حمّلت مستشارة سابقة لرئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك، حكومةَ المحافظين المسؤولية عن تصاعد عنف اليمين المتطرف، حيث تركت بريطانيا مفتوحة على تأثيراته المدمرة، في وقت تجاهلت فيه التحذيرات الخطيرة وتبنت عوضا عن ذلك الحروب الثقافية.

وقالت ديم سارة خان، والتي كانت مستشارة مستقلة لسوناك في شؤون التماسك الاجتماعي والمرونة حتى أيار/ مايو هذا العام، وعملت كمفوضة لمكافحة التطرف في ظل حكومتي تيريزا ماي وبوريس جونسون، إن إدارات المحافظين خيبت آمال الناس. فقد تم تجاهل الكثير من التحذيرات والاستشارات من أن اليمين المتطرف يقوم باستغلال الثغرات في القانون وإثارة العنف والتحريض عليه من خلال منصات التواصل الاجتماعي، في وقت حاول الساسة وخلال الحكومات السابقة، تجيير الحروب الثقافية لصالحهم والحصول على تميز من خلالها.

وقالت خان: “الكتابة كانت على الجدار لبعض الوقت. وأظهرت كل تقاريري، وباختصار، أولا أن هذا التطرف والنسيج الاجتماعي يزدادان سوءا. وثانيا، أن بلدنا غير جاهز للأسف، ونعاني من ثغرات في تشريعاتنا التي تسمح للمتطرفين بالعمل دون خوف من العقاب”. وأضافت أن “الحكومات السابقة فشلت وبشكل مدهش، في معالجة هذه التوجهات وتبنت، حسب رأيي، طرقا غير مجدية وتتعارض مع أي تفكير منطقي”.

وقالت إن الحكومات السابقة ألغت استراتيجية مكافحة التطرف في عام 2021، ومعها المصادر والتمويل للمؤسسات المحلية في كل أنحاء البلاد والتي كانت تعاني من نشاطات المتطرفين و”لم تستبدلها الحكومة في حينه بأي شيء، وتركت السلطات الحكومية تكافح بتحد ثابت من التطرف في مناطقها”. وأكدت أن القيادة السياسية مهمة، والطريقة التي يتصرف فيها الساسة أمر حيوي “لأنني رأيت وأنا متأكدة أن الناس شاهدوا ساسة قاموا بطريقة غير مباشرة ومباشرة بتقويض النسيج الاجتماعي لأنهم استخدموا خطابا تحريضيا”.

وأضافت خان التي انتقدت وصف مسيرات الداعمين لفلسطين بأنها “مسيرات كراهية” في إشارة لكلام سويلا بريفرمان، وزيرة الداخلية السابقة، إن الخطاب الذي استخدمه ساسة بارزون خلال السنوات الماضية، منح الضوء الأخضر لمن يحملون آراء عنصرية.

وقالت: “ذهبت إلى أجزاء من البلاد وكانوا صريحين للغاية معي وقلت لهم: انظروا، بسبب بعض اللغة التحريضية التي يستخدمها الساسة، فإن نفس اللغة سيتم استغلالها من قبل المتطرفين اليمينيين وغيرهم، الذين سيستخدمون ذلك لتقويض التماسك في منطقة محلية”.

وحذرت قائلة إن هناك واجباً مهماً يقع على كاهل الساسة في عدم استخدام اللغة التحريضية ولغة مهينة وجارحة ضد طالبي اللجوء السياسي القادمين إلى بريطانيا.

وهذا لا يمنع كما تقول، النقاشَ الشرعي حول المهاجرين وعددهم وكل ما يتعلق بالأمر، و”لكن هناك طريقة يمكنك من خلالها الحديث عن الموضوعات بدون التقليل من شأن الناس واستخدام لغة تحريضية، لأنك عندما تستخدم هذه اللغة، فإنك ترى المتطرفين يتبنونها، وترى أناسا يقولون: لو كان الساسة يستخدمونها فلماذا لا نستخدمها نحن؟”.

نشأت خان في برادفورد، ونشرت هذا العام تقريرا للوزارة التي تولاها في حينه مايكل غوف بشأن التماسك الاجتماعي، وقدمت فيه أدلة حول نشر اليمين التضليل والمعلومات الزائفة لإحداث اضطرابات، كما جرى في أولدهام ونوزلي وبارو.

وفي عام 2021، أعدت خان تقريرا مع مفوض الشرطة الحالي، مارك راولي، دعت فيه لتغيير القوانين المتعلقة بالتطرف والذي لم يمنع من إثارة الكراهية العنصرية والتهديد واستهداف اللغة المهينة، و”لهذا السبب شاهدنا عنصرية قانونية ومنظمات النازيين الجدد في هذا البلد والذين يفعلون هذا بالضبط”.

وقالت: “هناك مزاعم بشأن الإبادة الجماعية للبيض ونشر السرديات الخطيرة بهدف إثارة الكراهية ضد الجماعات العرقية والدينية” و”هناك نوع من التأثير.. ليس تأثير اليمين المتطرف فقط، بل فاعلين متطرفين آخرين، وهناك استخدام للتضليل الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي”.

وأشارت إلى أن “تطرف الكراهية قد تطور بشكل واضح في العقد الماضي، وأضفى المتطرفون حرفية ونسقوا محليا ووطنيا وبشكل عابر للحدود، وهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أيديولوجية التطرف ونشر التضليل”.

وفي الوقت نفسه “لم تتطور قوانينا مع تطور التطرف، وهناك ثغرات في تشريعاتنا تسمح لهم، وبشكل فعلي، بالعمل دونما أي خوف من العقاب”.

وقالت: “كنت أتعامل مع 3 وزراء داخلية، نظرا لعدم الاستقرار السياسي، وزراء داخلية لهم اهتمامات وآراء مختلفة حول كيفية معالجة المشكلة، وكان بعضهم متفهما وداعما، وآخرون لم يكونوا كذلك”. وتساءلت عن سبب تجاهلهم التقارير والتحرك بناء عليها: “هو سؤال لهم، وهذا مدهش بأنهم لم يفعلوا شيئا”.

ولاحظت غياب المعرفة المؤسساتية بشأن مكافحة التضليل وحماية الناس المعرضين له. و”ما أخبرتني به السلطات المحلية هو أن اليمين المتطرف كان يبحث عن فنادق طالبي اللجوء قبل السلطات المحلية، لأن الاتصالات بين وزارة الداخلية وبينها لم يكن فعالا”.

وكانت الشرطة قد اشتبكت يوم الأحد مع أنصار اليمين المتطرف الذين تجمعوا خارج فندق لطالبي اللجوء السياسي، وصرخوا “أخرجوهم” حيث قاموا بتحطيم نوافذ فندق هوليدي إن إكسبريس. وقالت خان: “لقد فشلوا (المحافظون) بمساعدة الناس في المجتمعات التي تحاول حماية التماسك، ويحاولون منع الجماعات المتطرفة”. ودافع متحدث عن حكومة المحافظين السابقة، حيث قال إن سوناك جعل من مواجهة التطرف أولوية.

وربطت صحيفة “الغارديان” الأحداث الأخيرة بوجه جديد للعنصرية. وفي افتتاحية لها، قالت إن مقتل ثلاث بنات قبل ستة أيام في ناد للرقص بمدينة ساوثبورت، وجرح عدد آخر عندما قام مهاجم اسمه أكسيل روداكوبانا بطعنهن، ووجهت له الشرطة ثلاث تهم بالقتل وعشر تهم بمحاولة القتل.

وكتبت فرح  نظير، المديرة التنفيذية لمنظمة معاونة المرأة إلى وزيرة الداخلية يوم الخميس، مطالبة إياها بالتعامل مع الهجوم في سياق ما وصفه مدراء الشرطة الشهر الماضي بأنه “طوارئ وطنية” وعنف ضد المرأة والبنات. وقالت الصحيفة إن الشغب انتشر من ساوثبورت إلى كل أنحاء بريطانيا وامتزج بالأكاذيب والتضليل.

ومن الصعب أن نفهم على وجه التحديد كيف تم اختراع الأكاذيب، بما في ذلك أن المهاجم هو طالب لجوء مسلم، ونشرها. ولكن لا شك في الدور الخبيث الذي لعبته شخصيات عامة، بمن فيها نايجل فاراج. فمن خلال التساؤل علنا عما إذا كانت الحقيقة “مخفية عنا”، أعطى فاراج مصداقية مخزية للفكرة المحرضة بأن السلطات كانت تخفي الحقائق.

ولا شك أيضاً في مساهمة وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث تم اهتزاز هذه المكونات الخطيرة وتحريكها. وقالت إن نتائج هذه الأكاذيب كانت مدمرة، فقد تم تدمير مكتب لنصائح المواطنين في ساندرلاند، وأتت عليه النيران. وحُرقت مكتبة في ليفربول، وتم مهاجمة فنادق في هال وروذيرم. وفي هارتبول وغيرها استُهدفت مساجد. وجُرح العشرات من عناصر الشرطة التي اعتقلت 100 من المشاغبين.

وقالت الصحيفة إن مدى ووضوح الطبيعة المعادية للمسلمين التي تبعت العنف، جعلت هذا الأسبوع بأنه لا يشبه أي أسبوع آخر. وفي الوقت الذي اصطف فيه الوزراء للتحذير من النتائج والدمار على المباني العامة، إلا أن من الخطأ التعامل مع العنصرية التي ظهرت في أحداث الأيام الماضية كالعنصرية المعروفة.

وغالبا ما تطلعت الأيديولوجيات المتطرفة والمعادية للأجانب إلى البلطجية كي تخيف من خلالهم المجتمعات التي تريد عزلها. ولكن الخبراء يرون أن اليمين المتطرف لم يكن قادرا على تنظيم نفسه بالطريقة التي برزت في الأحداث الأخيرة، و”لقد أدى مشهدنا الإعلامي، الذي يرتبط ارتباطا تكافليا بالسياسة، إلى رفع درجة حرارة الحياة المدنية وخلق منتديات للدوافع المدمرة والمعادية للديمقراطية لتتجمع بطرق جديدة”.

وفي هذا السياق، حذرت منظمة اسمها “تيل ماما” والتي ترصد جرائم الكراهية ضد المجتمعات المسلمة في بريطانيا، من اليمين المتطرف الذي يقوم بإرهاب المسلمين البريطانيين. وقالت المنظمة “إن نشاطات اليمين المتطرف أدت إلى زيادة بخمسة أضعاف في التهديدات للمسلمين، مثل التهديد بالاغتصاب أو الموت. وإلى زيادة بثلاثة أضعاف في جرائم الكراهية”.

وترى المنظمة أن المسلمين في بريطانيا أصبحوا “تحت إرهاب” المتطرفين اليمينيين. ومنذ أحداث القتل يوم الإثنين الماضي، تعرضت 10 مساجد لهجمات بما في ذلك ساوثبورت وهارتفيلد وليفربول. وقالت المنظمة إن الناس خافوا من مغادرة  بيوتهم خاصة النساء المحجبات. وتشير البيانات التي جمعت ما بين 26 تموز/ يوليو و2 آب/أغسطس إلى زيادة نسبية في التهديدات التي حدثت على الإنترنت والعالم الحقيقي.

Share.
Exit mobile version