لماذا تنأى سوريا بنفسها عن “المحور” في الرد على إsرائيل
كان لافتاً في الخطاب الأخير لأمين عام ميليشيا “حزب الله” استثناؤه لسوريا كجبهة محتملة للرد المنسق الذي يدرس ما يسمى “محور المقاومة” تنفيذه ضد إسرائيل، رداً على عمليتي اغتيال القائد العسكري البارز في الحزب فؤاد شكر، وتالياً اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
سوريا غابت أيضاً عن أحاديث العديد من المحسوبين على “المحور”، بمن فيهم مسؤولون إيرانيون توعدوا إسرائيل بـ”الانتقام الشديد”.
وأجمعت التهديدات على شدة الانتقام من إسرائيل عبر رد منسق من قبل إيران وحزب الله وحماس والحوثيين والفصائل العراقية، مع تغييب متعمد لذكر اسم سوريا.
إذاً.. ماذا حصل؟ ولماذا محاولة تحييد سوريا عن “المحور” في رده القادم على إسرائيل؟ هل فقدت “الحلقة الذهبية لـ”محور المقاومة” – كما ترغب إيران بتسميتها – بريقها في الأشهر الأخيرة، وتحديدا منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول باعتمادها الحياد فيما يجري في غزة منذ 10 أشهر، أم أن الأمر لا يعدو كونه “خدعة” هدفها تجنيب سوريا “المثخنة بالجراح” ضربات مؤلمة، فيما لو جاهرت بإسناد المحور؟.
المرصد: لا علاقة لدمشق بالمعركة
مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن يعتقد أن “الأراضي السورية ستستخدم في أي رد إيراني على إسرائيل، ولكن لن يتم الإعلان أن الأراضي السورية هي التي انطلقت منها المسيّرات لاستهداف إسرائيل”.
وأضاف: “ستنطلق من مناطق توجد فيها هذه المسيّرات سواءً في ريف دمشق أو البادية السورية، وعلى الجبهة الأخرى في دير الزور هناك تتحضر الميليشيات الإيرانية للرد على القواعد العسكرية الأمريكية إذا تدخلت”، على حد تعبيره.
ويلفت عبد الرحمن، في تصريحات إعلامية، إلى أن “دمشق ليس لها علاقة بالمعركة القادمة بين إيران وإسرائيل، رغم أن الأراضي السورية ستكون جزءاً منها”.
ومن جهته، يعتقد الخبير العسكري الأردني، اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار، أن “سوريا لا يمكن أن تنأى بنفسها عن الحرب حتى لو أرادت ذلك”.
ويقول أبو نوار لـ”إرم نيوز”، إنه “من المهم بالنسبة للمحور أن تدخل سوريا الحرب، خاصة مع إعلان الأردن أنه لن يسمح بخرق سيادته لأي طرف كان”.
ويعتقد الخبير العسكري أن “جبهة الجولان وسوريا مهمتان جدا للمحور”، مستدركاً: “أعتقد أن السؤال الصحيح يجب أن يكون: لماذا لا تدخل سوريا الحرب، طالما أن جبهات “محور المقاومة” مساندة لبعضها البعض؟”.
ويرى أبو نوار أن “سوريا ستُجبر على دخول الحرب فيما لو توسعت وامتدت، واستثناء سوريا فيما لو تم سيكون قرارا غير حكيم؛ لأنها جبهة مهمة في المحور”، على حد قوله.
وبناء عليه، يرى الخبير الأردني أن “سوريا ستدخل الحرب فيما لو اندلعت بشكل واسع، وهي ستشمل كل الجبهات والمنطقة كلها”، حسب قوله.
ويقدم الخبير مؤشرا على أن الجبهة السورية لن تبقى هادئة فيما لو اشتعلت الحرب، إذ يذكّر بعملية إسقاط منطاد مراقبة أمريكي في شرق سوريا السبت. وهذا لا يبدو استثناء لسوريا، وفق أبو نوار.
وختم الخبير العسكري الأردني: “الاحتمال الوحيد فيما إذا صحت النية بتحييد سوريا عن الرد، سيكون نتيجة تفاهم روسي إيراني على ذلك، فالوضع الاقتصادي والميداني الهش لا يسمح بإدخال سوريا في معركة قد تكون نتائجها وخيمة”، وفقا لقوله.
الباحث والكاتب السوري المقيم في لندن محمد صالح الفتيح، يرى من جانبه أن “عدم استعراض الدور السوري المحتمل من جانب أمين عام “حزب الله” في خطابه الأخير يعود إلى عوامل عدة. فمن الناحية الشكلية، سوريا تبقى دولة ذات سيادة، ويفترض أن يكون الإعلان عن أي مواقف جديدة حول التطورات الإقليمية صادراً فقط عن المؤسسات الرسمية المعنية”.
من ناحية أخرى، يلفت الفتيح في تصريحات لـ”إرم نيوز”، إلى أن “الموقف السوري الرسمي أظهر الدعم السياسي والمعنوي، ولكن الموقف الفعلي في الميدان بقي التزام الحياد خلال أكثر من 300 يوم من العمليات العسكرية في قطاع غزة، وفي الجنوب اللبناني”.
ويعتقد أن “هذه الفترة الزمنية وما تخللها من أحداث استثنائية، خصوصاً التصعيد على الجبهة اللبنانية واستهداف ميليشيا “حزب الله” لمنطقة الجولان السوري المحتل يثير أسئلة حول الحسابات السورية الآنية والمستقبلية”
بعض التفسيرات المحتملة وفقا للباحث هي أن “القيادة السورية – التي دعمت لعقود منظمات “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” خلال عملياتها العسكرية، إنما دعمت هذه الفصائل لتجنب الاشتباك المباشر مع إسرائيل. ولكون هذه الفصائل تستفيد من استخدامها لتكتيكات حروب العصابات بما يحرم إسرائيل من تفوقها العسكري التقني، ويرفع كلفة العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويخفض النتائج المحتملة”.
ويتابع: “على سبيل المثال، تكلفة ساعات الطيران لأي مقاتلة إسرائيلية والذخيرة المطلوبة لتدمير إحدى راجمات الصواريخ التي تستخدمها هذه الفصائل عادة ما يفوق تكلفة تلك الراجمة. هذا لا ينطبق على سوريا التي تمتلك قدرات عسكرية تقليدية عالية التكلفة، وبالتالي ترجح كفة القدرات العسكرية والاستنزاف لصالح إسرائيل”.
ومن ناحية ثانية، وفقا للباحث السوري، “لا بد أن القيادة السورية، وبخبرتها في دعم هذه الفصائل وحروب العصابات التي تستخدمها، قد أدركت أن ما حصل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول قد قوض نظرية الاستنزاف التي طالما اعتمدت عليها تلك الفصائل. وهي النظرية التي تقول باستنزاف إسرائيل عبر ضربات صغيرة متتالية، ما يبقي المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، فضلاً عن الرأي العام، في حالة انقسام حول ضرورة ومدى الخيار العسكري أساساً”.
ولهذا كانت أغلب جولات الاشتباك في قطاع غزة، منذ 2014، قصيرة للغاية، أو تم تجنبها من الجانب الإسرائيلي، كما حصل في خريف 2018.
“لكن ما حصل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحد الإسرائيليين على ضرورة المضي بالحرب نحو النهاية مهما كانت التكلفة. والتباين الإسرائيلي فيما يخص غزة محدود بين من يرى بالاكتفاء بهزيمة “حماس” وتسليم القطاع لجهة أخرى، وبين من يرى بضرورة البقاء عسكرياً فيه بشكل دائم، حسب قوله.
ويعتقد محمد صالح الفتيح أنه “لا يوجد في إسرائيل من “يشتري” حديث نصر الله عن أن الاشتباك في جنوب لبنان سيتوقف مع توقف الحرب في غزة. فهناك الآن توافق إسرائيلي على الخيار العسكري تجاه “حزب الله” ويقتصر التباين على التوقيت والشدة، مع الرفض التام للعودة إلى الوضع السابق، أي ما كان قائماً في السادس من أكتوبر/تشرين الأول. وأدنى الشروط الإسرائيلية اليوم هي ضمان تطبيق القرار 1701 الذي ينص على انسحاب “حزب الله” لما بعد نهر الليطاني”.
الباحث والكاتب السوري يرى أن “القيادة السورية تلاحظ هذه الاختلافات بين الواقع الحالي وجولات الاشتباك السابقة، وتدرك بالنتيجة أن فتح التصعيد من الجنوب السوري تجاه الجولان المحتل، أو العمق الإسرائيلي، لن يقود لردع إسرائيل إطلاقاً، بل يفتح احتمال التعرض لاستهداف إسرائيلي وأميركي واسع، على نحو ما تفعل الولايات المتحدة في العراق، وربما استهداف أطلسي، على نحو ما يحصل في اليمن. ولا بد من التساؤل قبل فتح أي جبهة، عن المآلات التي يمكن أن تمضي إليها الأمور، وكيفية إعادة الهدوء للجبهة”.
ويتساءل: إذا ما كان الإسرائيليون يصرون، في الحد الأدنى، على انسحاب “حزب الله” لنهر الليطاني، فما الذي سيطلبونه في الجنوب السوري لإعادة الهدوء في حال فتحت الجبهة هناك؟.
المعطى الأخير الذي يدعم فكرة الحياد السوري، وفقا للباحث الفتيح، يتمثل في أن فترة الأشهر العشرة الماضية شهدت تقدماً، ولو متفاوتاً وشكلياً في بعض الحالات، على مسارات تطبيع العلاقات بين سوريا ودول الخليج العربي وتركيا، وحتى بعض الدول الأوروبية، مع أول زيارة لوزير خارجية أوروبي (وزير خارجية التشيك يان ليبافسكي، في 29 أبريل/نيسان) لدمشق منذ بداية الحرب السورية في 2011، وكذلك إعلان إيطاليا في 26 يوليو/ تموز أنها ستعيد افتتاح سفارتها في دمشق. وكذلك نلاحظ في الولايات المتحدة أن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ قد جمدوا منذ أيام مشروع قانون عقوبات واسع لتجميد التطبيع مع الحكومة السورية، والذي قدمه الجمهوريون في مايو/أيار 2023.
ويختم محمد صالح الفتيح: “كل هذا التقدم – وإن كان بعضه شكلياً – يبدو مهماً بالنسبة للقيادة السورية، ويمكن البناء عليه للمستقبل. فيما المبادرة بالانضمام إلى الحرب الحالية لا تقدم مكاسب واضحة لسوريا، فضلاً عن أن تغيير مسار الحرب الحالية يبدو مشكوكاً به”.