أمورٌ محسومة.. هل سيُعلن “حزب الله” الحرب الشاملة؟
أمورٌ محسومة.. هل سيُعلن “حزب الله” الحرب الشاملة؟
بمعزلٍ عن الضُّغوط الدُّولية القائمة لإخماد التوتر عند جبهة جنوب لبنان، تأتي معطيات أساسية لتشرحَ سبب عدم إنجرار “حزب الله” إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل رغم الأحداث المتصاعدة ميدانياً وآخرها إغتيال الجيش الإسرائيلي، أمس الإثنين، القيادي في الحزب وسام الطويل بغارة جوية في بلدة خربة سلم.
ثمّة من يقولُ هنا إن الحزب قد يُوسع حدود الإشتباك طالما أن إسرائيل باتت تتخطى “الخطوط الحمراء”، بدءاً من ضرب الضاحية الجنوبية لإغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري وصولاً إلى تعميق القصف ضمن جنوب لبنان واستهداف المدنيين وأيضاً إغتيال “قادة ميدانيين”.
في الواقع، ما يمكن تثبيتهُ هو أن كل ما يحصل حالياً هو “واردٌ” في قاموس الحزب، فمسألة الإغتيالات لم تسقط بتاتاً من حساباتهِ، كما أنّ استهداف القادة الميدانيين لم يكن مُستبعداً أبداً باعتبار أن المعركة قائمة ومفتوحة وستشهدُ على مثل هذه السيناريوهات.
أمام كل ذلك.. يبقى السؤال الأساسي.. ما هي المعطيات الميدانية التي تجعلُ الحزب متمسكاً بعدم المبادرة لشنّ حرب؟ ما هي أوراق قوّته؟ وما هي الثغرة التي يُعاني منها؟
صحيحٌ أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أكد مراراً أن جبهة لبنان تلعبُ دور “المُساند” لغزة، لكن ما يتبين هو أن ما يجري مع إسرائيل عند الحدود الجنوبية تحوّل إلى عنوانٍ وحيد مُنفصل تماماً عما يجري في الداخل الفلسطينيّ. اليوم، بات الفصلُ كبيراً بين الجبهتين، فالمعالجة الدولية باتت بشكلٍ أو بآخر تتعلق بشمال إسرائيل بمعزلٍ عن جنوبها، كما أنّ السعي الدولي لإخماد نيران المواجهة بين الحزب والجيش الإسرائيلي لم يجرِ ربطها حتى الآن بمسألة إنهاء حرب غزة.
إزاء هذه المشهدية، بات من الممكن أن يستفيد “حزب الله” من هذا الفصل بين الجبهتين، وهو أمرٌ فرضتهُ الدول وليس هو. الأهم من هذا كله هو أنَّ “حزب الله” ومن خلال حرب الجنوب، استطاع أن يُحصّل أوراق قوة كثيرة من شأنها تجنيبه الحرب الشاملة باعتبار أنهُ حقق مُراده في بعض النواحي الميدانية والعسكرية.
الورقة الأبرز التي تمكن الحزبُ من اكتسابها هي تهجير سكان شمال إسرائيل. المسألة هذه ليست سهلة، فالحزبُ كان يسعى لتحقيق هذا الهدف عبر حربٍ موسعة، لكن الأمر حصل من دون ذلك. وعليه، لم يعد لزاماً على “حزب الله” الإنتقال إلى مستوى مرتفع من التصعيد أكثر من القائم طالما أن هدفه المثاليّ المرتبط بـ”تهجير سكان شمال إسرائيل” قد فرض نفسه أمراً واقعاً في الميدان.
الورقة الثانية الأكثر أهميّة هي أنّ الحزب ما زال يتحرّك بحرية ميدانياً ضد أي موقع إسرائيلي، وذلك على الرغم من الخسائر التي تطالهُ ميدانياً، إما عبر استهداف قادته ومقاتليه أو من خلال الضربة التي تلقاها في الضاحية الجنوبية. هنا، ما يتبين هو أنّ الحزب ما زال مُمسكاً بزمام المبادرة ميدانياً، حتى أن التقارير الإسرائيلية نقلت اعترافاتٍ علنية تفيد بأن الجيش الإسرائيلي ما زال في مرحلة “الدفاع”، أي أن الهجمات التي يتلقاها من الحزب ما زالتَ كفيلة بالسيطرة على الميدان.
الورقة الثالثة ترتبطُ باستطاعة “حزب الله” تصعيد العمليات ضمن القواعد التي يراها مناسبة، إذ بات يرى أنّ الإسرائيليين ورغم الخسائر التي تلقوها، لم يلجأوا إلى فتح الحرب الشاملة. الدليل على ذلك ما حصل يوم السبت الماضي حينما قصف الحزبُ قاعدة ميرون الجوية. الإسرائيليون اعتبروا حينها أن “حزب الله” استهدف “عين الدولة”، فيما وصف آخرون الأمر بـ”تجاوزٍ للخطوط الحمراء”. إلا أنه ورغم كل ذلك، تبين أن إسرائيل أبقت ردودها محدودة ولم تجرؤ على توسيع أهدافها، رغم أنها عمّقت حدود القصف جغرافياً وضربت عمق الجنوب وتحديداً في كوثرية السياد.
المسألة هذه كفيلة بمنح “حزب الله” نفساً أطول في المواجهة، وحالياً فإن المبدأ القائم والمسيطر على الجبهة هو “ضربة مقابل ضربة”، علماً أن هذه القاعدة بدأت منذ اليوم الأوّل للمواجهات عند الحدود يوم 8 تشرين الأول الماضي.
“ثغرة كبرى”
في مقابل كل ذلك، تبرزُ ثغرة أساسية لا يمكن التغاضي عنها وترتبطُ بالتعمق الإستخباراتيّ لإسرائيل داخل لبنان. فإسرائيل تسعى لسياسة الاغتيالات وملاحقة مسؤولي “حزب الله” إستخباراتياً لاستهدافهم، بينما الأخير يبادر إلى خرق إسرائيل معلوماتياً من خلال رصد تحركات جنودها في الداخل الإسرائيلي عند الحدود مع لبنان، تحديد أماكنهم عبر عمليات استطلاع، دراسة المواقع وإحداثياتها بإطار قد يكون تقليدياً، إختيار النقاط الأكثر تأثيراً ضمن المراكز العسكرية لقصفها.
ما يظهر هنا هو أنّ الجانب الإستخباراتي لـ”حزب الله” يرتبطُ بمعطيات ميدانية قد تكون معروفة وظاهرة. فعلى سبيل المثال، قاعدة “ميرون” التي قصفها “حزب الله” تم ذكر تفاصيل ومعلومات عنها بطريقةٍ أظهرت حصول إستقصاء إستخباراتي من قبل “حزب الله” بشأنها. الأمرُ هذا مهم جداً ويؤكد أن الأخير متعمق في دراسة الميدان الإسرائيلي وقدراته العسكرية، لكن تل أبيب تلعب دوراً خبيثاً يرتبطُ بـ”تعقبات”، و”خروقات” واستهدافات غير معهودة مباشرة عبر الملاحقة الجوية بالمسيرات. عملياً، فإن ما تقومُ به إسرائيل يُعتبر خطيراً جداً، وما يظهر هو أن ردودها على الإستهدافات الكبرى التي ينفذها “حزب الله” باتت ترتبطُ بإغتيالات أو إستهدافات كبرى من العيار الثقيل.. أما “حزب الله”، وإن أراد الرد، فسيلجأ إلى الميدان وإلى مواقع مُوجعة، ولكن، هل سيساهم ذلك في رد إسرائيل عن اعتداءاتها؟
ما يظهر هو أن ما يحصل هو العكس، فنوعية الإستهدافات الإسرائيلية باتت أكثر دقة بشكلٍ خطير، فهي مرتبطة بالاغتيالات أكثر من قصفٍ عشوائي. في خلاصة القول، يتبين أن الحرب باتت تشهدُ على منحى جديدٍ من المواجهة، والسؤال الأهم: في حال انتهاء الحرب.. كيف ستتبدل الحرب الإستخباراتية؟ كيف ستستمر لدى “حزب الله”؟ ماذا ستفعل إسرائيل.. وهل ستواصل مخطط الإغتيالات رغم أي تسوية؟ الأمور هذه مطروحة على طاولة البحث..