لا تسوية لغزة ولا إصلاح للبنان
الحروب تُخاض لتحقيق فوز يضمن مصالح البادئ بها، وبالتالي المؤتمل من أي حرب هو أن تنتهي بمنتصر يحقق مصالحه ومهزوم يسعى لتضميد ما تبقى من جسده المثخن بجراح الهزيمة وتعويض ما ضاع من مصالحه.
لكن ما يحصل في حالات كثيرة هو أن يتساوى طرفا الحرب في الخسائر ما يحول دون إعلان هزيمة طرف أو انتصار آخر، عندها يتولى الوسطاء ترتيب استيعاب الحرب بتسوية توقف مسار خسارة الطرفين، ما يعتبر مكسباً لكل منهما شرط أن تتمّ الموافقة على كامل بنود التسوية قبل البدء بتنفيذها.
لكن عُطب التسويات هو أنها أشبه بعقار مخدر لداء السرطان يستفيق منه بشراسة فيعود الألم ويتعالى صراخ المصاب.
هذا بالضبط هو حال طوفان حماس في غزة، ينتظر تسوية قد تساعده على تضميد جراحه واستعادة قوته ليشتعل مجدداً، كما تعطي التسوية إسرائيل فرصة لترتاح مؤقتاً من وجع الرأس الغزاوي كي تتفرغ لجبهة جنوب لبنان، المشتعلة والجاهزة للتوسع أفقياً وعمودياً وفق ما تقتضي ظروف المتقاتلين.
ويطرح ذلك سؤالاً مقلقاً: كيف ستنتهي حرب غزة؟ هل ستوقّع إسرائيل العضو في الأمم المتحدة على وثيقة “تسوية” مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي ما يجعلها مساوية في التصنيف لأي منهما علماً، بأنّها لا تعترف سوى بالسلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” وهي المظلة الوطنية التي لا تضمّ حماس ولا الجهاد الإسلامي؟
السؤال بصيغة معكوسة: هل تقبل حركة حماس ومن يقاتل معها في غزة والضفة الغربية ولبنان بتوقيع وثيقة تسوية مع إسرائيل ما يكرس اعتراف هذا المعسكر المدعوم إيرانياً بشرعية الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين العربية؟
تحاول مصر وقطر التوسط لاحتواء حمام الدم المشتعل في غزة للشهر السابع على التوالي وتقدمتا بخطة من ثلاث مراحل، وفق ما نقل عن مصادر حماس، تتكون كل مرحلة من 42 يوماً، ما يعني أنّ الإطار العام لإكمال تنفيذ الخطة هو 126 يوماً. فهل يصمد وقف العمليات الحربية بين إسرائيل وحماس طيلة هذه الفترة؟ وماذا يحصل بعد انتهاء الإطار الزمني للمقترح المصري-القطري؟
نقلت فضائية الجزيرة القطرية عن خليل الحية، نائب رئيس حركة حماس في غزة، قوله إنه في ما يتعلق بملف تبادل الرهائن والسجناء، فإنّ المرحلة الأولى ستشهد مفاوضات غير مباشرة على “مفاتيح تبادل الأسرى” عبر الوساطة القطرية والمصرية.
هل يعني حديث الحية أنه لن يتم تبادل أي من الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس بالأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية في أول 42 يوماً من الخطة الثلاثية؟
وهل ستوافق إسرائيل على وقف إطلاق نار مع حماس قبل الإتفاق على صيغة تبادل الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس بالسجناء الفلسطينيين في معتقلات إسرائيل. والملفت أنّ الحية لم يشر إلى وجود أي “أسير” إسرائيلي لدى حماس. علماً أنّ مفردة رهائن تشير حصراً إلى المدنيين، والأسير هو العسكري، نظامياً كان أم غير نظامي.
وهل ستوافق إسرائيل على ما تزعم مصادر حماس بأنّ المقترح المصري-القطري قد تضمنه وهو الإنسحاب الكامل من قطاع غزة ثم عودة النازحين إلى مناطقهم مع حرية التحرك في القطاع؟
والسؤال المركزي هو: إلى أي مناطق مدمرة سيعود الذين نزحوا؟ من سيموّل إعادة إعمار غزة علماً بأنه بات معروفاً للوسطاء والدول الأجنبية أنّ العرب لن يمولوا إعادة إعمار غزة طالما هي تحت حكم حماس، كما لن يمولوا إعادة إعمار جنوب لبنان طالما هو تحت سيطرة حزب الإحتلال الفارسي؟
الواضح أنّ سكان جنوب لبنان كما سكان غزة واقعون تحت سطوة حماس وحزب الإحتلال الفارسي التي تستجلب النيران الإسرائيلية المدمره-القاتلة ما يعيد ساعة الرمل التي توقّت للحربين إلى بداية السباق بين خيارات النصر أوالهزيمة أو التسوية التي تستولد حرباً جديدة بعد فترة.
في جنوب لبنان الحرب مستمرة وتتوسع شرقاً وشمالاً بإتجاه الحدود مع سوريا بغض النظر عما يسجله محور الممانعة الفارسي من إصابات في أهداف إسرائيلية لا توقف قتل اللبنانيين، ولا تضمّد جراحهم، ولا تعيد بناء منازلهم المهدومة.
كما سجل تطور جديد، خطير ولافت في سير المعارك تمثل بتعطيل خزانات المياه على أسطح المنازل التي إستهدفتها نيران الرشاشات الإسرائيلية الثقيلة ما يوحي بأنّ الجيش الإسرائيلي يحاول تفريغ كامل منطقة جنوبي نهر الليطاني من سكانها ربما تمهيداً لتنفيذ عملية غزو بري شاسع.
أما منظومة السلطة اللبنانية فهي منهمكة بتأمين تغطية من المجلس النيابي لقبول هبة المليار يورو التي وعد الإتحاد الأوروبي بتقديمها حتى سنة 2027 ما تعتبره الأوساط الشعبية رشوة لإبقاء النازحين السوريين في لبنان ومنعهم من الهجرة غير الشرعية إلى قبرص وبقية شواطئ الإتحاد الأوروبي .
وفي هذا الصدد استجاب رئيس المجلس النيابي نبيه بري لطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحدد 15 أيار الجاري موعداً لالتئام السلطة التشريعية من دون تحديد مهمتها، فهل ستكون تشريعية أم رقابيةً، علماً بأنّ الدستور اللبناني يحظّر التشريع النيابي في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية.
ونقل عن بري قوله إنّ الجلسة ستخصص لمناقشة الموقف من هبة المليار يورو من دون توضيح ما إذا كانت الجلسة ستبحث في تشريع الهبة أم تكتفي بالإطلاع على مضمونها لتقرر ما إذا كانت مقبولة أم مرفوضة، وإذا كانت مقبولة كيف ستتم مراقبة إنفاقها، وهل ستخصّص للسوريين أو للبنانيين؟
ومن المرجح مشاركة غالبية القوى المعارضة في الجلسة تحت عنوان “مهمة رقابة” إلتزاماً بنص الدستور وتفادياُ للإنتقاد الشعبي الواسع الذي اعتبر أنّ الهبة هي مجرد رشوة للمنظومة الحاكمة لقاء إبقاء النازحين السوريين في لبنان.
وغاب وضع الجنوب عن سلم أولويات الرأي العام المنشغل بمستقبل وجود النازحين السوريين في لبنان وفضيحة شبكة إغتصاب الأطفال عبر التيك توك.
وضع النازحين السوريين في لبنان، الذي إهتز بعد مقتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان على يد خاطفين سوريين قبل شهر، فجره مجدداً إتهام السوري خلف برغش، وهو عامل نظافة بفندق في منطقة الروشة، بقتل زميلته زينب معتوق بعد شجار بينهما. ووفق مصادر أمنية لم يتم إلقاء القبض على برغش الذي كانت قد تناقلت أخبار عن محاولته الفرار إلى سوريا عبر معبر المصنع الحدودي حيث ألقي القبض عليه، في المقابل طالت التوقيفات مسؤولين لبنانيين في الفندق بتهم عدة، بينها توظيف سوريين متواجدين في لبنان بصفة غير شرعية ولا يحوزون على إذونات إقامة وعمل.
أما فضيحة عصابة إغتصاب الأطفل وتصويرهم وبيع فيديوهات تعذيبهم عبر الشبكة السوداء فيتقدم التحقيق في ملفها ببطء لعدة أسباب، منها وجود رؤوسها المدبرة خارج لبنان وتحديداً في تركيا والإمارات العربية المتحدة والسويد، إضافة إلى التهديدات التي يتعرض لها أهالي الضحايا لمنعهم من التقدم بدعاوى حقوق شخصية، أو بسبب الوضع النفسي التعيس للأطفال الضحايا ما يستوجب علاجهم ومتابعتهم بدقة.
خلاصة القول: لا تسوية لمسألة غزة، فإما أن تقضي حماس على إسرائيل أو تقضي إسرائيل على حماس، ولا إصلاح للبنان لأنّ تفشي فساده قضى على إمكانية إنقاذه، من دون إغفال محاولة إسرائيل تفريغ الجنوب من سكانه عبر إستهداف خرانات المياه على أسطح المنازل بنيران الرشاشات الثقيلة.
محمد سلام – هنا لبنان