مُسيّرات تصوّر التفاصيل واستخبارات تكشف المستور | حزب الله: يدنا فوق حصون العدو
الأخبار: مُسيّرات تصوّر التفاصيل واستخبارات تكشف المستور | حزب الله: يدنا فوق حصون العدو
رسائل المقاومة تسبق نتنياهو إلى واشنطن: قواعد سلاح الجوّ تحتاج إلى من يحميها!
علي حيدر
إذا كان نجاح حزب الله في اختراق منظومات الكشف والاعتراض فوق حيفا والجولان قد انطوى على رسائل عملياتية وردعيّة، فإنّ نجاحه مجدداً في القيام بمسح معلوماتي مفصّل لقاعدة «رامات ديفيد» التابعة لسلاح الجوّ في شمال فلسطين المحتلة، أشدّ وقعاً وأبلغ دلالة في رسائله ومفاعيله لدى مؤسسات التقدير والقرار في كيان العدوّ. فقد أظهر المسح الذي تضمّنه الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية، أمس، القدرة على الاستهداف الدقيق لكل نقطة ومنشأة في قلب القاعدة، بدءاً من المدارج الى الطائرات وأماكن سكن الطيارين ومخازن الذخائر… ويحمل هذا الكشف، في المضمون والتوقيت، رسائل ستكون حاضرة لدى الجهات المهنية والسياسية، إضافة الى رسائل متصلة بالتطورات الميدانية والسياسية، وفي مقدّمها زيارة رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة، والاعتداء الإسرائيلي على ميناء الحديدة وما يحمله من مؤشرات إزاء تصعيد المواجهة.
يكشف فيديو «رامات ديفيد» أن قواعد سلاح الجوّ في كيان العدوّ تحولت أيضا الى أهداف عسكرية لحزب الله، في وقت تمثّل فيه العمود الفقري لجيش العدوّ في الهجوم والدفاع. وأظهر حزب الله بذلك أن قدراته المعلوماتية والعملياتية لا تقتصر فقط على استهداف المنشآت الصناعية والمدن والقواعد العسكرية ومقارّ القيادة والسيطرة… بل – والأهمّ – أنها تشمل أيضاً قواعد سلاح الجوّ التي يُفترض أنها تؤدي دوراً رئيسياً في حماية ما تبقى من منشآت.
يُمثِّل هذا المتغيّر تطوّراً نوعيّاً غير مسبوق في قدرات الردع والردّ والدفاع والتعطيل لأهمّ سلاح في جيش العدوّ. ويأتي تتويجاً لمسارٍ من التطوّر وجهود هائلة استمرت سنوات. ففي السابق، كانت المقاومة الإسلامية تركّز على سياسة الإخفاء والتمويه والتضليل لتجنّب ضربات سلاح الجو. وارتقت الى فرض معادلات تقيّد صانع القرار السياسي والأمني في تفعيل هذه القدرات الهائلة على مستوى الدقة والتدمير. وتطوّر الأمر الى امتلاك قدرات صاروخية يتحدّث عنها العدوّ، وانكشف جزء منها في نجاح حزب الله في إسقاط أفخر مسيّراته المتطوّرة. والآن، يتضح أنّ لدى الحزب ورقة أكثر أهمية وهي استهداف قواعد سلاح الجو نفسها والقدرة على تعطيلها وتحييدها بحيث يصبح من المتعذر على الطائرات التي تشنّ اعتداءاتها على لبنان العودة الى القواعد التي تنطلق منها!
ويعني ذلك أيضاً أن حزب الله حرص على أن يثبت للعدوّ، ومن ورائه الأميركي، بالدليل الملموس، أنه قادر على إلحاق خسائر هائلة بجيش العدوّ في سياق الردّ والدفاع إزاء أيّ عدوان إسرائيلي يتجاوز القواعد المرسومة. وبالتأكيد ستحضر هذه الحقائق أمام مؤسسات القرار السياسي والأمني، وستساهم في التأثير في تقديرات العدوّ وخياراته.
زيارة نتنياهو
واختارت المقاومة الإسلامية لنشر هذا الفيديو توقيتاً سياسياً مدروساً، إذ تزامن مع زيارة نتنياهو للولايات المتحدة للقاء المسؤولين الأميركيين، على رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن والمرشح الى الرئاسة دونالد ترامب. ويحاول نتنياهو في هذه الزيارة التسويق لخياراته المتصلة بغزة ولبنان والمنطقة، وهو يدرك أنه من دون احتضان ودعم أميركي متواصل ومتصاعد، لن يستطيع الصمود ولا المبادرة. في المقابل، الولايات المتحدة معنيّة بالجمع بين الحفاظ على مصالح إسرائيل وأمنها، وبين تعرّض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر.
في المقابل، يأتي المسح المعلوماتي التفصيلي لقاعدة «رامات ديفيد» ليؤكد أن حزب الله قادر على تعطيل هذه القاعدة الجوية وتدميرها أيضاً، وسيحول ذلك دون تمكّن سلاح الجوّ من تأدية مهامه العدوانية، دفاعاً وهجوماً. والترجمة العملية الإضافية لذلك أن حزب الله سيكون لديه هامش أوسع في استهداف بقية المنشآت التي كان يفترض أن تساهم قاعدة سلاح الجو في حمايتها. ويعني هذا السيناريو أن العدوّ، في حال المبادرة الى توسيع الحرب في مواجهة حزب الله، سيتعرض لضربات عسكرية قاصمة تضعه أمام خيارَين: إما توسيع نطاق المواجهة على المستوى الإقليمي، أو الانكفاء والتراجع. وكلاهما قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر، بهدف إنقاذ كيان العدوّ، وهو ما تحاول تجنّبه، لأنه سيفرض خيارات لا تخفي مخاوفها من تداعياتها الإقليمية والدولية.
تطوّر غير مسبوق في قدرات الردع والتعطيل لأهمّ سلاح في جيش العدوّ
في ضوء ما تقدّم، والرسائل التي سبقت نتنياهو الى البيت الأبيض، لن يتمكن نتنياهو من أن يضمن أن لا يؤدي الاستمرار في المعركة المفتوحة ضد غزة ومعها جبهات الإسناد، الى طلب النجدة مجدداً من الولايات المتحدة، بفعل تصاعد المعارك واتساعها، أو يضمن لها بأن يكون قادراً على حماية الأصول الاستراتيجية لكيان العدوّ، وفي مقدّمها قواعد سلاح الجوّ، الأمر الذي قد يفرض على الولايات المتحدة التدخل والغرق في مستنقع سيكون أكثر كلفة من أيّ مرحلة سبقت بفعل المتغيّرات الدولية ومعادلات القوة الجديدة.
كذلك، ليس أمراً عرضياً أن يأتي هذا النشر بعد استهداف ميناء الحديدة، في رسالة تنطوي على التأكيد على التكامل والتنسيق بين الجبهات، وللقول للعدوّ إن الدفع باتجاه حرب إقليمية ستكون مفاعيلها خطيرة جداً على الكيان الإسرائيلي. في الخلاصة، مجدّداً تنكشف هشاشة العمق الاستراتيجي لكيان العدوّ أمام أسلحة حزب الله الدقيقة والمتطوّرة. ومجدداً يتحدّى حزب الله التكنولوجيا الإسرائيلية ويُظهر عقم الرهان عليها لدى أسياد العدوّ الأميركيين. إلا أن الجديد أن نتنياهو يحضر الى الولايات المتحدة وهو مسكون بحقيقة أن الكيان الذي يقوده أصبح أكثر ضعفاً وترنّحاً بنظر المؤسسات المهنية الأميركية وقادة القرار في البيت الأبيض والكونغرس. ويدرك نتنياهو أكثر من غيره التداعيات الاستراتيجية والوجودية المستقبلية لهذا المسار، بعدما تجلّت أمامه رسائل القوة والتصميم على امتداد جبهات المقاومة التي تجاوز كل تقديرات وخيالات مؤسّسي الكيان وورثتهم.