إنهاء الحرب بين حزب الله وإسرائيل
كتب David Hale لـ”This is Beirut“:
يتركز الاهتمام الدولي في الفترة الحالية على كيفية التوصل لوقف لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل، تمهيدًا لوضع حد للقتال في مرحلة من المراحل. وهذا التركيز طبيعي نظراً للوضع في غزة ولأهداف الحرب الإسرائيلية هناك، على الرغم من التنسيق الواضح بين الوكلاء الإيرانيين من أجل استهداف المصالح الإسرائيلية والأميركية والعالمية. ومع ذلك، يبقى خطر التصعيد بين حزب الله وإسرائيل قائمًا. ولم يهمل الزعماء والدبلوماسيون الأميركيون والفرنسيون على وجه الخصوص هذه الجبهة، على الرغم من أنّ جهودهم لم تثمر إلا قليلاً على ما يبدو. وعكفت إدارة بايدن منذ البداية على تخفيض احتمال تطور الأمر إلى حرب شاملة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وهذا ما يؤكده قيامها بنشر حاملتي طائرات أميركيتين في شرق البحر الأبيض المتوسط في أعقاب مجزرة 7 أكتوبر.
ومع ذلك، تبقى درجة ضبط النفس النسبية للجانبين رهناً بحساباتهما الخاصة أكثر بكثير مما هي مرتبطة بأفعال أو برسائل واشنطن. ولا يبدو أنّ القادة الإسرائيليين يتعجلون لفتح جبهة ثانية بالتوازي مع حربهم ضد حماس، على الرغم من حدة خطاباتهم.
أما في ما يتعلق بإيران، فتفترض إحدى النظريات أن القادة الإيرانيين لا يجدون مصلحة ذاتية في التخلي عن قوة حزب الله بالكامل. وإلا ستوجه إسرائيل حجماً هائلاً من الضربات ضد حزب الله، بهدف إضعاف قدرته على تهديد إسرائيل على المدى الطويل، بشكل كبير. ويكتسب تهديد حزب الله قيمة استراتيجية بالنسبة لإيران؛ إذ إن وجوده يوفر رادعًا نظريًا ضد أي ضربة إسرائيلية لبرنامج إيران النووي. وهذا يعني أنه ليس شيئًا يمكن الإستهتار في استخدامه أو إهداره. ومع ذلك، تشهد سجلات الحرب على تاريخ من الحسابات الخاطئة والافتراضات الكاذبة والاستخبارات الخاطئة والغطرسات. ولا ينبغي لأي كان أن يستبعد خطر التصعيد.
لهذا السبب، بينما تناضل إسرائيل لوضع نظام استراتيجي جديد بعد السابع من أكتوبر، ينشأ على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية شعور بأن بعض الأمور بقيت عالقة أو بالأحرى، كالموت الوشيك.
تعود المشكلة لعدم الإيفاء بالالتزامات في نهاية حرب 2006، وتحديداً قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701. قرار يتمتع بكل المقومات اللازمة لترسيخ الاستقرار الدائم في جنوب لبنان وشمال إسرائيل، ما خلا آليات التطبيق وغياب أدنى مقومات الصدق من جانب حزب الله وأسياده الإيرانيين. وبعد مرور ثمانية عشر عاماً، وبعد أن تحولت تلك المنطقة الحدودية مرة أخرى إلى قمرة قيادة للحرب، يتعين علينا جميعاً التعلم من دروس 2006 ومن الفشل في تطبيق القرار 1701 بشكل كامل.
الدرس الأول، تجنب التركيز على الإصلاحات قصيرة المدى بشكل حصري. عندما ينتهي القتال في غزة، سيبرز ميل للتغاضي عن المشاكل القائمة بين حزب الله وإسرائيل. لكن شراء إذعان حزب الله مقابل تخفيف الضغوط عليه وتقديم التنازلات السياسية له مثلاً في ما يتعلق بالرئاسة اللبنانية، لن يسهم بأي شكل في تحقيق الاستقرار. وبدورهم، لن يستسلم الإسرائيليون للقبول بالعودة إلى الوضع الراهن وغير المستقر الذي كان سائداً قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
الدرس الثاني، المثابرة والتركيز على الأسباب الجذرية. لقد لعبت الدبلوماسية الأميركية دوراً فعالاً في إنهاء حرب 2006. لكن بعد سريان وقف إطلاق النار، تعقدت الأمور، وبدا أن المسؤولين الأميركيين فقدوا الاهتمام، وانتقلوا إلى أزمات أخرى. هذا الإهمال مكّن حزب الله من التهرب من متطلبات القرار 1701، وتحديدًا نزع سلاحه. وفي حال لم يودّ من يشعرون بالتهديد من حزب الله، تكرار هذه التجربة، يتعين على الولايات المتحدة وشركائها الإستمرار في انخراطهم حتى بعد توقف القتال. علاوة على ذلك، يجب الإعتراف بأن العدو الاستراتيجي الأساسي موجود في طهران، وليس في بيروت. أما إن اقتصر رد الولايات المتحدة على التهديد الإيراني على رد الفعل والتركيز على وكلاء إيران، لن ينعم أولئك المستهدفون من قبل إيران بالسلام أبداً.
عندما يشعر القادة الإيرانيون بالألم، وليس وكلاؤهم فقط، سنبدأ بخلق سياق يفرض تكاليف حقيقة وإعادة تقييم لسلوك إيران وحزب الله المتمثل في الإفلات من العقاب. ويشكل فرض العقوبات على إيران والضغط العسكري على أصولها وأفرادها المتمركزين خارج إيران، نقطة انطلاق جيدة لقلب الطاولة عليها. النجاح يتطلب الوقت والمثابرة.
رحلات الدبلوماسيين الأميركيين والغربيين الإلزامية إلى لبنان ستستأنف بمجرد ظهور بارقة أمل حول التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة من جديد. ولكن في حال تجاهلت الاستراتيجية البعد المركزي أي إيران، ستفقد المناقشات جدواها في الغالب. وما دامت القيادة الإيرانية لا ترى أي ضير أو خطورة في الإستمرار بالتصعيد، لن ينعم المدنيون اللبنانيون الأبرياء الذين فروا شمالاً، ونظراؤهم الإسرائيليون الأبرياء الذين انتقلوا جنوباً، بالراحة ولن يعودوا إلى منازلهم. وعلى الرغم من أن ميليشيا حزب الله المسلحة قد لا تشعر بالضغوط السياسية التي يمارسها النازحون، الأمر ليس سيان في ما يخص قادة إسرائيل المنتخبين. وإذا عجزت الولايات المتحدة عن وضع خطة استراتيجية مقنعة للتعامل مع التهديد الإيراني الذي يشمل منطقة الشرق الأوسط بالكامل، بما في ذلك التهديد القادم من لبنان، سيشعر المسؤولون الإسرائيليون بأنهم مضطرون لمعالجة التهديد في الشمال بطريقتهم الخاصة بمجرد استقرار الوضع مع حماس. لقد تطورت حدة القتال على جانبي الحدود بشكل لا يُقاس على مدى هذه السنوات الثمانية عشر؛ وستتجاوز الخسائر في حرب شاملة مأساة عام 2006 بكثير. وليس من شأن أي وساطات أو تنازلات تتجاهل الأسباب الجذرية، إلا إراحة مجموعة واحدة فقط من الجهات الفاعلة: إيران وحزب الله. وهذا ليس بالحل ولا البديل عن فن الحكم الحقيقي الذي تكثر الحاجة إليه للتعامل مع المشكلة الإيرانية الدائمة.
– ترجمة “هنا لبنان” –