رئيس الأركان ينتظر التوقيت: إزالة العيب بتأييده
| نقولا ناصيف |
ما يدور لدى المؤثرين حيال انتظار بتّ مصير رئيس الاركان ان الحل القانوني المقبول جاهز، بيد انه ينتظر التوقيت السياسي. يستمهل ايضاً نضوج بعض تفاهمات اولئك. اما ما لا يفترض ان ينتظر في اي وقت، فهو ان يصبح الجيش مرجوحة السياسيين بحبال اهل البيت.
بينما اتسمت ازمة تطويع تلاميذ ضباط الكلية الحربية بطابع اداري مطعّم بتسييس، تنتظر الازمة التالية ـ وهي تثبيت «العميد» حسان عودة في المنصب الذي عيّنه فيه مجلس الوزراء في 8 شباط الفائت خلافاً للدستور والقانون ـ معالجة سياسية بكل الاشكالات التي انطوت عليها، وأبعد من ملء شغور في منصب رئيس الاركان كيفما كان. ما حدث حينذاك، كان قرار كيفما كان، اعتادت اتخاذه حكومات الشغور في رئاسة الجمهورية بدءاً من السابقة الاولى (حقبة الحكومتين 1988 ـ 1990) وانتهاء بالحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. بسبب تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية، يصبح في مستطاع حكومة الشغور، بالتجارب الاربع المعروفة، انتهاك القانون وابتكار التبرير والذرائع، متسلحة بما يسمّى «عقولاً» دستورية محوطة بها. لكن السابقة غير المرتكبة في التجارب الثلاث المنصرمة (حكومتا 1988 ثم حكومتا 2007 و20014) ان تلك عبثت بالقوانين دونما مدّ يدها الى الدستور وعليه. ابسط الشروح ـ مع ان مخالفة القوانين رافقت المرحلة الطويلة لحقبة ما بعد اتفاق الطائف الى اليوم في ظل وجود الرئيس ومن دونه ـ ان التوازنات الداخلية والاسترضاء يحتّمان الشروع احياناً في تغليب الواقع وارتباطه بالاستقرار على النصوص الملزمة.
ما يُناقش في الوقت الحاضر يختلف عما تزامن مع تعيين مجلس الوزراء رئيساً للاركان في جلسة 8 شباط، في المحضر الرقم 64. قيل آنذاك ان الحاجة ماسة الى مَن يشغل المنصب نظراً الى ضرورة ان يحل محل قائد الجيش العماد جوزف عون في خلال غيابه عن لبنان للمشاركة في اجتماعات ذات صلة بالمؤسسة العسكرية او طلب مساعدات لها. مع ذلك سافر عون اكثر من مرة، ولم يحل عودة بعد تعيينه محله ما ان جهر وزير الدفاع موريس سليم برفض الاعتراف بالتعيين لمخالفته الدستور والقانون في آن، كما امتناعه عن تسلمه منه اي مراسلات في غياب قائد الجيش. لا يستقبله حتى. المراسلات التي يتسلمها سليم في الوقت الحاضر تقتصر على توقيعيْ قائد الجيش ونائب رئيس الاركان تبعاً لاختصاصه.
ما انتهى اليه ما حدث حينذاك ان عودة اضحى سياسياً رئيساً للاركان، دونما ان يكون وظيفياً وعسكرياً كذلك في وزارة الدفاع، ولا في المجلس العسكري الذي هو نائب رئيسه. يحضر اجتماعاته ولا يشترك في المناقشات، ولا يصوّت، ولا يوقع محضره، ولا يؤتى في المحضر حتى على انه كان. اقرب ما يكون الى «مراقب». ما يفعله انه يلزم مكتبه. ثمة رئيس للاركان ليس حقيقياً سوى عند قائد الجيش بالذات الذي لم يستطع ان يقدّم له سوى المكتب وتنكّب النجمة الجديدة وتعويضات رتبة لواء.
بانتهاء مشكلة تطويع تلاميذ ضباط الكلية الحربية، بات الوقت متاحاً للخوض في المشكلة الاخرى مجدداً. لكن لسبب مختلف تماماً عن المرة الاولى ان لم يكن نقيضه، هو الاستعداد لانتهاء السنة الممددة لعون في اليرزة المفترض انتهاؤها في 10 كانون الثاني 2025. بينما اقتضت تسوية الكلية الحربية تفاهم الوزير والقائد، توجب المعضلة الثانية وجود الاول دون الثاني وادخال افرقاء اللعبة السياسية في صلبها. ذلك ما اوجب بداية طرح فكرة استدراك اوسع يشمل تعيين المناصب الثلاثة الشاغرة في المجلس العسكري (الى رئيس الاركان المدير العام للادارة الشيعي والمفتش العام الارثوذكسي ناهيك بالعضو المتفرغ الكاثوليكي بيار صعب الذي يحال الى التقاعد في 27 ايلول). تسوية موسعة كهذه تحتاج الى تفاهم اوسع نطاقاً ما بدا مستعصياً في الوقت الحاضر على الاقل، اطرافه المباشرون ـ الى الثنائي الشيعي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ـ التيار الوطني الحر. ترددت كذلك احاديث عن افكار اكثر اسهاباً، تقضي بسلة تعيينات لا تقتصر على العسكريين بل تشمل ادارات مدنية رئيسية. بدورها مستعصية.
اما الحل القانوني المطروح لدى المعنيين بالتسوية الجديدة في أوان استحقاقها، فيستند الى المادتين 236 و237 في قانون الموجبات والعقود الصادر في 11 تشرين الاول 1934، النافذ منذ الانتداب الفرنسي، في تناولهما قاعدة «تأييد». ما تورده المادتان في صدد عمل او قرار اداري مشوب بعيب قانوني، ان يصير الى تأييده باتخاذ قرار يتجاوز العيب مؤداه ازالته في معرض ايجاد مخرج له. العيب القانوني في تعيين رئيس الاركان في جلسة 8 شباط، انبثاقه من قرار عن مجلس الوزراء لم يُرفق باصدار المراسيم الثلاثة الواجبة للقرار، وهي منح العميد عودة اقدمية في الترقية ثم تعيينه رئيساً للاركان فترفيعه الى رتبة لواء. المراسيم الثلاثة تلك التي قال قرار مجلس الوزراء انه سيصدرها عملاً بانتقال صلاحية الاصدار اليه من جراء الشغور ويطلب نشرها لاحقاً، لم تنشر في الجريدة الرسمية تبعاً للاصول المتبعة توطئة لنفاذها، ما احال قرار التعيين برمته معيوباً وغير قانوني. ما لم يسع مجلس الوزراء بعدذاك في مراكمة الخطأ الجسيم فوق الخطأ الجسيم.
ذلك ما تسلّح به وزير الدفاع كي يرفض الاعتراف برئيس للاركان على انه غير قانوني. لا مراسيم كرّست التدابير الثلاثة المتتالية. مع ان ذاك القرار مشوب بدوره بعيب دستوري فاضح هو تجاوز المادة 66 عندما قفز من فوق التوقيع الملزم للوزير للمراسيم ذات الصلة باختصاصه.
المخرج الجاري الحديث عنه ان يعمد سليم الى اقتراح تعيين رئيس للاركان، وهو صاحب الاختصاص في الاقتراح تبعاً لقانون الدفاع، يفضي الى تأييد ازالة العيب القانوني عبر اصدار المراسيم الثلاثة المؤجلة بعد عرضه على مجلس الوزراء واقراره تصدر على الاثر المراسيم الثلاثة.
السؤال المرفق بالمخرج هو الآتي: هل يعطى الاقتراح المقبل المفترض للوزير مفعولاً رجعياً كي يسير نفاذه منذ وقع العيب القانوني في جلسة 8 شباط، أم يسري النفاذ فوراً بمنحه مفعولاً آنياً على نحو يرفع العيب من تاريخ صدور القرار؟
الخيار الثاني يبدو الاكثر ترجيحاً دونما ان يبين، الى الآن على الاقل، الموعد القانوني للتثبيت ما دام القرار السياسي استقر عليه في انتظار التوقيت المناسب.
ليس الوصول الى هذا المخرج ـ مع ان الوقت لا يزال رحباً في الاشهر الستة المتبقية في ولاية قائد الجيش حتى كانون الثاني 2025 ـ سوى اصرار سياسي لدى افرقاء اساسيين ـ لا يقتصرون بالضرورة على العدو الاول وهو التيار الوطني الحر ـ على التخلص منه في موقعه، المتداخل مع طموحات شخصية الى طرح معاوني عون المحيطين به في القيادة من بين مستشاريه الضباط العاملين والمتقاعدين المتعاقدين ترشيحه لرئاسة الجمهورية. تثبيت عودة في منصبه يحيل انتقال قيادة الجيش اليه بعد نهاية ولاية القائد الحالي في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية. اما غير المستبعد دونما ان يكون قاطعاً، في ظل بعض محاولات تطبيع العلائق بين الافرقاء، ان يصير الى تعيين قائد جديد للجيش.
اما وجهة النظر المقابلة، النقيضة بدورها، فتكمن في الرغبة في تعثّر تثبيت عودة بغية ابقاء المعضلة على ما هي عليه الآن حتى الاقتراب من 10 كانون الثاني 2025، لتبرير ما قيل عشية اقرار مجلس النواب قانون تمديد ولاية عون في منصبه: اشاعة التهويل والهلع على ان الجيش برمته في خطر محتوم.