ما بعد الضاحية: هل تستدرج إسرائيل الحزب لحرب مفتوحة؟
ما بعد الضاحية: هل تستدرج إسرائيل الحزب لحرب مفتوحة؟
تتعمد إسرائيل في عدوانها على لبنان استخدام صواريخ لا تقتصر أضرارها على تدمير المبنى المستهدف، بل تتسبب أيضًا في دمار واسع في محيطه، ما يوسّع رقعة الخسائر ويرفع عدد المتضررين. وهذا ما شهدته الضاحية في العدوان الأخير. ورغم فداحة الأضرار المادية، تبقى أقلّ خطرًا مقارنةً بالأبعاد السياسية والمعنوية للعدوان، الذي تتجلى خطورته في كونه استهدافًا لأرض لبنانية ضمن حسابات إقليمية ودولية متعددة.
ما علاقة سوريا؟
وفي سياق التطورات الإقليمية، يُحتمل أن يخفي هذا العدوان خلفه خطة لإحداث تغييرات ميدانية، متصلة بما أعلنته وزارة الداخلية السورية عن ضبط شحنة تضم صواريخ موجهة مضادة للدروع (م.د) وذخائر من عيار 30 ملم، كانت معدّة للتهريب إلى الأراضي اللبنانية. كما أن الوضع على الحدود، وانقطاع التواصل بين حزب الله وسلطة أحمد الشرع، يوحيان بأن الأجواء غير مطمئنة.
ولا يمكن فصل هذا العدوان عن الوضع الداخلي لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يواجه أزمة سياسية خانقة، إلى جانب توتر علاقاته مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ويُنظر إلى العدوان كمحاولة إسرائيلية لاستدراج حزب الله إلى حرب، بهدف تمكين نتنياهو من تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، وكسب أوراق تفاوضية، والهرب من المحاسبة. ويذهب بعض المحللين إلى حدّ التعبير عن خشيتهم من وجود تنسيق بين نتنياهو وبعض الجهات الإقليمية العربية، لجرّ حزب الله إلى مواجهة على الحدود السورية، تمهّد لتدخل إسرائيلي من جهة الجنوب.
ويرى آخرون أن قراءة أبعاد العدوان يجب أن تتم من الخارج إلى الداخل، لا العكس، باعتباره تصعيدًا لا يهدف بالضرورة إلى إشعال حرب مع حزب الله، بل يندرج ضمن سياق إقليمي ودولي، حيث تستخدم إسرائيل لبنان كساحة لتبادل الرسائل. ومن هذا المنطلق، فإن حجم العدوان وأهدافه الحقيقية لا تزال غير واضحة، ما يجعله مفتوحًا على احتمالات تصعيد غير محسوبة. وهذا ما عبّر عنه الرئيس ميشال عون، بتلميحه إلى البعد الإقليمي والدولي للغارات، حيث وصفها بأنها “رسالة دموية توجهها إسرائيل إلى الولايات المتحدة وسائر العالم عبر صندوق بريد بيروت ودماء الأبرياء”. كما عبّر كل من عون ورئيس الحكومة نواف سلام عن تعاطفهما مع حزب الله، في إشارة إلى خروج الحزب من عزلته الداخلية.
استدراج الحزب إلى الحرب
ومن جهته، يسجل حزب الله جملة من الملاحظات على هذا العدوان: يرى الحزب أنه يندرج في إطار استمرار السياسة العدوانية الإسرائيلية تجاه لبنان، في ظل غياب أي رادع فعلي. ومن حيث التوقيت، جاء العدوان في لحظة حساسة، تراكمت فيها مجموعة من المعطيات التي لا يمكن تجاهلها: أولًا، الأزمة السياسية التي تعصف بإسرائيل، وإمكانية حل الكنيست، ما يعكس محاولة من نتنياهو للهروب إلى الأمام؛ وثانيًا، الأجواء الإيجابية السائدة في الداخل اللبناني، والتقارب في العلاقة بين حزب الله والرئيسين عون وسلام، وهي أجواء أقلقت إسرائيل.
كما يرتبط هذا العدوان بالمفاوضات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة، والتي تسير وسط حالة من الترقب بين التفاؤل والتشاؤم. وقد جاء العدوان في ظل ردع أميركي واضح لإسرائيل، بعدم التدخل في الملف الإيراني، رغم استمرارها في التحرك ضمن هامش واسع من الحرية، سمحت به واشنطن، لا سيما بعد الفيتو الأميركي على وقف الحرب على غزة.
وعشية العيد، سعت إسرائيل إلى استفزاز بيئة حزب الله ومحاولة ترهيبها وتهجيرها. لكن من الواضح أن إسرائيل لم تعد مقيّدة بأي اتفاقات سابقة، بل تتصرف وفقًا لحساباتها الخاصة. ويبقى الأهم أن هذا العدوان يمثل محاولة مكشوفة لاستدراج حزب الله إلى حرب، في وقت بات فيه نتنياهو بلا رقيب أو حسيب. إلا أن الحزب حريص، في المقابل، على عدم منح إسرائيل ذريعة أو فرصة يمكن أن تستغلها.