عبد الهادي محفوظ :في العلاقة بين الحرب على غزة وانتخابات الرئاسة الأميركية
ثمة تلازم ما بين حسابات الرئاسة الأميركية وحسابات الحرب الاسرائيلية على غزة. وطبيعة ومضمون مخرج الحرب هو الذي سيحدد بنسبة كبيرة من يكون الرئيس الأميركي القادم: جو بايدن أو دونالد ترامب أو بديل عن الاثنين من الحزب الديموقراطي.
فمع بداية الحرب الاسرائيلية على غزة لم يكن هناك تباين بين موقف بايدن وترامب من الحرب الاسرائيلية على غزة. الاثنان إنحازا بشكل كامل إلى جانب اسرائيل وإلى تبني سرديتها لعملية ’’طوفان الأقصى‘‘. حتى أن الرئيس بايدن قام بزيارة لاسرائيل وسبقه إلى ذلك وزير خارجيته انتوني بلينكن الذي أعلن أنه يزور اسرائيل بصفته اليهودية لا بصفته الأميركية.
أسهمت سياسات الإبادة الإسرائيلية في غزة ومعها التهجير القسري وفتل الأطفال وتدمير المدارس والمستشفيات في إحداث تحوّل في الرأي العام الدولي. وهو تحوّل ضغط باتجاه وقف الحرب وإدانة اسرائيل وموجات من التظاهرات في العواصم الغربية. وهي تظاهرات أحدثت خللا في العلاقة بين الأنظمة الغربية وشعوبها التي انحازت بقوة إلى ضرورة تطبيق القانون الدولي الإنساني الذي تخالفه الممارسات الاسرائيلية وخصوصا طموحات اليمين الديني الاسرائيلي إلى تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن واستكمال التوسع في الاستيطان في غزة والضفة الغربية.
الرؤية الاسرائيلية لموقع اسرائيل المهيمن في المنطقة التي تكشفت مع الحرب الاسرائيلية على غزة لا تلتقي مع الحسابات العميقة للولايات المتحدة الأميركية. فواشنطن تريد أن تضمن وجود اسرائيل على قاعدة رؤيتها هي كفاعل رئيسي لا كفاعل عند اسرائيل. أما السبب في طرح فكرة الدولتين وفي سلطة فلسطينية متجددة في غزة والضفة الغربية خصوصا فهو أن الإدارة الأميركية أيقنت أن اسرائيل لن تستطيع تدمير حماس وأن السياسات الاسرائيلية أدت إلى زيادة نفوذها لدى الشعب الفلسطيني وفي الضفة الغربية.
واقع الحال بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن يدرك بأن الإنحياز الأميركي لاسرائيل وسياسات التدمير الإسرائيلية أدت إلى انحسار تأييده في أوساط الشباب في الحزب الديموقراطي ولدى النخب الأميركية وعند الأفارقة والمسلمين الأميركيين. وهذا ما يعطي حظوظا كبيرة لخصمه دونالد ترامب. من هنا أصبحت مصلحته الفعلية هي في وقف الحرب الاسرائيلية على غزة وفي لجم اندفاعة نتنياهو العسكرية ومعه اليمين الديني. وهو أي بايدن يعتمد على الدعم السعودي وعلى الخلافات المستجدة بين نتنياهو ومصر وقطر والأردن. كما على الضغوط التي يمارسها أهالي الأسرى اليهود وعلى الخلافات داخل الحكومة الاسرائيلية. أما الجديد في الأمر أميركيا فهو دخول السي أي إي على مسرح الوساطات بشخص رئيسها ويليام بيرنز بعد أن تبينت سياسات الإرباك لوزير الخارجية أنتوني بلينكن غير المنتجة والتي قد لا تأخذ في الاعتبار الفعلي لمستقبل الرئاسة الأميركية. وفي هذا السياق ليس من قبيل المصادفة التقاطع بين زيارة رئيس المخابرات الأميركية إلى المنطقة وبين ما جرى من مساجلات في محكمة لاهاي.
إذا نجح رئيس المخابرات الأميركية ويليام بيرنز في وساطته وفي إرساء فكرة الدولتين فإنه يعطي للرئيس الأميركي جو بايدن دفعا رئاسيا في معركته الصعبة مع دونالد ترامب. ومع ذلك فإن الأمر لا يحول إذا أدرك الحزب الديموقراطي أن حظوظ جو بايدن صعبة من التفكير ببديل خصوصا وأن الرئيس السابق أوباما لم يستبعد أن يربح ترامب المعركة الرئاسية. وهذا يعني أنه من الممكن الإستعانة بمرشح ديموقراطي جديد تمليه ضرورة الإحتفاظ بالرئاسة. والمطروح حاليا في الكواليس الديموقراطية اسمين. امرأة هي ميشال أوباما ورجل هو حاكم كاليفورنيا الشاب غافن نيوسوم الذي يحظى بشعبية واسعة.
أين الوضع اللبناني من كل ذلك؟
توسيع الحرب باتجاه لبنان أمر لا ترغب فيه الإدارة الأميركية. من هنا الإتصالات في الكواليس مستمرة بين واشنطن وطهران كون الحرب على لبنان هي المدخل الفعلي لحرب اقليمية واسعة تؤدي إلى توريط الولايات المتحدة في أمر تتحكم فيه هي الآن ولا يترك انعكاسات سلبية على الانتخابات الرئاسية الأميركية يكون الرابح فيها الرئيس السابق دونالد ترامب والخاسر فيها الحزب الديموقراطي. وربح ترامب هو خسارة في الوقت نفسه لايران. ولذا رصد التقاطع الأميركي – الايراني هو الذي يحول دون هزات كبيرة في لبنان والمنطقة. والحقيقة أن الإدارة الأميركية تشدّد فيها على ترتيب طاولة التفاوض لما بعد الحرب على غزة مع المملكة العربية السعودية واسرائيل وإضافة طهران لها عندما يحين وقت الجلوس إليها.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.
Previous Articleانفجارات تهز السيدة زينب بدمشق وتدمير مواقع للحزب