ثلاث إخفاقات وقع فيها العهد قبل أن يبلغ شهره الأول
ثلاث إخفاقات وقع فيها العهد قبل أن يبلغ شهره الأول
لم يكد رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون يكمل شهره الأول في سدة الرئاسة، حتى وجد نفسه في مواجهة ثلاث إخفاقات بارزة ألقت بظلالها على انطلاقته السياسية وأثارت تساؤلات حول قدرته على فرض إيقاعه وإدارة الملفات الكبرى بفعالية. هذه الإخفاقات، التي تمثّلت في ملف تكليف رئيس الحكومة وتشكيلها، إضافة إلى الموقف الرسمي من الانسحاب الإسرائيلي من بعض الأراضي اللبنانية المحتلة، وضعت العهد أمام تحديات مبكرة قد تحدد مساره في المرحلة المقبلة.
في أولى خطواته، دعا الرئيس جوزاف عون إلى استشارات نيابية ملزمة لاختيار رئيس جديد للحكومة، لكن عملية التكليف لم تواكبها أي جهود لضمان توافق سياسي واسع حول الشخصية المختارة، ما أدى إلى تكليف نواف سلام في ظل انقسامات حادة. هذا الواقع انعكس سلبًا على مسار التأليف، حيث بدا الرئيس المكلف وكأنه يعمل وفق أجندة خاصة لا تتطابق بالكامل مع رؤية العهد، لا سيما في ملف المداورة في الوزارات. إذ خضع سلام لضغوط القوى السياسية، متراجعًا عن طرحه الأساسي، مكتفيًا بتعديلات شكلية في توزيع الحقائب، ما شكل ضربة لمبدأ الإصلاح الذي نادى به الرئيس في خطاب القسم.
الإخفاق الثاني تمثّل في ملف تشكيل الحكومة، حيث شهدت الساحة السياسية تراجعًا ملحوظًا لدور رئيس الجمهورية في عملية التأليف مقارنةً بالعهود السابقة. فبينما كان للرئاسة في السنوات الماضية دور محوري في فرض التوازنات داخل الحكومات، بدا الرئيس جوزاف عون أقل تدخلًا، تاركًا هامشًا واسعًا للرئيس المكلف لاختيار تشكيلته، ما أثار اعتراضات سياسية واسعة، خصوصًا مع الحديث عن عودة شخصيات محسوبة على نهج فؤاد السنيورة. كما طرح سلام أسماء مسيحية لمناصب بارزة مثل نائب رئيس الحكومة ووزيري الخارجية والاتصالات، في سابقة لم يكن من الممكن تصورها في عهد الرئيس السابق ميشال عون، ما أثار استياء في بعض الأوساط السياسية المسيحية.
أما الإخفاق الثالث، فجاء في التعامل مع ملف الانسحاب الإسرائيلي من بعض القرى اللبنانية المحتلة، حيث فشلت الدولة في اتخاذ موقف حاسم يكرّس سيادتها على هذه المناطق. ورغم أن هذه الخطوة الإسرائيلية شكلت فرصة للرئاسة لإثبات قدرتها على إدارة الملفات السيادية، إلا أن غياب المبادرة الرسمية أفسح المجال أمام حزب الله ليظهر كجهة وحيدة تتحكم في المشهد، محققًا مكاسب سياسية ولو رمزية على حساب الدولة. وكان بإمكان الرئيس جوزاف عون التحرك دبلوماسيًا عبر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، أو حتى تكليف الجيش اللبناني باتخاذ خطوات تعزز سيادة الدولة على تلك الأراضي، إلا أن التأخر في اتخاذ أي إجراء فعلي جعل الدولة تبدو وكأنها في موقع المتفرج.
في ظل هذه الإخفاقات المتتالية، يجد العهد الجديد نفسه أمام اختبار جدي في مستهله، حيث بات لزامًا على الرئيس جوزاف عون إعادة ضبط إيقاع الحكم لتجنّب المزيد من الانتكاسات. فالمرحلة المقبلة تتطلب قرارات حاسمة في ملفات حيوية تمسّ الاستقرار الداخلي وصورة الرئاسة. والسؤال المطروح: هل سيتمكن العهد من تصحيح المسار سريعًا، أم أن هذه الإخفاقات ستؤسس لمرحلة عنوانها التراجع وفقدان السيطرة؟