إسرائيل العاجزة عن الحرب تلجأ إلى المواجهة الصوتية
إلى جانب المواجهة العسكرية والأمنية المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، يفتح الإسرائيليون مجدداً مواجهة ثالثة سمتها “التصريحات والتهديدات”. وهي توازي عمليات التخويف والتهديد التي يمارسها الإسرائيليون بخرقهم لجدار الصوت في مختلف المناطق اللبنانية بين يوم وآخر. ما وصلت إليه “المواجهة الصوتية” هو تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، حول عدم ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، وأن الوصول إلى وقف إطلاق النار في القطاع لا يعني أن ذلك سينسحب على الجبهة اللبنانية. ليعود ويصوّب كلامه بأن اسرائيل تضغط على حزب الله في سبيل دفعه للقبول بتسوية تسمح بإعادة سكان المستوطنات الشمالية.
التهديد والعجز
عملياً، يستفيد حزب الله من كل هذه التصريحات والتهديدات الإسرائيلية المستمرة منذ أشهر. إذ لا يمر يوم إلا ويهدد فيه الإسرائيليون الحزبَ ولبنان بشن عملية عسكرية كبرى، بينما هم غير قادرين على فعلها. وهنا، لا يزال الحزب يعتبر أن إسرائيل لا تريد الحرب وعاجزة عنها. ومن الواضح بالنسبة إليه أن كل التصاعد في التهديدات الإسرائيلية أو من خلال العمليات التي ينفذونها، يهدفون إلى تكبير عناصر الضغط على الحزب، لدفعه إلى القبول باتفاق يرضيهم. يعتبر حزب الله أن تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي بلا أي تأثير أو فعالية، فهي جزء من حرب المزايدات في الداخل، وجزء من محاولة لتحسين شروطهم التفاوضية.
ليس هذا الأسلوب جديداً على الإسرائيليين، الذين يتقنون ممارسة سياسة الابتزاز الدولية، والتي يسعون من خلال التهديدات المتوالية باستعدادهم الحرب وإقدامهم عليها، إلى دفع القوى الغربية للتدخل ومساندتهم أو منحهم ما يريدونه بالمعنى السياسي، لتجنّب الدخول في تلك الحرب. الخلاصة التي يتم الوصول إليها -بالنسبة إلى الحزب- بين القوى الغربية، هي وجود رأي دولي يعتبر أن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب وتوسيعها، بينما كل القوى الأخرى تتفق على عدم إعطائه هذه الفرصة.
ما يريده نتنياهو
لذلك، لا يزال نتنياهو يحاول إعاقة الوصول إلى الصفقة، من خلال استباق أحد الاجتماعات السياسية والأمنية للبحث في المقترح المقدم، بتصريح أشار فيه إلى إصراره على استمرار الحرب لتحقيق الأهداف المعلنة. وهو ما اعتبر من قبل مسؤولين إسرائيليين بأنه استفزاز للطرف الآخر، أي لحماس. وهدفه قطع الطريق على الوصول إلى اتفاق.
في هذا السياق، تقول المصادر القريبة من الحزب إن نتنياهو لا يزال يحاول إعاقة الوصول إلى تسوية أو اتفاق، وهو يركز على الانتقال إلى المرحلة الثالثة في غزة، أولاً كي يبقى في حالة حرب، وثانياً يواصل عملياته بشكل موضعي، وثالثاً يخفف من منسوب الضربات التي يتعرضها لها بفعل الانتشار العسكري البري الواسع داخل القطاع، ورابعاً لإن نتنياهو يدرك أنه في لحظة الموافقة على الصفقة قد تكون حكومته مهددة، وبالتالي قد يتم الإطاحة بها. أما خامساً، فيريد نتنياهو إطالة أمد الحرب بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية وما يليها من انعكاسات، خصوصاً أنه يتخذ موقفاً واضحاً إلى جانب الجمهوريين ودونالد ترامب في مواجهة الرئيس جو بايدن.
خلاصة الكلام، إن جلّ ما يمكن أن يوافق عليه نتنياهو هو المرحلة الأولى من الصفقة، التي تقضي بإطلاق سراح الرهائن والأسرى، والتي يمكن أن تتمدد كلما كان هناك اتفاق على إطلاق سراح المزيد من الأسرى. ولكن بعدها سيعود إلى إعاقة التفاوض على المرحلتين الثانية والثالثة من الصفقة، ليعود إلى تطبيق المرحلة الثالثة من الحرب.
وهذا يعني الدخول في مرحلة طويلة من حرب الاستنزاف، بانتظار الوصول إلى متغيرات كبرى على مستوى العالم والمنطقة، تفضي إلى إنهاء الحرب فعلياً.
منير الربيع – المدن