فرنجية “ورّط” الجميع… جعجع بري و”حزب الله!”

ما لم يفعله رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع، أو تجنّب الإقدام عليه، قدمه له رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي وضعه في مقامه، مرشحاً على غراره، نداً تستحب مواجهته في معركة رئاسية يكون فيها هذه المرة غالباً ومغلوباً. ما فعله فرنجية أيضاً، أن نزع عن الإستحقاق أسلوب الوكالات وذهب مباشرةً بإتجاه فرض الأصيل: سمير جعجع مرشحاً رئاسياً بما يمثله من قائد فعلي لمحور المعارضة وسليمان فرنجية بما يمثله من خيار فعلي داخلي / خارجي لفريق الممانعة.

ما أقدم عليه فرنجية، نقل المعركة من جانب إلى آخر. جعل من سمير جعجع مرشحاً بدلاً من صانع مرشحين، ودفعه مرغماً إلى وسط الحلبة طامحاً إلى جولة رئاسية. ما كان يحول عملياً بين جعجع وتقديم ترشيحه أن أحداً من فريقه لم يبادر أو يتبنى الخطوة جدياً لحسابات خاصة وداخلية لغاية أن حضر فرنجية لأداء الدور، فيما جعجع، كمعنيّ، ترفّع على مبدأ “لماذا تأتي مني وليس من غيري ما دمت خياراً”؟ بذلك، يكون أن فرنجية قطع لأجل جعجع شوطاً أو أسقط عنه حرجاً، ثم قدمه مرشحاً يستحق المنافسة لمرة واحدة، دونما الأخذ في الحسبان إن كانت الجولة ستفضي إلى رئيس أم أنها ستذهب على غرار ما ذهبت إليه جلسة 16 حزيران 2023، وتطيح بالشخصيتين لصالح “خيار ثالث” أم تبقي عليهما قطبين رئيسيين مع وقف التنفيذ في فريقهما. فيما يغدو مهماً أيضاً، أن أعاد فرنجية بخطوته يوم الأحد الماضي، الإعتبار إلى الصيغة الدستورية الأساس، المبنيّة على التوجه إلى قاعدة المجلس لانتخاب الرئيس بالإقتراع السري مباشرة وليس عن طريق الحوارات أو المشاورات. في هذه وتلك فعلاً يؤدي عمل الإسقاط الفعلي لمبادرات سياسية قائمة وإحلالاً لمبادرة من نوع مختلف.

 

لقراءة موقف جعجع الحقيقي من “فعلة فرنجية”، يمكن العدول إلى رصد تعليق فريقه عليها، بأن مضى متقبلاً الفكرة أو عاملاً لها. أوحى ما هو خلف الكواليس إنشغالاً في رصد التعليقات والتبعات وردات الفعل، بشكل أوحى أن “حكيم معراب” كان ينتظرها. كذلك تمّ إحصاء مدى قابلية أن يتحول التحدي المعلن من جانب فرنجية إلى واقع سياسي فعلي وراسخ ينقل الترشيح من فضاء الإعلام إلى الصالونات وربما إلى قاعة المجلس. لكن قبل الوصول إلى ذلك تتبدى مشكلة جعجع الأساس في أنها مشكلة الآخرين من المرشحين من أبناء الخط نفسه، المختصرة في التنافس والتناحر وعدوى الكار.

مع ذلك كله، تمكن فرنجية من أخذ النقاش إلى مكان آخر، أو أنه أعاد خلق جدلية، لها قدرة على تحريك الإستحقاق الرئاسي قليلاً إلى الأمام أو لها أن تفتح باباً لنقاش في مدى أوسع، أو ربما كما عثر فيها بعض خصوم الطرفين، “فرصة” لإسقاط الترشيحين العالقين في بهو الرئاسة والمعلقين لها في آن معاً إفساحاً في المجال أمام نقاشات أخرى.

في المدى الفعلي، يُحسب على فرنجية أنه حقق من وراء طرحه أهدافاً ونقاط، ويؤخذ عليه أن حسبت عليه أهداف ونقاط.

أولى المؤشرات أنه استطاع “زكزكة” أحلام جعجع وطموحاته، إلى حد أن الأخير ذهب نحو التفكير جدياً في فحوى ومضمون المعادلة ومدى نجاحها، فضلاً عن أن فرنجية بفعلته تلك، أعاد استنهاض مقولة “الرئيس القوي” بعدما خطفها من “التيار الوطني الحر” حين كان يطمح جعجع، بناءً على نفس المعادلة، أن تؤول الرئاسة إليه بعد ميشال عون. ما يقف حائلا يبقى في سؤال يتبدى تباعاً: هل الدول المؤثرة ما زالت عند رؤية “القوي” الصالح للرئاسة بعد تجربة عون أم أنها استغنت عنها لمصلحة “الرئيس الهادئ والقادر”؟

في ثاني الوقائع التي تُحسب على فرنجية أنه وقع في خطأ قاتل، حين قدم ترشيح جعجع بصفته خصماً تاريخياً وزعيماً حالياً في المعارضة أو أنه نداً له، دونما حساب أن الأخير لن يقف بالمرة عند رغبة فرنجية في إثارة رئيس التيار جبران باسيل. وبدلاً من هدفه في احتواء جعجع دفع بالأخير كي ينسّق مع جبران باسيل مع ما يحتمل ذلك من احتمال رسمهما اتفاقاً على حسابه.

في الثالثة، لا بدّ أن رئيس تيار “المردة” وقع في خطأ التصرّف بردة فعل عكسية تجاه جبران المجدد إبلاغ رئيس المجلس نبيه بري قبل أيام من خطاب فرنجية بأنه لن يسير فيه مرشحاً رئاسياً، ليعالجه بأن أقدم على ترشيح جعجع. وبدلاً من جرّ باسيل إلى خانته، قام على نحوٍ وقح بدفع جعجع إلى أحضان باسيل، بدليل تواصل فريق الأول مع الثاني مستفسراً وراصداً مدى احتمال مواكبة أي ترشيح مفترض لجعجع بـ”برتقالي” على غرار ترشيح جهاد أزعور.

في الرابعة والأسوأ ما وقع فيها، ما سمع وتردد من عبارات انزعاج عن لسان مسؤولين من الفريق الذي يفترض أنه داعم لترشيح فرنجية أو يخوض معركته، أي الثنائي. الشق الأول منه المتمثل في رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم يكن مرحباً بما سمعه من فرنجية يوم الأحد أو مسروراً منه بالتحديد فيما خصّ مسألة ترشيح رئيس حزب “القوات”. ببساطة لأن زعيم “المردة” غاب عنه التداخل السلبي والشحن المستجد في العلاقة بين معراب وعين التينة، وثانياً لأنه مضى إلى خيار ترشيح مضاد بدلاً عن أزعور من دون مفاتحة من يفترض أنه رشحه في المرة الأولى أو تبنى ترشيحه وسوّق له. أضف أن طرحه في ما حمله واستبطنه، وجه عملياً صفعةً إلى مشروع رئيس المجلس القائم على فكرة الحوار الذي يسبق الذهاب إلى جلسات أو انتخاب رئيس بهدف الإتفاق على ما يمكن تسميتها “صيغة حكم” على شكل سلة تفادياً لما واكب عهد ميشال عون.

الشق الثاني من الثنائي أي “حزب الله”، بدا أكثر إحراجاً بعدما أخذ موقف فرنجية الأحد على أنه “قبة باط” أو مثّل فعلاً منسقاً مع الحزب أو أن الأخير يريد الذهاب فعلاً إلى هذا المنحى من جلسات انتخاب رئيس بين الاقطاب أو لإجراء اختبار قوى. ولا يعقل إلاّ أن يكون فرنجية قد نسّق خطوته مع الطرف الأقوى بين حلفائه أو أنه وضعه في الصورة. على ما تؤكده المعطيات المتوفرة، لا هذه طرحت ولا تلك نسًقت، وإن الحزب سمع ما سمع تماماً كما سمع الآخرون به عبر الإعلام.

في الوقت الراهن حيث يشتد عود المبادرات، يبدو باسيل أكثر استفادةً من الطرح مما استفاد جعجع، ولا بد أنه أضحى، ربطاً بهذا المسار، حاجة لأكثر من فريق، كما أنه استطاع المراكمة في النقاط على شكل فاق ما ظن فرنجية أنه راكمه، ببساطة لانه جعل من نفسه محوراً بات حاجة لجعجع قبل غيره، كما أنه ذهب ليعيد ولو بشيء محدود تفعيل محركاته تجاه “قوى المعارضة” على صورة أنه الوحيد القادر على إخراج فرنجية من السباق إلى بعبدا.

Share.

Comments are closed.

Exit mobile version