وليد عوني: لولا الفن التشكيلي ما استطعت الرقص
في حدث وصفه بعض النقاد والفنانين المصريين بـ«المفاجأة» ينظم الفنان وليد عوني معرضاً تشكيلياً يضم 42 لوحة ومجسماً استخدم فيها خامات مختلفة، فالفنان الذي عرفه الجميع كمصمم رقصات قام عام 1993 بتأسيس أول فرقة مصرية وعربية للرقص الحديث، يقدم نفسه من جديد عبر اللون والريشة، بل ينقل «سرياليته» ـ التي اشتهر بها على خشبة المسرح ـ من عالم الرقص إلى الفن التشكيلي، وإن كانت هذه المرة تأتي مغلفة بفانتازيا لافتة.
لكن ربما تكون المفاجأة الحقيقية بالنسبة للبعض هي أن عوني في الأصل تشكيلي، أحب الرسم منذ طفولته، وبدأ مسيرته المهنية في بداية الثمانينات بدراسة الفن التشكيلي في «الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة» في بروكسل.
ومارس هذا الفن من قبل تخرجه واتجاهه إلى الرقص وتصميم الرقصات، كما أن هذا المعرض ليس هو معرضه الأول، حيث سبقه نحو 5 معارض من قبل، يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «انتقلت عائلتي في خمسينات القرن الماضي من طرابلس إلى (بشرى)، وهي مسقط رأس جبران خليل جبران، ما أتاح لي في طفولتي زيارة متحفه والغوص في عالمه، وكان ذلك من أهم أسباب ولعي بالرسم».
ويتابع: «عندما نشبت الحرب سافرت إلى بروكسل والتحقت بالأكاديمية الملكية، وهناك تنقلت بين التخصصات المختلفة، بما في ذلك الرسم والغرافيك والنحت، فضلاً عن احتفائي بزيارة المتاحف الفنية».
لا تتوقف علاقة عوني بالفن التشكيلي على حبه أو دراسته له أو مفاجأتنا من حين إلى آخر بإقامة معرض هنا أو هناك، إنما يمتد الأمر لينعكس على أعماله المسرحية الراقصة، يقول: «تأثرت أعمالي في المجالات الأخرى بولعي بالفن التشكيلي، حتى إنني أستطيع القول إنه لو لم أكن فناناً تشكيلياً، ولو لم أكن أجيد الغرافيك ما كنت قد قدمت أعمالاً مسرحية مميزة، حتى إن بعض التصاميم الراقصة والعروض المسرحية التي قدمتها، وصفها النقاد بأنها (لوحات فنية ملونة متحركة ومبهجة)».
تكاد الفانتازيا في الصياغات التشكيلية تكون بمثابة المسار الذي يقع في المنتصف ما بين أفكار الفنان ـ أي فنان ـ وخياله وثقافة المتلقي وذاكرته البصرية، فيأخذ التشكيلي جمهوره إلى أطروحات وتساؤلات واستنتاجات لما وراء أعماله من رموز ودلالات ومشاعر مختبئة داخلها، فيثير دهشته وشغفه لخوض رحلة فنية تهيمن عليها الغرابة والخيال والتمازج المبهج بين التكوين والألوان والخطوط.
وفي لوحات المعرض المقام تحت عنوان «فانتازيا السيريالية» بغاليري بيكاسو بالقاهرة، يشعر المتلقي كم يتلمس عوني جذوة الفرح في الحياة، وإلى أي مدى ثمة توق مختزن بداخله للتحرر والانطلاق، وهو يفعل ذلك على مسطح أعماله اعتماداً على الصدفة والتلقائية من دون تخطيط أو تشبث بقواعد كلاسيكية أو غير كلاسيكية.
ويقدّم عوني فناً يزدان بالألوان الحادة والموضوعات السردية ذات المغزى البسيط، إنها الفانتازيا التي قد توحي بالسذاجة، لكن كما قال المفكر الفرنسي لويس آراغون ذات يوم: «ساذج من يعتبر أن هذا الفن ساذج»، وهو الأمر نفسه الذي تستشعره في أعمال وليد عوني؛ حيث يمنح أعماله المفرطة في العفوية قدراً واضحاً من «العقلنة» والغوص في الإنسانية بكل رغباتها وأحاسيسها وأحلامها.
يضيف عوني لـ«الشرق الأوسط»: «للفانتازيا تأثير بارز على الفنون البصرية والتشكيلية، حيث تتيح للفنان التعبير عن الأفكار والصور والمشاعر التي تخرج عن الواقع والطبيعة، ما يمكنه من إنتاج أعمال تتميز بالتجديد والابتكار، وذلك عبر كثير من التقنيات والأساليب من دون التقيد بشكل فني واحد».
وعبر سيريالية الفنان، يجد المتأمل للوحاته كذلك أنه قد وقع ما بين السرد المشوق، والرسم الطريف والتفاصيل الغريبة، ليجد نفسه في النهاية قد انتقل من الواقع المثير للخذلان أحياناً إلى الخيال الملهم دوماً: «أتمسك بالسيريالية والرمزية في أعمالي حتى في المسرح؛ وكذلك أميل إلى الفانتازيا؛ لأن ذلك في واقع الأمر جزء من شخصيتي، إنها تشبهني إلى حد كبير» ويتابع: «أحب الحياة والانطلاق والبهجة، وأرفض أن أبدو متقدماً في العمر، أو أتخلى عن طاقات العمل والإبداع والفرحة».
ويعدّ عوني هذا المعرض بداية لمرحلة فنية جديدة ستشهد مجموعة من المعارض التشكيلية خلال السنوات المقبلة على حد تعبيره: «سأقدم معارض أكثر وأكثر، لكن ذلك لن يأخذني من الرقص والمسرح. وستتميز أعمالي بشكل عام بالسيريالية والفانتازيا معاً».