اتّجاه للطعن بقانون التمديد للبلديات أمام الدستوري
التاريخ أعاد نفسه. كما العام الماضي مدّد مجلس النواب ولاية المجالس البلدية والاختيارية مدة أقصاها ٣١ أيار ٢٠٢٤، لجأ المجلس نفسه هذه السنة أيضاً الى التمديد لها حتى تاريخ أقصاه 31/5/2025 مع اختلاف داعي هذا الإرجاء من التقني لصعوبة إجراء الانتخابات لأسباب مادية ولوجستية الى أسباب أمنية ولا سيما استمرار الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية بين “حزب الله” وإسرائيل.
المناخ العام في أوساط معارضي التمديد يتجه الى الطعن بهذا القانون ويحتاج تقديمه كما هو معلوم، الى توقيع عشرة نواب، أسوة بكل طعن، باعتبار أن كل قانون يقره مجلس النواب قابل للطعن أمام الهيئة الدستورية التي قراراتها نهائية وملزمة التطبيق.
وتوطئة لكلامه في القانون الدستوري فإن وجهة نظر الأستاذ المحاضر في هذه المادة في الجامعة الأميركية الدكتور أنطوان صفير “أصبحنا في إطار كسر المبدأ الذي يتعلق بدورية الانتخابات باعتبار أن رئاسة الجمهورية شاغرة وحكومة تصريف أعمال تقوم مقام رئيس الجمهورية بين تشريع الضرورة وغير الضرورة واللاتشريع مجالس بلدية يمدد لها للمرة الثالثة”. ويقول المحامي صفير لـ”النهار”: “نحن في أزمة ديموقراطية. وهذا لا يعني أنه يمكن أن يكون هناك منطق في مسألة التمديد بسبب الحرب في الجنوب أو غيره. ولكن هذا الموضوع في يد المجلس الدستوري الذي يدرس هذه الأطر”.
الإطار العام لقانون التمديد للبلديات والمختارين سبق أن طرح أمام الدستوري العام الماضي. ولكن في المنطق القانوني للمحامي صفير، “حتى لو كان ثمة طعن مقدم في الموضوع نفسه وردّه المجلس الدستوري لأسباب عللها في حينه في متن القرار، يمكن أن تكون الأسباب الموجبة التي حدت بالنواب لإقرار قانون التمديد من جديد في الأمس جديدة أو مختلفة عن تلك التي اعتمدت في السابق، وتشكل مادة قانونية جديدة سيدرسها المجلس الدستوري ويتخذ القرار في شأنها.
علماً بأنه غير ملزم باتخاذ القرار نفسه الذي أصدره العام الماضي بحرفيته أو بالأسباب التعليلية ذاتها لأن لديه سلطة تقديرية لكل حالة على حدة ولكل قانون بحسب حيثياته وما ورد فيه من أسباب موجبة ومن فقرات وبنود في هذا الاتجاه. وتالياً سيدرس الدستوري الطعن أو الطعون التي ستقدم بقانون التمديد للبلديات، ومدى تطابق القانون المقر مع أحكام الدستور ليتخذ موقفاً بكل نقطة سترد فيها. لذا لا أعتقد أن الدستوري سيقبل الطعن أي إن القانون غير دستوري وكأنه لم يكن لأن في ذلك محاذير حددها في متن قراره العام الماضي 2023 بشأن موضوع الفراغ والانتظام العام وسواهما، كذلك تحديده نظرية الظروف الاستثنائية على نحو حدّد معه الصورة العامة في هذا الاتجاه. يبقى المجلس قادراً على اتخاذ قرار مختلف عن ذاك القرار. ولكن أنا لا أعتقد أن الظروف تبدّلت”.
يذهب عضو المجلس السابق في الدستوري البروفسور أنطوان مسرة في تحليله الى أبعد من مسألة الطعن بذاته وفق ما أبداه لـ”النهار”، “لأن القضية أكبر من ذلك وأخطر. فما حصل ليس خرقاً للدستور فحسب، بل أكثر من عملية خرق لأن الدستور كله معلق لعدم انتخاب رئيس جمهورية”، مستقرئاً أن الأكثرية في الدستوري لإصدار قرار بالطعن أو الطعون التي ستقدم، لن تتوافر.
واستبعد في الوقت نفسه ردّه، ليرتئي نشر محضر الجلسة متضمناً وقائعها بما فيها المداخلات التي تحصل خلالها. وفي رأيه مهما تكن نتيجة الطعن بقبوله أو ردّه يُنتظر أن يتضمّن تفسيراً علمياً معمّقاً في مثل هذه القضايا الخطيرة جداً على مستوى الدولة وتلقن السياسيين “متيله”. فالبرلمان مقفل لا ينتخب رئيساً والدستور معلق، وهنا يكمن دور الدستوري. وفي عرف مسرة إن تصريف الأعمال يتصل بإجراءات عادية روتينية ليومين أو أسبوعين ليس أكثر، فيما سائر المؤسسات مرغمة على اتخاذ الإجراءات اللازمة. وبعد انتخاب رئيس جمهورية يزول الخطر وحينها يمكن المراجعة بهذه الإجراءات المتخذة أمام المراجع المختصة. ويستعين بحالة اندلاع حريق داهم في منزل للدلالة على الواقع المعيش ليأتي ردّ الاطفائية بأنه لا يمكنها الحضور لإخماده ومن في داخله في خطر.
وجدد النائب ملحم خلف تضامنه المطلق “مع أهلنا في الجنوب ونعبّر عنه دوماً وخصوصاً أمام وحشية العدوان الإسرائيلي ولا مساومة على التضامن الوطني الجامع”. وفيما لم يتخذ نواب التغيير قراراً في صدد الطعن بعد، عبّر المحامي خلف عن موقفه من قانون التمديد، لافتاً الى أن تداول السلطة مبدأ أساسي في النظام الديموقراطي ولا يحق لمجلس النواب أو الحكومة تمثيل الوكالة أو اللجان الانتخابية لعدم صلاحيتهما لأن هذا الأمر يرتبط بالهيئة الناخبة لا بهما.
وثمة استثناء واحد وهو ما لم تتوفر ظروف استثنائية وقاهرة، ويجاز هذا الترتيب بمقدار الظروف الاستثنائية التي نظريتها ترتكز على شرط التناسب. وهو شرط أساسي من الشروط الأربعة لهذه النظرية. وأكد أن الظروف الاستثنائية تتيح إرجاء الانتخابات للفترة اللازمة والضرورية جداً ضمن المناطق المتعذر الانتخاب فيها حصراً تبعاً لشرط التناسب. ولهذه الواقعة سابقة في الجبل، إذ يلحظ قانون البلديات رقم ٦٦٥/٩٧ المعدل بالقانون رقم ٣١٦/٢٠٠١ بوضوح تأجيل الانتخابات البلدية في المناطق الواقعة تحت الاحتلال وأماكن التهجير. وتنصّ المادة ١٥ من هذا القانون رقم ١١٨/٧٧، أضيف الى هذه المادة أحكام المادة ٢٠ من القانون رقم ٦٦٥/٩٧ “تجرى الانتخابات البلدية في جميع المناطق اللبنانية وفق البنود المحددة في هذا القانون باستثناء المدن والقرى الواقعة تحت الاحتلال”.
وعدلت الفقرة الثانية من هذه المادة (٢٠) بموجب المادة الأولى في القانون ٣١٦ المذكور تاريخ ٢٠ نيسان ٢٠٠١ لتصبح “على الحكومة أن تدعو لإجراء انتخابات بلدية في المدن والقرى… كما أن المدن والقرى الواقعة بمناطق التهجير والتي لم تتم المصالحة والعودة إليها فتحدّد بمرسوم يتخذ بمجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزراء الداخلية والشؤون البلدية. وعلى الحكومة أن تدعو لإجراء انتخابات بلدية لهذه المدن والقرى كلما أصبح ذلك ممكناً بقرار من مجلس الوزراء”.
ولجهة عدم وجود ترشيحات بلدية اعتبر خلف أنه كان على وزير الداخلية، الذي أعلن جهوزيته لإجراء الانتخابات البلدية، أن يقترح على الحكومة تأجيلاً تقنياً ولفترة وجيزة الانتخابات في الجنوب طبقاً لهذا القانون، ليرى أن تغطية عجز الحكومة بتشريع غير دستوري باتت تغطية لاستمرارية الفراغ في الدولة إذ كان يمكن للحكومة أن تأخذ على عاتقها هذا التأجيل التقني…
المصدر – النهار