مقالات

“لبنانان” في مهب التهديدات والتحديات!

“لبنانان” في مهب التهديدات والتحديات!
| جورج علم |
لبنان – لبنانان. “لبنان حزب الله”، وتحالفاته، وخياراته. و”لبنان المعارضة”. الجامع المشترك بينهما الحرص على ما تبقى من سلم أهلي، بإنتظار اليوم التالي في الجنوب، وما سيقرّ عليه الرأي من مخارج بين الدول الممسكة بملفّه.

بُعيد مغادرة الفرنسي جان إيف لودريان بيروت، طرح الأميركي آموس هوكشتاين، في اليوم التالي، خطّة من ثلاث مراحل، تبدأ بوقف إطلاق النار، وإعادة الذين نزحوا على جانبي الحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلة إلى بلداتهم وقراهم، على أن تستكمل العودة بتعزيز قدرات القوات المسلّحة اللبنانية، بما في ذلك التجنيد، والتدريب، والتجهيز ليكون بوسعها ضبط الوضع جنوب الليطاني بالتعاون مع قوات “اليونفيل”.

وتقضي المرحلة الثانية بتوفير حزمة إقتصاديّة لإعادة البناء، وزيادة ساعات التغذية الكهربائيّة…

أما الثالثة، السعي لترسيم الحدود البريّة، وتطبيق كامل مندرجات القرار 1701.

عرضت واشنطن الخطّة على طهران بواسطة طرف ثالث، لكن الغياب المأساوي للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان، ساعد القيادة الإيرانيّة على طلب المزيد من الوقت للدرس والتشاور مع “الأصدقاء”.

وبادر الرئيس جو بايدن بدوره، إلى طرح خريطة طريق لوقف القتال في غزّة، الأمر الذي دفع عواصم دول المنطقة إلى العمل على تدوير الزوايا الحادة، لعلّها تأخذ طريقها نحو التنفيذ.

لا شيء يوحي بفصل جبهة الجنوب عن جبهة غزّة. على الأقل لم يشر إعلام المقاومة ـ لغاية الآن ـ إلى أيّ تغيير في الموقف. وبانتظار ما ستحمله الأيام من مستجدات تدعم خطّة هوكشتاين، أو تسهم بفشلها، يبقى الجنوب رهينة. وأيّ تفاهم على وقف لإطلاق النار في غزّة، لا يعني سريانه على الجنوب، أو على الأقل ليس من ضمانات يمكن الركون إليها، لا من الولايات المتحدة، ولا من فرنسا، ولا حتى من الإتحاد الأوروبي، تؤكد الهدوء الحتمي للجبهة، بل على العكس، هناك قلق بالغ في أوساط دبلوماسيّة غربيّة من:

1 ـ عدوان كبير قد يحصل، وأكلاف موجعة قد تترتّب، قبل أن ينصاع الجميع، ويقبلوا البحث بالخطط المرسومة، ويقدّموا تنازلات لا بدّ منها للوصول إلى وقف ثابت ودائم لإطلاق النار، والمضيّ بتنفيذ سائر مندرجات القرار 1701.

2 ـ يُنظر إلى بيروت من منظار دبلوماسي مختلف يستند إلى حقائق، ومعلومات، وإثباتاتـ تؤكد على تحوّلها شيئاً فشيئاً إلى عاصمة لجوء تقصدها قيادات “ثوريّة”، وتنظيمات مسلحة تحت شعار تفعيل جبهة الجنوب “المساندة” لغزّة. وهذا ليس بخاف على العدو الإسرائيلي الذي قد يتخذ منه ذريعة لتوسيع دائرة عدوانه، تحت شعار “الإقتصاص” من أهداف متعاطفة مع “حماس”.
وكانت رسائل جديّة قد وصلت عبر البريد الدبلوماسي إلى بيروت تتحدث عن أنه في كل مرّة تنطلق فيها رشقات صاروخية من الجنوب، من قبل تنظيمات مسلحة، كانت تعنف وتيرة القصف المعادي ضدّ أهداف حساسة على طول الشريط الحدودي، أو في الداخل، متزامنة مع ضغوط دبلوماسيّة غربيّة للتأكيد على رفض توسيع الجبهة، وارتفاع منسوب القصف، وإطلاق النار. ثم منع تمدّدها، كأن تنضم إليها فصائل فلسطينيّة راديكالية، أو ميليشيات حزبيّة عقائديّة، إلى جانب مقاتيلي المقاومة تحت شعار “الثأر” لغزة!

3 ـ إن أي تسوية، أو أي وقف لإطلاق النار، سينعكس فوراً على الداخل، خصوصاً إذا ما امتطى البعض هودج النصر، وراح يسوّق للإنجازات التي حققها، في مسعى “لتقريش” التضحيات التي قدمها في بنك الأهداف السياسيّة الداخلية، بدءاً من إنجاز الإستحقاق الدستوري المعطّل، بانتخاب رئيس للجمهوريّة، إلى شكل الحكومة الجديدة وحجمها، ولونها السياسي، إلى برنامج عملها، وما يجب أن يتضمن بيانها الوزاري من ضمانات للسلاح المقاوم، وثلاثية “الجيش، والشعب، والمقاومة”، إلى الإصلاحات السياسيّة، والماليّة، والإقتصاديّة، والإجتماعيّة المطلوبة، إلى إقرار خطة رسميّة واضحة لإعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي، والتعويضات التي لا بدّ منها على المتضرّرين…

إن هذا “اللبنان الزاحف من الجنوب إلى بيروت”، قد لا يستقبل بأقواس النصر، ولافتات الترحيب، من قبل “لبنان المعارض”، وهذه فرضيّة لا تحتاج إلى برهان لأنها قائمة، معيوشة، وسارية المفعول من خلال رفض الحوار في ظلّ ما تعتبره المعارضة “دويلة تتصرّف كأنها الدولة، وتستأثر بقرار الحرب والسلم من دون العودة إلى المؤسسات الدستوريّة الشرعيّة”، وفراغ ينطلق من القصر الجمهوري في بعبدا، ليلّف معظم المؤسسات الرسميّة، وملفات إقليميّة سوريّة، وفلسطينيّة ضاغطة، وأزمة وطنيّة وجوديّة خطيرة تتمثّل بهجرة مزدوجة للشباب اللبناني، هجرة إلى الخارج، وهجرة من الولاء لوطن يحكمه رموز الفساد، و”مافيات” المصالح الخاصة التي تكتنز على حساب المصلحة العامة.

إن الهوّة بين “اللبنانيّين” قد يتسغلها العدو الإسرائيلي لاستهداف ما تبقى من وحدة أرض، وشعب، ومؤسسات، خصوصاً أن هذه الهوّة تتسع، وتتعمّق، في ظلّ “فائض قوة” يفيض من مناهله الداخليّة، بقدر ما يتغذّى من ينابيع خارجيّة، وهذا ما يعقّد الحل، فإما تسوية تنبت على جذع تسوية كبرى في المنطقة تأخذ في طريقها كل التراكمات، والملفات المعقّدة، والقضايا المزمنة، أو خيارات صعبة ومكلفة مفتوحة على كل الإحتمالات في زمن ترسيم الخرائط الجديدة، لمصالح الدول الكبرى المتهافتة على خيرات الشرق الأوسط.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce