سنة 2023 وأجمل يوم في حياة وليد جنبلاط
أتعبته السياسة “عالطريقة اللبنانية”، وبعد تأجيل لأكثر من مرّة، حسم أمره وقرّر أن ينكفئ، معلناً خبر استقالته من رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي في 24 أيار، ليصبح رئيسه السابق في 25 حزيران، بعد انتخاب نجله تيمور خلفاً له في مؤتمر حزبي عام في عين زحلتا الشوفية.
“المستقبل لتيمور”، قالها وليد جنبلاط في أكثر من مناسبة هذا العام، تاركاً له حرية التصرّف والموقف في الملف الرئاسي، وإن كان حافظ على دور “المايسترو” في كليمنصو. لم يمنع فيتو تيمور على ترشيح سليمان فرنجية، وإن كان أكثر حساسية على الفتور الذي ساد العلاقة أحياناً على خط “صديق العمر” في عين التينة.
ابتعاده عن اليوميات السياسية لم تمنعه من تمرير “الرسائل الملغومة” على عادته، كأن يستحين فرصة استقباله للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في المختارة، في 8 أيلول تكريساً لمصالحة الجبل، ويطلق موقفاً نارياً يقول فيه “ليس هناك أغبى أو أسخف، لكن أخطر ممن ينادون بالفراغ، ولا يسهّلون موضوع الانتخابات الرئاسية”.
طبعاً الرسالة وصلت، وليس الحلفاء بمنأى عن طلقاته السياسية أيضاً. فجنبلاط الذي سار مع فريق المعارضة بترشيح كل من النائب ميشال معوّض والوزير السابق جهاد أزعور الى رئاسة الجمهورية، لم يتردّد بالقول بأن “علينا الجلوس مع السيد حسن للاتفاق على رئيس”.
راقب عودة العرب إلى دمشق بهدوء. ولكن رغم استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية كما لعلاقتها مع غالبية العواصم العربية، بقي على موقفه الداعم للثورة السورية، مطلقاً أكثر من نداء تأييدي لحراك السويداء الذي بدأ بشعارات مطلبية ما لبثت ان تحوّلت سياسية.
ظن جنبلاط أن بإمكانه الاستقالة من السياسة، حتى صباح 7 أكتوبر، يوم استفاق العالم على الزلزال الفلسطيني الكبير في “طوفان الأقصى”. ووسط الذهول على وقع المشاهد القادمة من مستوطنات غلاف غزة والعملية النوعية التي نفّذتها حركة حماس”، كان أول المؤيدين للعملية من خلال منشور على صفحته الرسمية دعماً لحماس، ورفضاً لوصفها بالإرهاب إنما بالمقاومة.
رفض أن يحذف التغريدة كما طُلب منه، لا بل قاد حملة رأي عام عريضة رفضاً لتشويه صورة الشعب الفلسطيني في وجه الدعاية الغربية في الأسابيع الأولى. فكان معجباً بطريقة باسم يوسف في المواجهة، والسفير الفلسطيني في لندن حسام زملط. ليتحوّل حسابه عبر “أكس” إلى منبر لحظة بلحظة لمخاطبة المجتمع الدولي متحسّراً على أوروبا المناصرة التاريخية لحقوق الانسان، ومخاطباً المسؤولين الأميركيين بالحقائق والبراهين، كما حصل حين بثّت إحدى المحطات الأجنبية مقاطع فيديو لقطع رؤوس أطفال في غزة، ليتبيّن لاحقاً أنها غير صحيحة.
من حيث لا يدري عاد جنبلاط الى الواجهة. إطلالات شبه يومية عبر المحطات المحلية والعربية والأجنبية، لقاءات واتصالات، ومناشدات حرص على توجيهها إلى حزب الله كي لا يُستدرج الى الحرب المفتوحة، التي حذّر منها وإن لم تقع في العام 2023 إلا أن احتمال وقوعها في أي لحظة أصبح اليوم أكبر بكثير.
كاد جنبلاط أن يطوي الصخب السياسي ويروي تفاصيل 46 عاماً من عمره في جلسات هادئة، في بيروت أو المختارة ربما، مع الكاتب والصحافي والباحث الفرنسي سيباستيان دو كورتوا، إلا أن بعض الفصول لا يمكن التنبؤ بخاتمتها، تماماً كما حصل في 7 أكتوبر، هذا النهار الذي يصفه جنبلاط في مجالسه بأنه “أجمل يوم بحياتي”.