ميقاتي صنع حدثاً نادراً… واستفتاءٌ واسعٌ ضد إيران
لم تقتصر “المفاجأة السارة” المدوية التي فجرها أمس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في رده “السيادي” القوي على الانتهاك الإيراني السافر لسيادة الدولة اللبنانية بإعلان طهران مفاوضاً عن لبنان ، بل إنه ، أي ميقاتي، بدا كأنه صنع حدثاً أوسع من خلال الترددات والأصداء الداخلية المرحبة الواسعة بموقفه بما رسم أيضاً استفتاءً سياسياً كبيراً ضد التدخلات الإيرانية الوقحة في لبنان. ومع ذلك فإن ما سُمي توضيحاً إيرانياً لتصويب الصدمة الأولى من نوعها التي أصابت طهران لم يخف مضيّها في الاستفزاز وعدم تراجعها عن التدخل تحت شعار التمسك بحقوق المقاومة لتبرير هذا التدخل، خصوصاً بعدما كشفت صدمة ميقاتي اتساع الرفض الرسمي والسياسي العارم لسياسات إيران في لبنان واقتصار مؤيديها على أقلية معروفة .
وتمثلت أهمية خطوة ميقاتي بأنها لم تقتصر على إطلاق موقفه بل إنه قرن ذلك بالطلب من وزير الخارجية إبلاغ القائم بالأعمال الإيراني الموقف اللبناني في هذا الصدد . وكان رئيس الحكومة قد أصدر بياناً استغرب عبره حديث رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف وقال: “نستغرب هذا الموقف الذي يشكل تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان،علماً أننا كنا أبلغنا وزير خارجية إيران ورئيس مجلس الشورى خلال زيارتيهما لبنان أخيراً بضرورة تفهم الوضع اللبناني، خصوصاً أن لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق ونعمل لدى جميع أصدقاء لبنان ومنهم فرنسا للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار. وتابع: إن موضوع التفاوض لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 تتولاه الدولة اللبنانية ، ومطلوب من الجميع دعمها في هذا التوجه ، لا السعي لفرض وصايات جديدة مرفوضة بكل الاعتبارات الوطنية والسيادية”.
وكان قاليباف قد أعلن “أن طهران مستعدة للتفاوض مع باريس بشأن تطبيق القرار الأممي 1701 الذي ينص على نشر الجيش اللبناني فقط في الجنوب من البلاد، وهو شرط أساسي لعودة السلام”. وقال خلال مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” في جنيف: “نعتقد أن إيران ستكون مستعدة للتفاوض الملموس حول إجراءات تنفيذ القرار 1701 مع فرنسا، التي ستعمل كدولة وسيط بين الحزب وإسرائيل”.
على إثر موقف ميقاتي، أعلن مصدرمقرب من رئيس البرلمان الإيراني تعليقاً على تصريحات الرئيس ميقاتي، أنه “لا ينبغي لأي طرف أن يعتقد بأنه يمكنه التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام دون الحصول على موافقة المقاومة”. ونقلت وكالة “إيسنا” الحكومية عن المصدر قوله، إن “ما تم استنتاجه من تصريحات قاليباف، عبر وسائل الإعلام، غير صحيح تماماً”. وأضاف المصدر أن مواقفه تجاه التطورات الجارية في لبنان “لم تختلف عمّا طُرح في زيارته الأخيرة للبنان، وكذلك خلال حديثه مع وسائل الإعلام”، وقال: “هذه المواقف واضحة تماماً، وتتمثل في أن إيران تدعم كل ما توافق عليه الحكومة والمقاومة في لبنان من أجل الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم، وهو الموقف نفسه الذي طُرح خلال اللقاء مع السيد ميقاتي”. وختم المصدر بالتأكيد أنه “لا ينبغي لأي طرف أن يعتقد بأنه يمكنه تحقيق اتفاق سياسي مستدام دون الحصول على موافقة المقاومة”.
رد ميقاتي على قاليباف أثار أصداءً إيجابية واسعة في الداخل شملت قوى المعارضة وكتلاً نيابية عديدة وكان السباق إليها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي اعتبر أن ما صرّح به الرئيس نجيب ميقاتي تعليقاً على كلام رئيس البرلمان الإيراني “يُعطينا بصيص أمل بأن الدولة اللبنانية، ولو بعد خراب البصرة ويا للأسف، بدأت تتحمّل مسؤولياتها ويعبِّر عن وجهة نظر كل لبناني صميم، ونتمنى لو يُكمل الرئيس ميقاتي ويقول إن الحكومة اللبنانية تطلب وقفاً لإطلاق النار على أساس تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي 1559، 1680 و1701، لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لوقف المجازر المستمرة في لبنان منذ نحو شهرين” . وصدرت بيانات تأييد لموقف ميقاتي عن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل وتكتل “الاعتدال الوطني” و”كتلة “تجدد” وكتل وشخصيات سياسية ودينية عديدة .
أماً الوضع المتفجر تحت وطأة اشتداد الحرب في لبنان فكان محور زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني لبيروت أمس حيث التقت الرئيسين ميقاتي ونبيه بري ، وأبلغها ميقاتي التمسك “بالحل الدبلوماسي الذي يجب أن يتقدم على الحرب والعنف والدمار، ويتمثل أولاً في التزام إسرائيل الكامل وقف إطلاق النار والتقيد بالشرعية الدولية وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 بالكامل ووقف الخروقات للسيادة اللبنانية”. وأردف: “إن لبنان المتمسك بالشرعية الدولية يرفض تهديد إسرائيل لليونيفيل بالمغادرة والاعتداءات التي تتعرض لها، والتي تشكل انقلاباً فاضحاً على الشرعية الدولية، ما يقتضي من الجميع الوقوف وقفة واحدة ضد هذا التطاول السافر على دور اليونيفيل ومهمتها الكبيرة في الوقوف إلى جانب لبنان واللبنانيين”.
بدورها، شددت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني على أن “استهداف قوات اليونيفيل أمر غير مقبول ويجب ضمان سلامتها”، وقالت: “نعمل للتوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار في غزة ولبنان، ونحن ندعو إلى هدنة مدتها 21 يوما”.
وقالت: “لقد توافقنا على التطبيق الكامل والفوري للقرار 1701، وهذا يعني أيضاً أنه في منطقة جنوب نهر الليطاني يجب ألا يكون هناك أي وجود عسكري غير اليونيفيل والجيش اللبناني”.
أما على الصعيد الميداني فبدا من تطورات الساعات الأخيرة أن المعركة البرية التي تضغط عبرها القوات الإسرائيلية لإحداث اختراقات متدرجة قد شهدت تسريعاً في محاولات التقدم الإسرائيلي ولو وسط مقاومة شديدة وعنيفة لـ”حزب الله” . وقد أعلن الجيش الإسرائيليّ أمس أنّه “بناءً على تقييم الوضع، تقرّر استدعاء لواء احتياط آخر للمهام العملياتية على الجبهة الشمالية حيث يتيح تجنيد اللواء مواصلة الجهود القتالية في مواجهة حزب الله وتحقيق أهداف الحرب ومن ضمنها إعادة سكان الشمال إلى منازلهم” . الخطوة الإسرائيلية جاءت في وقت وسّع الجيش فيه عملياته على امتداد الحدود ليدير معارك على كل محاور الجنوب اللبناني. ووزّع الجيش الإسرائيلي مجموعة جديدة من الفيديوهات عن عثوره على أنفاق إضافية لـ”حزب الله” في القرى الأمامية، وهي مدججة بترسانة من الأسلحة الدفاعية والهجومية. كما أشار الجيش الإسرائيلي إلى تدمير مقر مركزي تحت الأرض ومسار نفق آخر لـ”حزب الله” في إحدى البلدات الجنوبية.
في المقابل، أعلن “حزب الله” أنه استهدف جنوداً إسرائيليين في محيط عيتا الشعب، كما رصدت انفجارات في محيط رميش حيث رصدت ملالات إسرائيلية تقطع الطريق بين رميش وعيتا الشعب. وأعلن الحزب مساء أنه قصف الكريوت شمال مدينة حيفا كما أعلن أنه قصف بصلية من الصواريخ النوعية مدينة حيفا.
“النهار”