لا يزال الاستحقاق الرّئاسي يخيّم على معظم الأجواء السّياسيّة اللّبنانيّة، على الرّغم من عدم تسجيل أيّ تقدّم يُذكر. وأشارت صحيفة “الجمهوريّة”، إلى أنّ “المشهد الرئاسي دخل الى مربّع الجمود الكامل، في انتظار الزيارة الثانية للموفد الفرنسي جان ايف لودريان. وما لم يَطرأ ما يعطّل الزيارة أو يؤجلها، فإنّها مرجّحة خلال النّصف الأول من شهر تموز المقبل. واذا كان الهدف منها السّعي الى اطلاق حوار بين اللبنانيين، ممهّداً لذلك بتحذير من ان
“الوقت لا يعمل لصالح لبنان”، فإنّ زيارته الأخيرة كانت أشبَه بحوار غير مباشر، قادَهُ بين مختلف الأفرقاء المعنيين بالملف الرئاسي، أصغى فيه للجميع وأجندته طفحت بالملاحظات التي دوّنها، والتي ظهّرت عمق الإنقسام والخلاف فيما بين تلك الجهات ليس على الملف الرّئاسي فقط؛ بل مفترقة حتى على أبسط البديهيات والأساسيات”.
ولفتت إلى أنّ “لودريان قال كلمته، إنّه بالحوار فقط يمكن بناء مساحة رئاسية مشتركة، ومشى، موجّهاً الى اللبنانيين رسالة تحذيرية بأنّ الوقت لا يعمل لصالح لبنان، لعلهم يتبصّرون فيها. ولكن ربما فات الموفد الفرنسي ان الوقت ليس وحده الذي لا يعمل لصالح لبنان، بل ان مكونات الصراع الرئاسي فعلت فعلها وزَنَّرَت مسارات الانفراج الرئاسي برهانات وكمائن واحقاد ومختلف الاسباب التعطيلية”.
حوار على ماذا؟
أكّدت مصادر مواكبة للمسعى الفرنسي لـ”الجمهورية”، أنّ “لودريان بإعلانه انه عازم على إطلاق حوار بين اللبنانيين، وضع نفسه أمام مهمّة محفوفة بصعوبات كبرى، لا بل بفشل مسبق، إن كان الحوار الذي يسعى اليه منطلقا فقط من كونه محاولة لإجلاس اللبنانيين على طاولة الحوار، لعلهم ينجحون من خلالها في تخطي انقساماتهم ويتفقون على مخرج للمأزق الرئاسي. وهو امر دونه مستحيلات، مع تناقضات سياسية تسلك مسارات مختلفة مصادمة لبعضها البعض”.
وركّزت على أنّه “لو قُيِّضَ لمثل هذا الحوار ان ينعقد، فإنّ لودريان سيسمع بالجملة داخل غرفة الحوار، ما سمعه من اعتراضات واتهامات وتباينات بالمفرّق خارجها خلال لقاءاته واتصالاته التي أجراها في زيارته الاخيرة؛ والنتيجة الأكيدة لهذا الحوار هي الفشل واستمرار الدوران في الحلقة المفرغة”.
وذكرت المصادر أنّ “التجربة مع التناقضات اللبنانية تؤكد بما لا يقبل ادنى شك، أن لغة التمني والدعوات البيانية من بعيد الى حوار بين التوجهات اللبنانية حول الملف الرئاسي وكل ما يتصل به، لا تسري في هشيم السياسة اللبنانية المعقدة. وبالتالي، لكي يكون هذا الحوار مُستجابا له بلا تردد، ومجديا ومحطة لكسر الانسداد الرئاسي، ينبغي أن يأتي في إطار ملزم يحدّد شكل الحوار، مستواه، زمانه ومكانه، وجدول أعماله، أي خريطة عمل تتمتّع أوّلاً بقوة الجذب، والجلب والدفع بالجميع إلى طاولة الحوار من دون شروط مسبقة؛ وتتمتع ثانياً بقدرة إلزام الجميع على فتح ممرات آمنة للملف الرئاسي تُفضي الى ايجابيات تنهي المأزق الرئاسي”.
وعما اذا كان مثل هذا الحوار ممكنا، شدّدت على أنّه “فلنعترف اولاً انّ باب الحوار الداخلي مقفل، وافرقاء الداخل جميعهم منقسمون على هذا الحوار، وبمعنى أدق كل فريق يريد حوارا يحقق له مشيئته وما يريده، وفي هذا الجو لا يمكن لأي حوار لبناني أن ينتج ولو انتظرنا مئة سنة. وثانياً، اللبنانيون في محطاتهم الاساسية احترفوا مسألة وحيدة هي حرق المراحل والفرص، ولا يذهبون الى الحلول طواعية بل بالاكراه، او بعدما تقع الواقعة ويسقط الهيكل، والامثلة عديدة منذ الطائف وصولاً الى الدوحة”.
كما أوضحت أنّ “تبعاً لذلك، فإنّ الحوار المجدي والملزم بنتائجه امر ممكن جدا، اذا ما كان إنفاذا لقرار دولي جدي جامع بين الدول الكبرى المؤثرة بلبنان بحسم الملف اللبناني، تتشارك فيه الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ومعهما السعودية وسائر الدول المعنية بهذا الملف”.
إنتظارنا سيطول!
أشار مطلعون على الاجواء الدولية المرتبطة بلبنان، لـ”الجمهورية”، إلى أنّ “اي قرار دولي بِحَسم الملف اللبناني واخراج لبنان من مأزقه لم يُتخَذ بعد، ولا تؤجد اي مؤشرات توحي بذلك، ذلك انّ اولويات الدول واهتماماتها بعيدة عن النطاق اللبناني مسافات زمنية. وعليه، فإن واقع لبنان سيبقى ضمن المراوحة السلبية في التناقضات والتوترات السياسية والتصعيد الى امد بعيد، وتِبعاً لذلك فإن انتظارنا لمساعدة خارجية جدية سيطول لأشهر وربما لسنة او اكثر”.
رئيس بعد النووي!
من جهته، كشف مرجع مسؤول لـ”الجمهورية”، عما سمّاهما “عاملَين قد تكون لهما تأثيرات ايجابية على الملف الرئاسي، الاول هو الجهد الفرنسي الرامي الى احداث اختراق في الجدار الرئاسي، والموفد الفرنسي لودريان عَكسَ وجود ارادة دولية وتحديدا من الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، لتحقيق هذا الخرق، وان زيارته المقبلة الى لبنان ستتضمن خطوات دافعة في هذا الاتجاه من دون ان يحدد ماهيتها، الا انه كان واثقا من انها ستؤسس الى انفراج؛ وما علينا في هذا السياق سوى ان ننتظر”.
وفسّر أنّ “العامل الثاني هو التطورات الدولية المتسارعة، وخصوصا على خط الاتفاق النووي الايراني، حيث ان ثمة مؤشرات جدية توحي بإمكان بلوغ اتفاق حول هذا الامر، وان ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن تشدّ في هذا الاتجاه على باب الانتخابات الرئاسية الاميركية. ومن شأن ذلك ان تنسحب ايجابياته على اكثر من ساحة في المنطقة، ولبنان لن يكون خارجها، واهم ثماره تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية”.
ما بعد لو دريان كما قبله: متى يبدأ “اللعب مع الكبار”؟
في سياق متّصل، رأت صحيفة “الأخبار” أنّ “زيارة لودريان لبيروت مضت من دون أن تحرّك الجمود في “الاصطفافات الرئاسية” اللبنانية. وكما كان متوقعاً قبل وصوله، فإنّ الدبلوماسي الفرنسي استمع كثيراً وتكلّم قليلاً، إلا أن الكلام القليل، الذي باح به أمام مَن التقاهم مِن ممثلي القوى اللبنانية، لم يُسعِف في ترجمة حركة الحقل الفرنسي إلى برَكة في بيدر الرئاسة اللبنانية؛ ما فتح الباب للحديث عن زيارة جديدة مرتقبة في تموز المقبل”.
ولفتت مصادر “الثنائي” لـ”الأخبار”، إلى أنّ “خلاصات زيارة لودريان أكّدت المؤكّد بالنسبة إلى فريقه، وهو أن لا إمكانية للتراجع عن دعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إذ لم يُسجَّل أيّ جديد يتعلّق أولاً بإظهار الفريق الرافض لفرنجية رغبة في الحوار، والإمعان في رفض الدعوات الداخلية المتاحة حالياً للحوار، ويتعلق ثانياً بالأسماء البديلة للمرشح جهاد أزعور، الذي أثبتت جلسة 14 حزيران انعدام فرص وصوله الى بعبدا”.
واعتبرت أنّ “التّمسّك بأزعور، كخيار مرحلي، هدفه الحفاظ على “وحدة صفّ” الفريق المتقاطع عليه لأطول فترة زمنية ممكنة”، مشدّدةً على أنّ “الثابت هو الاستمرار بدعم فرنجية بيد، وبالأخرى الاستمرار بالدعوة إلى حوار غير مشروط”. وبيّنت أن “الحوار يمكن أن يأخذ شكلاً وطنياً جامعاً، أو على شكل جولات يقوم بها المرشّحون على الأفرقاء كافة لشرح ما يلزم شرحه”.
وأفادت “الأخبار” بأنّ “على الضفة الأخرى، وتحديداً في ما يتعلق بخيارات رئيس “التيار الوطني الحر” النّائب جبران باسيل، يبدو أن الرهان على انتهاء “مناورة أزعور” سريعاً لم يكن رابحاً. إذ صار من الواضح أن باسيل الذي كان يأمل دفع “الثنائي” إلى مربّع الاضطرار إلى الحوار على “أنقاض” خيارَي فرنجية وأزعور إثر جلسة 14 حزيران، يحاول تسويق اسم الوزير السابق زياد بارود داخل أروقة فريق التقاطع، وخصوصاً أن الأخير حاز 6 أصوات في الجلسة الأخيرة، كما أنه خيار يمكنه استقطاب عدد آخر من النواب المترددين وأصحاب الأوراق البيض، بحسب اعتقاد التيار”.
ووضعت مصادر سياسية مواكبة، عبر الصحيفة، هذا السيناريو في إطار “رفع منسوب الضغوط التي يحاول باسيل ممارستها على “حزب الله” تحديداً، لمحاولة إقناعه بالتخلي عن دعم ترشيح فرنجية، والذهاب إلى حوار حول اسم أو لائحة من الأسماء التي يمكن أن تكون مقبولة من الجانبين”.
وركّزت على أنّ “نجاح هذا السيناريو دونه الرفض الذي يبديه، حتى اللحظة، رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لترشيح بارود باعتباره “مرشحاً عونياً”، ما يعني في هذه الحالة إمكانية استمرار تبني اسم أزعور من قِبل فريق المتقاطعين في جلسات أخرى محتملة، ما لم ينجح هذا الفريق في تخطي الاعتبارات التي تحول حتى الآن دون أن يُعلن كلٌّ من أعضائه عن اسم مرشحه المفضّل دون مواربات أو مناورات”.
وعمّا يمكن أن يحمله المبعوث الفرنسي الخاص في زيارته المقبلة، قالت مصادر سياسية مواكبة إن “هناك خشية جدّية من أن تتحوّل زيارات لو دريان لبيروت إلى ما يشبه جلسات انتخاب الرئيس، في كل جلسة مناورة واسم جديد تفضي إلى مزيد من التعقيدات على المشهد، فيما المطلوب واحد وواضح: “حوار لبناني- لبناني، ينطلق من اقتناع الجميع بأن المأزق السياسي الحالي لا يمكن حلّه عبر الشروط والشروط على الشروط”.
وتساءلت “الأخبار” عن “قدرة باريس على تخطي الواقع اللبناني المأزوم، عبر ابتكار حلول من النوع الذي يدفع الجميع الى القبول بالحوار، وخصوصاً أنها لا تمتلك في لبنان الأوراق والأدوات و”المغريات” التي من شأنها أن”تجبر” الأفرقاء على تجاوز الخطوط الحمر التي رسموها لأنفسهم ربطاً بالملف الرئاسي، على عكس الدورَين السعودي والأميركي”. وسألت أيضًا “عمّا إذا كان مسعى لو دريان الحالي هو آخر الخطّ بالنسبة إلى باريس في لبنان، قبل تدخّل الرياض وواشنطن معاً أو إحداهما بالتنسيق مع الآخر، وفي هذه الحالة يصبح “اللعب” بين “الكبار” ومع “الكبار”.