف ضد غزة جرّاء هذا الرّد، إذ لم يشارك فيه المدنيون.
وفي الختام، أعاد الكاتب التأكيد على أن “اللغة المستخدمة لتبرير أفعال الاحتلال الإسرائيلي متناقضة مع الحقائق على الأرض. والخطوة الأولى لتحقيق السلام هي تطهير اللغة من الأكاذيب، لأن اللغة الحالية تغطي على الحقائق. وفي سبيل مقاومة ظلم الاحتلال الإسرائيلي، يجب تفكيك هذه “القبّة اللغوية” التي تبرر الأفعال العدوانية للاحتلال الإسرائيلي”.