في ذكرى اغتيال رفيق الحريري هل نحزن أم نغضب؟
عبارتان أطلقهما رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تحددان أبعاد المشهد السياسي السني.
أمام الجماهير التي احتشدت حول ضريح الشهيد رفيق الحريري رحمه الله وطيب ثراه أطلق الشيخ سعد عبارته الأولى: “قولوا للجميع أنكم عدتم إلى الساحة، ومن دونكم ليس هناك بلد ماشي. نبض البلد هنا، حافظوا على النبض، حافظوا على البلد، ونحن سوياً وأنا إلى جانبكم… وكل شي بوقتو حلو”.
بهذه العبارة أوضح الشيخ سعد أنّ مهمة الحشد هي محاولة إقناع من يرجى إقناعه بأنّ عودته إلى لبنان مرغوبة ومطلوبه لأن البلد لا يستوي ولا يمشي من دون جمهوره العريض الذي اعتبره بمثابة نبض البلد بعدما استعار من الرئيس الشهيد أبرز شعارات نجاحه أي عبارة “البلد ماشي” ليقول إنّ البلد حالياً مش ماشي ويمكن أن يمشي إذا عاد هو وريثاً سياسياً للحريرية الأولى.
العبارة يرجّح أن تعني أنّ وجود الشيخ سعد في بيروت هو مجرد زيارة وليس عودة، وأنه سيغادر قريباً وفق عبارة “كل شي بوقتو حلو” إلا إذا صدر عمّن يرجى إقناعه مؤشر يوحي بأنه اقتنع بمشاهد الحشد التي عُرضت مباشرة على شاشات التلفزة في بيروت، ولم تنقلها مباشرة شاشات التلفزة في المملكة العربية السعودية.
العبارة الثانية أطلقها الشيخ سعد أمام الجماهير التي احتشدت في باحة بيت الوسط فذكّرت بأن “الشهيد رفيق الحريري دفع دمه فداء للبنان، ومشروعه كان مستقبل لبنان”.
فهل أراد الشيخ سعد من العبارة الثانية أن تكون عنوان وعد وعهد بعدم تكرار الأخطاء السابقة التي جعلته حليفاً لمن قتلوا والده وخصماً لمن أوصلوه هو إلى رئاسة الحكومة؟
وبالعودة إلى جذور مناسبة 14 شباط بعد اختلاط مشهد الترحيب بالشيخ سعد بمشهد الحداد على الشهيد يُطرح السؤال: هل يغلّف الحزن وجداننا في ذكرى إغتيال الرئيس رفيق الحريري رحمه الله وطيب ثراه؟
من يكرب في ذكرى الإغتيال هذه بالتحديد يكون مصاباً بداء الحنين المرضي Pathological Nostalgia لأنه بعد 19 عاماً على إرتكاب الجريمة وإستمرار إفلات القتلة من العقاب يجب أن يكون التعبير الراقي عن الغضب، لا الحزن ولا الفرح، هو عنوان المشهد.
أما المصابون بالاكتئآب Depression فتضيع عندهم حاسة الإدراك Sense of Perception، فتنغمس عدم واقعية سعادة أحلام اليقظة بكوابيس آلام مآسي الماضي ما ينتج فرحاً وهمياً بكل ما يوحي بتغيير الحال… إلى أي حال.
يذكرني المشهد بقصة الأغنام التي تمضي حياتها بسعادة يحميها كلب من ذئب مزعوم ولا تدرك حتى وهي في المسلخ أنّ الذئب هو من كان يرعاها ليوصلها إلى الذبح وشريكه في قتلها هو الكلب الذي كان يزعم أنه يدافع عنها.
لذلك، فإنّ الخيار الحقيقي في لبنان لذكرى إغتيال الرئيس رفيق الحريري يجب أن يكون التعبير الراقي عن الغضب للتأكيد على أننا نعلم أنّ من قتله فرحٌ اليوم بحريته لإفلاته من العقاب واقتناعه بعدم القدرة على توقيفه ومعاقبته… حتى بعد 300 سنة.
ويعيدني المشهد إلى الإستقالة الأولى للشيخ سعد الحريري التي أعلنها من العاصمة السعودية الرياض في 4 تشرين الثاني العام 2017 وعبر شاشة تلفزيون المملكة.
قال الشيخ سعد مخاطباً اللبنانيين: “…كنتم منارة العلم والمعرفة والديمقراطية، إلى أن تسلطت عليكم فئات لا تريد لكم الخير، دُعمت من خارج الحدود، وزرعت بين أبناء البلد الواحد الفتن، وتطاولت على سلطة الدولة، وأنشأت دولة داخل الدولة، وانتهى بها الأمر إلى أن سيطرت على مفاصلها وأصبح لها الكلمة العليا والقول الفصل في شؤون لبنان واللبنانيين”.
وأضاف: “أشير وبكل صراحة ودون مواربة إلى إيران، التي ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، تشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن. يدفعها إلى ذلك حقد دفين على الأمة العربية، ورغبة جامحة في تدميرها والسيطرة عليها. وللأسف، وجدت من أبنائنا من يضع يده في يدها، بل ويعلن صراحة ولاءه لها، والسعي لخطف لبنان من محيطه العربي والدولي بما يمثله من قيم ومثل. أقصد في ذلك حزب الله الذراع الإيرانية، ليس في لبنان فحسب، بل وفي البلدان العربية”.
وخلص كتاب استقالة الشيخ سعد إلى أنه: “…انطلاقاً مما أؤمن به من مبادئ ورثتها من المرحوم الشهيد رفيق الحريري ومن مبادئ ثورة الأرز العظيمة، ولأنني لا أرضى أن أخذل اللبنانيين أو أقبل بما يخالف تلك المبادئ، فإني أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة اللبنانية، مع يقيني بأن إرادة اللبنانيين أقوى، وعزيمتهم أصلب، وسيكونون قادرين برجالهم ونسائهم على التغلب على الوصاية عليهم من الداخل أو الخارج”.
لكن بعد فترة قصيرة عاد الشيخ سعد إلى لبنان من السعودية وقال للصحافيين بعد اجتماعه إلى الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري: “لقد عرضت اليوم استقالتي على فخامة الرئيس وقد تمنى علي التريث في تقديمها والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية فأبديت تجاوباً مع هذا التمني”… وبقيت الإستقالة معلّقة كي لا يقال أنّ الشيخ سعد رفض في لبنان ما أعلنه في السعودية.
وشدد الشيخ سعد على “وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب وعن الصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية”، داعياً إلى “حوار مسؤول… يعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب”.
وكان عون بعد انتخابه رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الأول عام 2016 كلّف الحريري بتأليف حكومته الثالثة والأخيرة التي قدم استقالتها في 29 تشرين الأول العام 2019 بعد مرور 13 يوماً على الإحتجاجات الشعبية على الضرائب الكارثية وبعد اعتداء مسلحين يعتقد بانتمائهم إلى محور الممانعة على لبنانيين معارضين للسياسة المالية.
عارض حزب الإحتلال الفارسي إستقالة الحريري معتبراً أنها ستؤدي إلى فراغ في هيكلية الحكم اللبناني.
واستقر الحريري في أبو ظبي بعدما أعلن تجميد عمله السياسي وتعليق مشاركة تيار المستقبل في الإنتخابات النيابية، وظل يتردد على بيروت في زيارات قصيرة لا يتخللها حشد جماهيري بمستوى ما حصل أثناء وخلال التمهيد لهذه الزيارة من تحضيرات وطباعة صور واستئجار حافلات لنقل المؤيدين إلى الضريح للمشاركة في مشهدية 14 شباط.
فهل زيارة الشيخ سعد الحالية إلى بيروت متفق عليها مع مروجين محليين لفتح الباب الموارب لعودته وتيارة إلى العمل السياسي إستعداداً للمشاركة في التحضير العام المقبل للإنتخابات النيابية المقررة في العام 2026؟
وهل سينتخب رئيس الجمهورية العتيد في غياب كتلة نيابية حريرية وازنة؟
محمد سلام – هنا لبنان