مقاومة من نوع آخر
مقاومة من نوع آخر
كتب البروفيسور إيلي الزير:
“لقد دخلنا في لبنان مرحلة الانهيار الشامل. الأمر لا يتعلّق فقط بودائعنا ونظامنا المصرفي، ولا بالقطاع السياحي الذي يجرّ أذيال الخيبة والحسرة، ولا بالقطاع الصحي اللاهث خلف دولارات النازحين، ولا حتى بالقطاع التعليمي حيث النُخب التعليمية حزمت حقائبها وغادرت بحثاً عن قليل من المال وكثير من الكرامة.
الانهيار الذي أخشى منه أكثر من كلّ ما سبق، هو أن تنهار الإنسانية في دواخلنا. كنا نطالب بالحرية والسيادة والاستقلال. فتكاسلنا وتخاذلنا، فتراجعنا فقط لنطالب بالمحبة في ما بيننا خوفاً من الاغتيال أو الخطف أو القهر.
اليوم بتنا مستعدّين للتراجع عن مطلبنا بالمحبة، ولم يعد لدينا غير مطلب وحيد هو ألّا نفقد الإنسانية في ما بيننا. الإنسانية التي إن فُقدت يتحوّل التاجر إلى سارق. يمدّ يده إلى مال الناس. ويتحوّل رجل الأمن إلى مستبدّ يتجاوز القانون باسم القانون. ويتحوّل الطبيب إلى جزّار لا يرحم في البدل المادي، ولا يُخلص لقسمه في حسن العلاج. ويتحوّل الجندي إلى فارٍّ من الخدمة. ويفقد الأب سلطته على أبنائه، وتفقد المرأة احترامها لزوجها، وتنتفي روح الصداقة في ما بيننا، ولا نعير اهتماماً لحرمة الجار.
أن نفقد الإنسانية في لبنان، هذا يعني أننا نفقد آخر ما نملك من قيم جعلت من لبنان أكثر من وطن. جعلت منه رسالة كما قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني.
علينا كلبنانيين أن نعلنها مقاومة من أجل الحفاظ على إنسانيتنا داخل عائلاتنا، مدارسنا، جامعاتنا، ودور العبادة، والمعامل، والمؤسسات الرسمية والخاصة.
المال الذي فقدناه يمكننا أن نستعيد، والأمان الذي نتحسّر عليه يمكننا أن نسترجع. لكن وحدها الإنسانية إن خسرناها لا يمكننا أن نسترجعها لأننا بخسارتها نفقد هويتنا في هذا الكون، نفقد حينها سرّ وجودنا على هذه الأرض.”