افرام في مؤتمر “شارل ديغول ولبنان”: لنتعلّم منه العِبر التاريخيّة
نظمّت جامعة القديس يوسف في بيروت مؤتمراً بعنوان” شارل ديغول ولبنان: دروس عن شغف العلاقة”، بالتعاون مع المعهد العالي للأعمال ومؤسّسة شارل ديغول الفرنسيّة ومنظّمة حماية إرث شارل ديغول في لبنان، بمشاركة وحضور رئيس الجامعة الأب البروفسور سليم الدكاش، سفير فرنسا في لبنان هيرفي ماغرو، وحشد من الوزراء والرسميين والسياسيين والأكاديميين والمؤرّخين والكتّاب والباحثين وشخصيّات حقوقيّة وإعلاميّة وثقافيّة، حاضر خلاله النائب نعمة افرام عن شارل ديغول والاقتصاد والخلاصات للبنان.
في عرضه بالفرنسيّة، اعتبر النائب نعمة افرام “إنّ أبرز ما يمكن أن نتعلّمه من الجنرال شارل ديغول، هو مبدأ استخلاص العبر والدروس من الأزمات والهزائم كما فعل في بداية عهده كرئيس للجمهوريّة، بعد هزيمة الأربعين يوماً لدولة قويّة، لا بل امبراطوريّة عظمى كفرنسا، بعد الحرب العالميّة الثانية. فقد استنتج بطريقة مباشرة أنّ تأسيس الدولة بعيداً عن كافة التجاذبات السياسيّة هو الأهمّ، خصوصاً بعد هزائم الأمم”.
تابع افرام:” كدرس أوّل، لدينا كلبنانيين الكثير لنتعلّمه من ديغول بعد الانهيار الكبير، خصوصاً كيفيّة تنظيم مؤسّساتنا بعيداً عن التدخّلات السياسيّة، وجعل تأسيس الدولة المشروع الأساسيّ والموحّد للأمّة. وهذا بالتحديد ما فشلنا به كلبنانيين، بحيث استخدمنا تأسيس الدولة، التي بدأت مع الجنرال فؤاد شهاب، لتكون غنائم حرب لكلّ فريق سياسي وهذا ما سمّاه الرئيس شهاب بالـFromagistes أي “آكلي الجبنة”. من هذا الدرس المهمّ، أسّس ديغول “هيئة الإدارة الوطنيّة” L’ENA بهدف جعل الجدارة مبدأً أساسيّاً، وعلى هذا المبدأ يجب أن نعمل أيضاً كلبنانيين. إنّ السبب الأكبر للإنهيار الاقتصاديّ اللبنانيّ ليس الاقتصاد مباشرة، بل التدخّل السياسيّ في مؤسّسات الدولة وفي الإدارة، الأمر الذي أوصلنا في النهاية إلى انتاجيّة سلبيّة وتراكم الخسارات إلى هذا الحجم وبالتالي إلى الانهيار” .
“أمّا الدرس الثاني الذي يجب أن نتعلّمه من الرئيس ديغول – أضاف افرام – فهو أهمية الحماية الاجتماعيّة كشبكة أمان، وكعقد إجتماعيّ بين المواطن والدولة. الدولة ليس كمؤسّسة سياسيّة بل كمؤسّسة منتجة للقيمة المضافة. هذا العقد الاجتماعيّ في صلب الحماية الاجتماعيّة هو الأهمّ اليوم لبناء “دولة المواطن والدولة” وليس “دولة المواطن والأفرقاء الطائفيين والسياسيين”، وهذا الأمر أساسيّ لبناء الدولة اللبنانيّة ومن بعدها الوطن”.
وتطرّق افرام إلى” الدرس الثالث من الجنرال ديغول للبنان كدولة واقعة في عجز اقتصاديّ، والمتمثّل في رفض الموازنات المبنيّة على العجز. هذا الأمر أتاح لفرنسا يومها العمل على توفير أموال لتسديد ديونها للولايات المتّحدة بعد الحرب العالميّة الثانيّة. إن الطريقة التي أدار بها الجنرال ديغول الأزمة في فرنسا، التي تشكّل حجر الزاوية لأوروبا، بعد الحرب العالميّة الثانية، هي مهمّة جدّاً، وتشكّل أمثولة حياة بالنسبة لي، خصوصاً لجهة كيفيّة اتخاذ الدروس الضروريّة من الهزائم وتحويلها إلى فرصّ”.
وقال افرام:”إلى جانب رفض الموازنات المبنيّة على العجز، عمل ديغول على تفعيل الصناعة كمرتكز أساسيّ للإقتصاد الذي يجب أن يشكّل النسبة الأعلى من الناتج القوميّ. فالصناعة هي القطاع الأكثر مناعة ومقاومة للصدمات الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة. وقد أدرك ديغول أهميّة القطاع الصناعيّ في خلق النسيج الإجتماعي في العلاقة التي تربط أصحاب العمل بالعمّال كعائلة إنتاجيّة خصوصاً في القطاع الاقتصاديّ، الذي بحسب ديغول يتمتّع بالحسّ الاجتماعيّ وهذا المبدأ نابع من ثقافة ديغول الكاثوليكيّة الاجتماعيّة”.
“أمّا الدرس الأخير الذي نتعلّمه من الجنرال ديغول – أكمل افرام – فهو إيلائه أهمية كبرى للأمور اللوجيستيّة، من هنا ركّز على وضع استراتيجيّة الطاقة، التي لم تكن تفصيلاً صغيراً بالنسبة إليه، بل ركيزة أساسية بُنيت عليها فرنسا اليوم. فمشروع فرنسا للطاقة النوويّة في الوقت الحالي، يُعتبر حجر الزاوية في الاستراتيجّية الاقتصاديّة، وفي تحوّل الطاقة نحو الاقتصاد. فهل تعلمون كم استطاعت فرنسا تجنّب مشكلات وأزمات اقتصاديّة وسياسيّة، في الخمسين سنة الماضية، لأنّها كانت تتمتّع بالاستقلاليّة في تأمين موارد الطاقة بفضل مشروعها للطاقة النوويّة، كمشروع دولة وحتى كمشروع أمن قوميّ؟ أضف إلى ذلك استراتيجيّة الردع النوويّ التي خلقت من خلالها نوعاً من الاستقرار الأمنيّ تخطّت به عقدة الخسارة في الحرب العالمية الثانيّة”.
وختم:” هذه الدروس التي أعطانا إياها الرئيس شارل ديغول مهمّة جدّاً إلينا كلبنانيين، إذ للأسف ما زلنا إلى اليوم لا نقبل أن نكتب أو نستخلص الدروس من الانهيار الكبير الذي حصل في الخمس سنوات الأخيرة، ولا حتى أن نتعلّم من عبر التاريخ. يجب علينا كلبنانيين غارقين في ترتّبات الانهيار، أن نتحلّى بالتواضع لنتعلّم من الهزيمة ومن الأزمات، واستخلاص الدروس كما فعل الجنرال ديغول”.