اللوح المفقود بين شواطئ العرب وسواحل البرازيل
ينازع الفايكونغ في إسكندنافيا وكذلك الأمازيغ في شمال إفريقيا والبولينيزيون في جزر المحيط الهادئ كريستوفر كولومبوس على اكتشاف أمريكا، إلا أن عددا من العلماء يؤكد أن الفينيقيين سبقوا الجميع.
يوصف الفينيقيون الذين بنوا حضارة مزدهرة ما قبل الميلاد، نشأت في صيدا بلبنان الحالي تم انتقلت إلى قرطاج في تونس وامتدت لاحقا إلى إسبانيا، بانهم أفضل بحارة في العصور القديمة.
لعدة قرون جابت سفن الفينيقيين التجارية المتوسط وبلغت سواحل بريطانيا، وجابت بحر البلطيق، ووصلت على جزر في المحيط الأطلسي. بعض العلماء يعتقد أن الفينيقيين كانوا أول من وصل إلى سواحل أمريكا، أي قبل وقت طويل من وصول كولومبوس إليها في عام 1492.
قصة ظهور واختفاء اللوح البرازيلي:
تلقى رئيس الجمعية التاريخية والجغرافية البرازيلية، الماركيز دي سابوكاهي في خريف عام 1872، رسالة من مزارع من مقاطعة بارايبا البرازيلية، يدعى يواكيم ألفيس دا كوستا. روى الرجل في رسالته أن العاملين في مزرعته أثناء قيامهم بإعداد أحجار للبناء، وجدوا لوحا حجريا مكسورا إلى أربعة أجزاء عليه كتابات غير مفهومة.
قام نجل صاحب المزرعة المتعلم بدقة بنسخ ما كتب على اللوح على ورقة أرفقت بالرسالة. المزارع رغب في أن يكشف هذا الأستاذ الكبير من قام بنقش هذه الكتابة المجهولة.
دي سابوكاهي لم يكن قادرا على التعامل مع تلك اللغة الغامضة، وأحال المهمة إلى مؤرخ شاب يدعى لاديسلاو نيتو. هو الآخر لم يكن متخصصا في اللغات القديمة، إلا أنه كان مجبرا بحسب الأوامر التي تلقاها على تولي المهمة.
انكب يبحث عن حل للغز النص المجهول بلا جدوى. في تلك الأثناء حاول لاديسلاو العثور على المزارع صاحب الرسالة ومالك اللوح الأصلي، إلا أنه فشل في ذلك تماما. كان موقعه بحسب عنوان الرسالة يسمى ” باوسو ألتو”. هذا الاسم كان يطلق على أمكنة عديدة في البرازيل، لكن لم يتم العثور على اللوح ولا من عثر عليه.
إمبراطور البرازيل بيدرو الثاني اهتم بالموضوع بعد تلقيه مذكرة من الأستاذ دي سابوكاها. الإمبراطور قرر الاستعانة بالفيلسوف والخبير الفرنسي بالأديان القديمة، إرنست جوزيف رينان.
رينان رفض بشكل قاطع فك لغة النص، وأرسل ردا صيف عام 1873، ذكر فيه أن الكتابة مجرد تزوير ذكي أو مزحة سخيفة.
كان أغلبية المتخصصين والخبراء في ذلك الوقت يرون تلك القصة مجرد تزوير لا قيمه له. بالمقابل اعتقد آخرون في صحة لوح بارايبا. من هؤلاء المستشرق الألماني كونستانتين شلوتمان، الذي كتب بعد دراسة النص في عام 1874 قائلا: “إذا كان هذا النص مزيفا، فلا بد أن الفاعل كان خبيرا ممتازا في اللغة الفينيقية ولديه موهبة كتابية كبيرة، لأن السمات الفردية للنقش ليست فينيقية فحسب، بل ومن صيدا بلا شك. من الصعب افتراض أن مثل هذا الخبير في لهجات اللغة الفينيقية يمكن أن يعيش في البرازيل، وربما لا يوجد الكثير منهم في أوروبا”.
فشلت جميع المحاولات لفك شفرة النص الغامض، لعدم وجود متخصصين في اللغات القديمة. اللوح الأثري حامل السر الكبير كما كان يعتقد البعض حينها، نسي لمئة عام تقريبا. بعدها تلقفته الصحافة وتداولت قصة اللوح الضائع بمزيد من التفاصيل والإضافات المثيرة.
بمرور الووقت، متبت الصحف عن العثور على العديد من الأدلة عن ملاحين قدماء زاروا سواحل القارتين الأمريكيتين. بنهاية القرن التاسع عشر جرى تدال معلومات عن العثور على خرز قيل غنه فينيقي في مقاطعة لانكستر بساوث كارولينا حاليا.
نشرت معلومات أيضا في عام 1949 عن عثور مدرس على حجر في ولاية بنسلفانيا نقشت عليه شخصيات فينيقية، وعثر على لوح مماثل في عام 1956 في ولاية أوهايو. أحجار بنقوش فينيقية عثر عليها أيضا في فرجينيا بنهر رونوك علاوة على أسلحة ومقتنيات أخرى في أكثر من منطقة بالولايات المتحدة.
الكتابة التي نقشت على اللوح البرازيلي تمكن من فك شفرتها مستشرق أمريكي يدعى سايروس غوردون في عام 1960.
ترجمة النص الفينيقي القديم جاء فيها “نحن أبناء سبط كنعان من صيدا، مدينة ملكنا. نحن، البحارة التجار، جرفتنا ماه البحر إلى هذا الساحل البعيد لبلد جبلي. مضينا إلى البحر، ونضحي بشبابنا ونمدح الآلهة، في السنة التاسعة من عهد ملكنا حيرام. أبحرنا بسفننا العشر من ميناء إيزيونجيبر على البحر الأحمر. لمدة عامين كاملين أبحرنا إلى الحافة الجنوبية لأرض حام (إفريقيا) ، لكن عاصفة قوية من يد الإله بعل حطمت السفن، وفقدنا رفاقنا. وهكذا وصلنا إلى هنا إلى هذا الشاطئ 12 رجلا و 3 نساء”. الخبير يلفت إلى إن الاسم المذكور للملك حيرام جعل من الممكن تحديد تاريخ النقش في الفترة من 553 إلى 533 قبل الميلاد.
هذه الترجمة وقصة اللوح بأكملها والأدلة الأخرى اعتبرت خداعا وتضليلا ولم يصدقها إلا قلة. خبراء أكدوا أن النقش على الحجر البرازيلي وهمي ويعود تاريخه على القرن التاسع عشر. بالمقابل يؤكد آخرون أن اللوح حقيقي وإثبات اكتشاف الفينيقيين لأمريكا مرجح بشدة.