إصلاح العلاقات الأميركية-الروسية في قلب محادثات الرياض
إصلاح العلاقات الأميركية-الروسية في قلب محادثات الرياض
يحتشد مسؤولون أميركيون وروس كبار، بينهم وزيرا خارجية البلدين، في السعودية اليوم الثلاثاء لإجراء محادثات تهدف إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين واشنطن وموسكو، والتباحث حول الحرب في أوكرانيا، تمهيداً لقمة مرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في المملكة.
يأتي الاجتماع في الرياض بعد ثلاث سنوات من التجميد شبه الكامل للعلاقات، وقبل أسبوع من الذكرى الثالثة لبدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، التي انطلقت في 24 شباط 2022، في وقت أثارت مكالمة ترامب الهاتفية مع بوتين الأسبوع الماضي اهتمام الوسط الدبلوماسي.
أعلن ترامب، الأحد الماضي، أنّ اجتماعه المرتقب مع نظيره الروسي قد يتمّ “قريباً جداً”، مشيراً إلى أنّ بوتين يرغب في “إيقاف القتال” في أوكرانيا.
الأربعاء الماضي، أعلن ترامب أنه سيعقد اجتماعه الأول مع بوتين في السعودية بعد مكالمة هاتفية بينهما، في إطار مساعيه لوضع حدّ للحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وقال الخبير في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، جيمس دورسي، إنّ “أوروبا هي المكان التقليدي للقاءات بين الأميركيين والروس، لكن هذا ليس خياراً في السياق الحالي”، مشيراً إلى أنّ تركيا ليست خياراً للأميركيين، إمّا أن تذهب إلى آسيا أو إلى السعودية.
ترغب روسيا منذ مدة بإعادة تنظيم البنية الأمنية في القارة الأوروبية، وتدعو حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى سحب قواته من بلدان شرق أوروبا. وترى الرئاسة الروسية (الكرملين) أن العملية العسكرية في أوكرانيا كان هدفها “صدّ التهديد الوجودي الذي يمثّله الناتو”.
ولذلك، فإنّ الصراع في أوكرانيا ينبغي أن يكون إحدى النقاط المدرجة على جدول أعمال المناقشات الروسية الأميركية في الرياض، التي يُستبعد منها الأوكرانيون والأوروبيون راهناً. لكن المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، قالت للصحافيين في الرياض إنّ “الولايات المتحدة لا ترى في اجتماع الرياض اليوم بداية مفاوضات بشأن أوكرانيا”.
وعن ما إذا كان الاجتماع في السعودية قد يكون بمثابة تحضير لمفاوضات مقبلة بشأن أوكرانيا، أوضحت بروس: “أعتقد أنّ هذا الاجتماع سيكون فرصة، وسيكون بمثابة مقدّمة”.
من جهته، قال دورسي: “لا أعتقد أنه من الممكن التفاوض على اتفاق من دون مشاركة أوكرانيا على الطاولة”، مضيفاً: “ولا أعتقد أنهم قادرون على التفاوض على اتفاق من دون مشاركة أوروبا على الطاولة”.
يأتي ذلك بعد أن زادت إدارة ترامب الجديدة انتقاداتها لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين التقليديين.
وسيُجري الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، غداً الأربعاء، زيارة رسمية للسعودية “مخطّط لها منذ فترة طويلة”، حيث قال الناطق باسمه الاثنين الماضي، إنه “لا يعتزم لقاء مسؤولين روس أو أميركيين”.
وكان وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وأوكرانيا في باريس الذين اجتمعوا الأربعاء الماضي، تفاجأوا حينها بأنّ ترامب تحدّث لمدة ساعة ونصف الساعة مع بوتين، مؤكدين أنه “لن يكون هناك قرار بشأن أوكرانيا من دون كييف أو من دونهم”.
أمس الاثنين، وصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى السعودية، وانضمّ إليه مستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، من الجانب الأميركي.
ومن الجانب الروسي، أرسل بوتين اثنين من المفاوضين المخضرمين، وهما: وزير الخارجية سيرغي لافروف، والمستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف.
ورفضت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية تحديد ما إذا كان روبيو ولافروف سيلتقيان على حدة.
وقال المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في إحاطة صحافية، إنّ “المحادثات بين الجانبين ستُخصّص في المقام الأول لإعادة بناء العلاقات الروسية الأميركية في كلّ المجالات”.
وأضاف بيسكوف أنّ “لقاء الرياض سيخصّص أيضاً للتحضير لمفاوضات محتملة لتسوية الوضع في أوكرانيا، وتنظيم اللقاء بين الرئيسين بوتين وترامب”، وأشار إلى أنّ “الشرق الأوسط قد يكون أيضاً على طاولة المحادثات”.
وكان بيسكوف قد أكّد في وقت سابق، أنّ المحادثة الهاتفية بين بوتين وترامب قبل أيام كانت إشارة قوية لبدء حوار بشأن السلام، وكانت “بنّاءة وعملية وودّية”.
وقد أوضح وزير الخارجية الروسي، أمس الاثنين، قبل توجهه إلى الرياض، أن الرئيسين بوتين وترامب اتفقا على ضرورة “ترك العلاقات غير الطبيعية تماماً وراءهما”، وأنهما “اتفقا على ضرورة استئناف الحوار”.
وفي بادرة حسن نيّة تجاه واشنطن، أعلنت روسيا الاثنين الماضي أنها أفرجت عن مواطن أميركي أوقف لفترة وجيزة في مطار موسكو، بعد اتهامه بـ”السفر إلى روسيا ومعه حلوى صمغية من الحشيشة”.
ومهما كان تأثير هذه المحادثات على تطوّر العلاقات بين واشنطن وموسكو، فإنّ السعودية هي المستفيد الأكبر، وفق الخبير في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية، عمر كريم، الذي رأى أنّ “كلّ هذا من شأنه أن يضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مركز الصدارة”، و”سيعزّز من مكانته في العلاقات العامة”، حيث إنه “سيكون الآن في دائرة الضوء لأسباب مختلفة للغاية”.
وقال كريم إنّ هذا التطوّر “سيجعل محمد بن سلمان والسعودية لاعبين أكثر أهمية بالنسبة للدول الأوروبية التي قد ترغب أيضاً في المشاركة أو الانخراط في المحادثات الروسية الأميركية في الرياض”.