أسباب تفسر “تشبث” نتانياهو بمواقفه رغم الاحتجاجات الإسرائيلية
أثار مقتل ستة رهائن إسرائيليين في غزة مظاهرات عارمة في إسرائيل، حيث خرج أكثر من 200 ألف شخص للمطالبة بصفقة لتحرير الرهائن الباقين، بينما دعت أكبر نقابة عُمّالية في البلاد إلى إضراب عام.
لكن هذا الغليان لم يؤدِ إلى تغييرات ملموسة، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، حيث تم إلغاء الإضراب العام خلال ساعات، وتضاءل عدد المحتجين، فيما بدا رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، أكثر تمسكاً بموقفه بعدم التنازل عن السيطرة على ممر فيلادلفيا بين مصر وغزة، وهي نقطة نزاع رئيسية في المفاوضات الخاصة باتفاق وقف إطلاق النار.
فلماذا لم يتغير الكثير في المشهد الإسرائيلي بما يمكنه أن يؤثر على سير الحرب في غزة؟
يعقوب كاتس، زميل بارز في معهد سياسات الشعب اليهودي، قال للصحيفة إن الإسرائيليين “ممزقون.. من جهة، قلوبهم تنزف من أجل الرهائن، ومع ذلك، يعتقد العديد منهم أن حماس ستعود إلى الظهور من تحت الأنقاض إذا لم تتواجد القوات العسكرية الإسرائيلية في غزة”.
وأضاف “عندما لا نكون هناك، حتماً سيعودون ويقتلوننا مرة أخرى”.
توافق وجهات النظر
يُصرّ نتانياهو على ضرورة أن تحافظ إسرائيل على وجود أمني في ممر فيلادلفيا، الذي يمتد لمسافة 14 كلم على طول الحدود بين غزة ومصر.
وتقول إسرائيل إن هذا الممر قد استخدم لتهريب الأشخاص والأسلحة.
ويتماشى هذا الموقف مع وجهة نظر الكثير من الإسرائيليين اليهود، حيث وجد استطلاع للرأي أجراه مركز “Jewish People Policy Institute” بتاريخ 2 سبتمبر الحالي، أن 49 في المئة من الإسرائيليين اليهود يرون أن إسرائيل يجب ألا تتنازل عن السيطرة على الممر حتى لو كان ذلك على حساب صفقة تحرير الرهائن، بينما رأى 43 في المئة عكس ذلك.
في المقابل، كشفت حركة حماس عن مقاطع فيديو تظهر الرهائن الستة الذين قتلوا، قائلةً إنها كانت مشاهدهم الأخيرة.
وفي تلك الفيديوهات، دعت الحركة الرهائن إلى مواصلة الاحتجاج ضد نتانياهو للوصول إلى صفقة تُعيدهم إلى الوطن. من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن تحركات حماس هي جزء من حملة نفسية تهدف إلى دفعه للرضوخ لمطالبها، و”هذه الحجة تجد صدىً لدى العديد من الإسرائيليين” وفق التقرير.
وقال حفيف رتيغ غور، محلل سياسي كبير في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: “الإسرائيليون لا يرون بديلاً سوى تدمير حماس”. ومع ذلك، فإن نتانياهو “يظل غير محبوب بشكل واسع بينما يبدو أن موقفه السياسي آمن في الوقت الحالي”.
والكنيست الإسرائيلي منعقداً حالياً، والطريقة الوحيدة لإسقاط الحكومة، بخلاف قيام نتانياهو بحلها بنفسه، هي أن ينقلب أعضاء ائتلافه ضده، لكن ليس لديهم حافزا كبيرا للقيام بذلك، حسبما تشير ذات الصحيفة.
ويتفق معظم شركاء نتانياهو اليمينيين والمتطرفين في الائتلاف مع موقفه بشأن المفاوضات ولا يرون المتظاهرين في الشوارع كناخبيهم، “بل يعرفون أيضاً أن العديد من هؤلاء المتظاهرين كانوا نفس الأشخاص الذين خرجوا في الاحتجاجات ضد خطة حكومته لإصلاح القضاء في العام الماضي”، وفق “وول ستريت جورنال”.
وأصبحت مسألة تحرير الرهائن قضية سياسية، حيث أن أولئك الذين يدعمون الائتلاف يؤيدون نتانياهو بموقفه، بينما يعارضه الآخرون. في الصدد، قالت داليا شيندلين، خبيرة في الرأي العام الإسرائيلي للصحيفة: “نتانياهو وائتلافه على دراية تامة بهوية المتظاهرين”.
وأضافت “لا يهتمون إذا كانت الأغلبية. يرونهم على أنهم استمرار للاحتجاجات الديمقراطية، في عام 2023، ولا يعتبرونهم ناخبيهم”.
“معارضة غير متجانسة”
وبينما استطاع نتانياهو باستمرار الحفاظ على تماسك ائتلافه، فإن معارضته ليست متحدة.
وهناك زعيمان متنافسان للمعارضة هما يائير لابيد، من حزب “يش عتيد” الوسطي وبيني غانتس من حزب “الوحدة الوطنية” (هئيحود هلئومي) الوسط-يمين. والمعارضة أكثر تنوعاً من الائتلاف، حيث تشمل أحزاباً يسارية ويمينية ووسطية وعربية.
وقال يوحانان بلسنر، رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي: “إنها معارضة غير متجانسة مقارنةً بالائتلاف المتجانس”.
وتُعد الاحتجاجات عرضاً للغضب واستثنائية في زمن الحرب، لكن منذ يوم الأحد، شهدت البلاد احتجاجات أصغر لآلاف الأشخاص في عدة مواقع. وهناك احتجاج آخر مخطط له يوم السبت قد يشهد مشاركة كبيرة، لكن أعداد الناس في الشوارع لا تزال أقل من تلك التي شهدتها المظاهرات ضد خطة الحكومة لإصلاح القضاء العام الماضي.
ويعتقد معظم المحللين أن الأعداد تحتاج إلى أن تكون أكبر بكثير لخلق ضغط قد يدفع الائتلاف إلى الانقلاب على نفسه.
ونقلت رويترز عن مسؤولين أميركيين ومصدرين أمنيين مصريين ومسؤول مطلع قولهم إن البيت الأبيض يسعى جاهدا لتقديم مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة وتحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس في الأيام المقبلة.
ويهدف المقترح الجديد بحسب مصادر رويترز إلى حل نقاط الخلاف الرئيسية التي أدت إلى الجمود المستمر منذ أشهر في المحادثات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة وقطر ومصر سعيا إلى التوصل إلى هدنة في الصراع بين إسرائيل وحماس.
ويسود جمود في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس والتي تهدف لوقف إطلاق النار في غزة.
من جانبها، قالت حماس في بيان، الخميس، إنه لا توجد حاجة إلى مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار وإن المطلوب الآن هو الضغط على إسرائيل لقبول المقترح الأميركي الذي وافقت عليه الحركة بالفعل.
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الصحة التابعة للحركة، الخميس، أن حصيلة الحرب في غزة، بلغت 40878 قتيلا على الأقل.
وتتبادل إسرائيل وحماس الاتهامات بعرقلة التوصل لاتفاق هدنة بعد مرور أحد عشر شهرا على بدء الحرب إثر هجوم غير مسبوق للحركة على الدولة العبرية.
ومن بين 251 شخصا احتجزوا رهائن خلال هجوم حماس، لا يزال 97 منهم في غزة، من بينهم 33 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم ماتوا.