إسرائيل “مأزومة” شمالاً: حرب مستبعدة وعودة مستحيلة إلى القواعد القديمة
بمجرد الإعلان عن زيارة المبعوث الأميركي، آموس هوكشتاين، إلى إسرائيل للبحث في تخفيف المواجهات مع حزب الله، وتجديد السعي للوصول إلى تهدئة، حتى خفتت حدّة المواجهات في الجنوب.
ثلاثة أيام كان منسوب العمليات فيها متراجعاً، وتحديداً بعد الغارات التي استهدفت منزلاً في بلدة جناتا. في ظل التصعيد، وتوالي التهديدات الإسرائيلية كانت الاتصالات الدولية والديبلوماسية تنشط في الكواليس لمنع الانفجار والصدام الواسع.
الجميع ينتظر ما سيحمله هوكشتاين. ولكن من دون ثقة مفرطة بإمكانية الوصول إلى تفاهمات سريعة، تسهم في إيجاد حل للمشكلة. إنما الطموح هو بتفاهمات موضعية، غايتها عدم الدخول في صراع أوسع.
أصبح من الواضح أنه كلما اقتربت الجبهة من الانفجار، تعمل يد خفية على لجمها، وإعادتها إلى ضوابط وقواعد اشتباك لا تسمح باتساع نطاق المواجهة، أو تحولّها إلى حرب واسعة. أكثر من أربع مرات شارفت المواجهات بين حزب الله وإسرائيل على الانفجار، فاتسمت بتصعيد كبير، وتكثيف للعمليات وتعميقها. وكاد يخيّل للمرء أن لحظة الحرب قد دنت، إلى أن تتداخل عوامل كثيرة تسهم في سحب فتيلها. وكأن الجميع يلتزم بضوابط عدم الإنجرار إليها. فحزب الله في الأساس لا يريدها، ويبقي على لبنان كجبهة إسناد فقط. أما في اسرائيل فهناك تردد واضح لدى الحكومة والجيش، على الرغم من تتضارب التصريحات الإسرائيلية ورفع منسوب التهديدات، والتلويح بقرب شن عملية عسكرية موسعة.
فإلى جانب كل المواقف التصعيدية والتهديدات من قبل مسؤولين إسرائيليين، إلا أنهم يذيلون تصريحاتهم بالخيار السياسي أو الديبلوماسي. وهذا بالتأكيد يترافق مع عدم توافر رؤية واضحة لأي حرب ستخوضها تل أبيب في لبنان، أو لأهدافها التي تبدو مستحيلة التطبيق. خصوصاً في ضوء الإعلانات عن دفع حزب الله للتراجع إلى شمالي نهر الليطاني أو توجيه ضربة قوية لقدراته العسكرية، وخصوصاً منها الأسلحة المتطورة التي يمتلكها.
هناك تأكيدات بأنه لا رؤية واضحة لدى الإسرائيليين حول أهداف الحرب المحتملة وكيفية تحقيقها. وهذا بلا شك يخلق معضلة إسرائيلية مضاعفة، لأن تل أبيب ستكون محرجة بين خيار التصعيد الذي لا تعرف نتائجه وتداعياته، وما يمكن أن يلحقه الحزب من خسائر بها، لا سيما في ضوء الحديث عن صواريخ بالستية، وصواريخ بعيدة المدى تتجاوز الـ80 كلم وذات قدرة تدميرية عالية.
أمام كل هذه الوقائع، يتضح أن إسرائيل بمأزق استراتيجي حول كيفية التعامل مع جبهة لبنان، فهي التي ترفض أي صيغة لوقف النار في قطاع غزة، كي لا تخرج خاسرة، وذلك ينطبق أيضاً على لبنان. يتحدث الإسرائيليون عن أنه لا يمكنهم الموافقة على العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول، ولكن من دون اتضاح للرؤية التطبيقية لذلك. وهو ما سيؤسس إلى شرخ كبير في الداخل الإسرائيلي، مع غياب أي جهة ضامنة قادرة على تحقيق ما تسعى إليه تل أبيب. وهذا سيكون أحد البنود الرئيسية في زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى واشنطن، والتي سيبحث فيها وضع الجبهة مع لبنان، وسيطلب من الأميركيين المزيد من الأسلحة.
بالنظر إلى القدرة على لجم التصعيد، يبقى خيار الحرب الواسعة مستبعداً.. إلا إذا كان هناك خروج إسرائيلي على كل الضوابط. وحينها لا يمكن توقع مدى طول الحرب وأفقها. في المقابل أيضاً، فإن أي أفق لحل سياسي أو ديبلوماسي لا يبدو ظاهراً، في ظل عدم اتضاح الرؤية وتمسك حزب الله بموقفه وإصرار الإسرائيليين على عدم العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول. فالحزب يطرح عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل طوفان الأقصى، وأنه سيلتزم بوقف إطلاق النار بمجرّد وقفه في غزة. لكن ذلك سيكون مشكلة إسرائيلية تواجهها الحكومة والجيش مع سكان المستوطنات الشمالية، الذين سيرفضون العودة في ظل استمرار التخوف من شن حزب الله في أي لحظة هجوم مشابه لهجوم 7 تشرين في غزة.
إنه المأزق الإسرائيلي بلا أي أفق، ما قد يكون قابلاً لإطالة أمد حرب الاستنزاف، وإطالة المساعي والجهود المبذولة، بانتظار معجزة إقليمية تسهم في تغيير الوقائع أو إرساء تفاهمات أكبر، يكون انعكاسها أقوى من القدرة على تجنبها.