منسوب التفاؤل مرتفع: التسوية قاب قوسين
كفّة الوصول إلى اتفاق وشيك على وقف لإطلاق النار على جبهة لبنان كانت راجحة بشكل ملحوظ يوم أمس، والإيجابيات التي أُشيعت أوحت انّ التسوية السياسية باتت قاب قوسين او أدنى. والأسبوع الجاري مرشح لأن يكون أسبوع الإعلان عن الاتفاق. ويعزز ذلك ارتفاع منسوب التفاؤل بشكل ملحوظ لدى كل العاملين على خط التسوية، وعكست ذلك الرئاسة الفرنسية بإعلانها انّ المناقشات بشأن وقف إطلاق النار في لبنان أحرزت تقدّماً كبيراً، وهدفنا التوصل إلى وقف لإطلاق النار يضمن حماية السكان وعودة النازحين إلى منازلهم بأمان على جانبي الخط الأزرق مع احترام سيادة لبنان». فيما اكّد البيت الابيض وجود إيجابيات، الّا انّه اعلن انّه لا يوجد اتفاق جاهز الآن بشأن وقف إطلاق النار في لبنان، مشيراً الى «اننا سنعلن عنه عندما يتمّ إحرازه». كما لفت إلى «أننا لن نؤكّد أي تقارير تحدثت عن ضمانات قدّمتها الولايات المتحدة لإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في لبنان».
من جانب لبنان، فإنّ الأمر منجزٌ بالكامل، والموقف النهائي تمّ إبلاغه إلى الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين، واما الكابينيت الإسرائيلي، إذا ما صَدَقت توقعات مسؤولين أميركيين عبر موقع «إكسيوس» فسيعلن موافقته على الاتفاق اليوم. إلّا إذا ظلت إسرائيل ممعنة في الدفع في الاتجاه المعاكس، وحشر الجهود الرامية إلى بلوغ هذا الإتفاق، في دائرة المراوغة والتسويف، ما قد يبقي الميدان الحربي مفتوحاً على وتيرة عالية من التصعيد. حيث بقي هذا الميدان بالأمس في دائرة النار الاسرائيلية التي شملت بغارات جوية تدميرية مكثفة البنى السكنية والمدنية في الضاحية الجنوبية وقرى ومدن الجنوب، ولاسيما في مدينتي صور والنبطية.
بري ينتظر الإعلان
بحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» من مصدر رفيع معني بمفاوضات التسوية فـ«إنّ الاتفاق كان منجزاً بصورته النهائية خلال الاسبوع الماضي، والوسيط الاميركي آموس هوكشتاين تواصل مع عين التينة ناقلاً ايجابيات جدّية وتأكيدات بأنّ الأمور تسير في اتجاه خواتيمها».
وبحسب المصدر عينه، فـ«إنّ جواً من الترقّب تلا هذا التواصل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وفقاً لما سمعه من هوكشتاين في الاتصالات المباشرة معه او في الرسائل النصية عبر «الواتساب»، انتظر أن يتمّ الإعلان عن بلوغ الاتفاق ووقف اطلاق النار خلال الاسبوع الماضي، ولكن ذلك لم يحصل لأسباب اميركية – اسرائيلية».
ولفت المصدر إلى أنّ الأجواء ايجابية جداً، ولكن تبقى العبرة في الموقف الإسرائيلي الذي يفترض ان يصدر اليوم. وقال: «إذا ما اكملت الامور مسارها الإيجابي، فإنّ اعلان الاتفاق رسمياً على التسوية ووقف اطلاق النار سيتمّ يوم غد الاربعاء. على ان يتمّ الاعلان عن ذلك من قبل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، خلال جلسة يعقدها مجلس الوزراء».
ولاحظ زوار الرئيس بري ارتياحاً ملحوظاً لديه حيال مسار الامور، كاشفاً أنّ الملاحظات التي قدّمها الجانب اللبناني قد أخذ بها، كما تمّ التأكيد على كل ما طرحناه في ما خصّ القرار 1701، مؤكّداً انّ الاتفاق تمّ على ان تكون فرنسا من ضمن لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق. ونقل عنه قوله إنّ «الجو منيح والامور من جهتنا قد اكتملت، وقمنا بما علينا في هذا المجال، ولا انتظر شيئا سوى اعلان الاتفاق ولا يوجد ما يحول دون ذلك».
فهموا الرسالة
إلى ذلك، أبلغ مرجع مسؤول إلى «الجمهورية» قوله: «إن التصعيد الاسرائيلي الذي ارتفعت وتيرته في الايام الاخيرة محاولة مكشوفة من قبل نتنياهو لإحداث وقائع ميدانية تمكّنه من تطعيم مسودة التسوية المقترحة، بشروط إسرائيلية يفرضها على لبنان و«حزب الله».
ولفت المرجع عينه إلى أنّ هذا التصعيد الإسرائيلي هو من حيث المبدأ جزء لا يتجزأ من الطبيعة الاسرائيلية، إلّا أنّ رفع وتيرته في الأيام الأخيرة أمر مريب جداً، وخصوصاً انّه يتزامن مع مسار المفاوضات الذي بات وشيكاً من إعلان اتفاق على تسوية. وهو الأمر الذي يوحي وكأنّ هناك من أعطى الإسرائيلي ( في اشارة مبطنة الى الاميركيين) هامشاً زمنياً اضافياً، ليحاول من خلال الضغط والتصعيد في بيروت والضاحية وسائر المناطق اللبنانية أن يحقق شروطاً افضل لإسرائيل في هذه التسوية.
الّا انّ هذه المحاولة، يضيف المرجع عينه، «تبدو انّها أُحبطت، وأعتقد انّهم جميعهم، الإسرائيليون وغيرهم، فهموا الرسالة الصاروخية المكثفة التي اطلقها «حزب الله»، وعكست بما لا يقبل أدنى شك استعداداً لتوسيع دائرة النار وتجاوز كلّ السقوف التي التزم بها الحزب حتى الآن، وانّ اسرائيل إنْ أرادت هذا التوسيع فليكن، وتؤكّد بالتالي أنّ محاولة إسرائيل تحسين شروطها عبر المفاوضات على حساب لبنان وبالشكل الذي يمسّ بسيادة لبنان، لن تجدي نفعاً، كما انّ محاولتها تحقيق ذلك بالتصعيد والنار سترتد عليها. وكل العالم رأى يوم الاحد المشهد في إسرائيل، وما أحدثه تساقط مئات الصواريخ على المستوطنات والمدن الاسرائيلية وتحديداً في تل أبيب».
ثوابت لبنانية
إلى ذلك، وبمعزل عن محاولات اسرائيل تحسين شروطها أو عدمها، فإنّ موقف لبنان من التسوية المقترحة، على ما يؤكّد لـ«الجمهورية» مصدر معني مباشرة بمفاوضات وقف النار، تمّ إبلاغه بصورة نهائية، على شاكلة ثوابت لا حياد عنها، أو القبول بما يمسّ بسيادة لبنان، ولو بأدنى تفصيل، ولا سيما لجهة وقف اطلاق النار، والانسحاب الفوري للجيش الاسرائيلي إلى ما وراء الحدود الدولية، وعودة النازحين اللبنانيين إلى بلداتهم في الجنوب من دون اي شروط، والتنفيذ الكلي للقرار 1701 ونشر الجيش اللبناني من دون أي اضافات تخلّ بهذا القرار، وتمسّ بالسيادة للبنان. ومن هنا فإنّ لبنان هو الذي يطلب ضمانات بعدم العدوان عليه من قِبل اسرائيل، ولا يمكن له أن يماشي أي ملحقات منظورة وغير منظورة للقرار 1701، ولا أي ضمانات جانبية كمثل التي تطلبها إسرائيل من الولايات المتحدة الاميركية، بما يتيح لها حرّية العدوان على لبنان».
وإذ لفت المصدر عينه إلى انّه يستبعد ان يمثل تشكيل ما سُمّيت لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق، مشكلة أو عائقاً، مرجحاً انضمام الفرنسيين إلى جانب الولايات المتحدة، قال «إننا لا نعتبر أنفسنا معنيين بما يجري ما بين الاميركيين والاسرائيليين، فما يقرّرونه في ما بينهم يتعلق بهم وحدهم ولسنا معنيين به من قريب او بعيد. وما نؤكّد عليه في هذا السياق أنّه لن يُكتب النجاح لأي محاولة، أياً كان مصدرها، لفرض مندرجات من شأنها أن تمسّ بسيادة لبنان وتمنح العدو حرّية العدوان عليه. وبكلام صريح لا قبول على الإطلاق من قريب او بعيد بحرّية العمل والاستطلاع الاسرائيلي بعد الاتفاق».
المصدر: الجمهورية