مطر ممثلا عبد الساتر ترأس قداس وجناز أرملة غسان تويني: أعطاها الرب مسؤوليات كبيرة وحملها وزنات عديدة وتقبلت كل ما أنعم عليها

أقيم قداس وجناز، وبدعوة من آل الخازن وتويني والنيني لراحة نفس المرحومة شاديا نمر الخازن أرملة الوزير السابق غسان تويني في الذكرى السنوية الأولى لوفاتها، وذلك في كاتدرائية مار جرجس للموارنة، ترأسه المطران بولس مطر ممثلا رئيس اساقفة بيروت للموارنة بولس عبد الساتر، في حضور الوزير السابق وديع الخازن، النائب مروان حمادة، الوزراء والنواب السابقين طارق متري، ناصيف حتي ومروان ابو فاضل، رئيس المجلس العام الماروني المهندس ميشال متى على رأس وفد من الهيئة التنفيدية، رئيس تجمع “موارنة من اجل لبنان” المحامي بول كنعان، رئيس التحرير في جريدة “اللواء” صلاح سلام، مستشار الرئيس سعد الحريري الدكتور داوود الصايغ، مدير مكتب إعلام القصر الجمهوري رفيق شلالا، وشخصيات سياسية ودبلوماسية، واقتصادية واجتماعية وأفراد العائلة.

مطر
وألقى المطران مطر كلمة قال فيها: “نجتمع اليوم لإقامة الصلاة عن روح الفقيدة الغالية الشيخة الجليلة شاديا نمر الخازن، في مناسبة مرور عام على رحيلها إلى بيت الآب. وإني، من هذه الكنيسة الكاتدرائية في العاصمة، أتوجه بالشكر من أخي صاحب السيادة، المطران بولس عبد الساتر، رئيس أساقفة بيروت السامي الاحترام، إذ كلفني الاحتفال بالذبيحة الإلهية التي سأرفعها من أجلها ونيابة عنه، سائلا الله عز وجل أن يبارك رسالته الأسقفية ومساعيه الخيرية كافة في خدمة الأبرشية التي أوكل اليه أمر رعايتها. أما شهادتي بهذه المؤمنة الفاضلة والمرأة المميزة والزوجة المثالية واللبنانية المناضلة في سبيل الوطن ورفعته، فإنها تعود إلى لقاءات كنا نشارك في عقدها لاستعراض العلاقات بين الشرق والغرب وحوار الحضارات المتوسطية وسواها والتصورات الإيجابية لحلول السلام، وذلك في إطار نشاط جمعية سانت إجيديو الايطالية التي ذاع صيتها في أوروبا والعالم والتي تحظى ببركة الكرسي الرسولي وتشجيعه لأعمالها. ولقد كانت في مجمل هذه اللقاءات يدا بيد مع زوجها، ذلك اللبناني الكبير وهو أحد حراس الحرية في هذا الوطن المهدد بفقدانها، فيما لبنان هو الكنز العالمي القيمة بفضل رسالته الحضارية، لو كان مجمل أهله حقا يعلمون، إنه الأستاذ غسان التويني رجل الفكر والأدب والصحافة الهادفة إلى بناء عالم يتواصل فيه الناس مع الناس، من أجل معرفة أكبر للحق ولذواتهم، ويتعاونون على إزالة الحواجز التي تحول دون تطلعاتهم المشروعة لا إلى الحياة وحسب بل أيضا إلى فرح الحياة”.

أضاف: “وما كان يلفتني في مداخلات السيدة شاديا ضمن هذه المؤتمرات هي مواقفها الإيجابية على الدوام، والتي تدل على إيمان عميق في النفس عندها بأن الرب إذا قبلناه معنا وعلى رأسنا سيعيننا على تقدم الإنسانية نحو الأفضل، لأنه هو الحاضر والقادر دوما في عملية إنقاذ الانسان وليس عنده أمر مستحيل. وما من شك في أن هذا الإيمان الذي كان يعمر في قلب شاديا قد تسلمته صافيا عن آبائها وأجدادها وهي صارت بفضله ما بلغت إليه فتصالحت مع الله ومع الذات ومع الناس الذين حسبتهم إخوة لها وأخوات بالمسيح الذي قال في إنجيله الطاهر: إذا ما ارتفعت عن الأرض جذبت إلي كل أحد. فاللطف الذي عرفت به كان ثمرة هذا الإيمان الذي انغرس في قلبها وأعطى في حلوله فيها وفعله أطيب الثمار. ولا عجب في ذلك لأن العائلة التي ترعرعت في كنفها تتميز هي وبالأولى بهذا اللطف وبهذه الرفعة الأخلاقية التي تولد التواضع. وإذا ما سميت أحدا من هذه الدوحة الكريمة فإني أسمي بكل محبة معالي الشيخ وديع الخازن الذي يجمع في كل لبنان ولا يفرق، برصف حجارته ولا يهدم على الإطلاق”.

وتابع: “وقد أعطاها الرب مسؤوليات كبيرة وحملها وزنات عديدة فتقبلت في حياتها كل ما أنعم به الله عليها، سواء أكان في زمن اليسر أم في زمن الشدة والامتحان. فهي ارتبطت أولا برجل كريم هو الدكتور نقولا النيني المعروف في محيطه الطرابلسي كطبيب ماهر وكصاحب مستشفى خدم ويخدم الناس بكل محبة وكفاءة وقد رزقا معا ثلاثة شبان ساعداهم على شق طريق لكل منهم في الحياة ووفقهم الله في كل تطلعاتهم وهم ردوا إليه تعالى كل نجاحاتهم. إلى أن خطف الموت زوجها العزيز في حادث اليم فعرفت الترمل وكانت للعائلة التي تركها لها زوجها خير سند لتخطي الصعاب وللعودة بها إلى عطاء الحياة من جديد.
وقد شاءت العناية الإلهية بعد هذه الحادث الأليم بأكثر من عشر سنوات، أن تلتقي المرحومة شاديا بالأستاذ غسان التويني الذي نحبه جميعا والذي خدم وطنه ومنطقته بالكثير قولا وفعلا. وهكذا أعطى الله ابنه غسان شخصا يعينه على تخطي مصائب الدهر والدهر شديد المراس في تعامله مع الكبار وكذلك مع الصغار في كل الأرض. كما أعطى السيدة شاديا أن تجد في غسان الشخص الذي تتوكل عليه من أجل عطاء أفضل يقدمانه معا للبنان وللمجتمع الوطني الذي فقد في هذه الحرب التي دامت إلى الآن ما يقارب الخمسين عاما الكثير من المقدرة على إعادة البناء في البشر وفي الحجر. فكونا معا مساحة لقاء في بيتهما وفي الجريدة التي ينتظرها الناس في كل المحيط وكلما أشرقت شمس وطلع صباح. وقد أفاد من هذه المساحة الكثيرون ونحن شخصيا من عدادهم لشحذ الهمم وتصور الخطط لقيامة لبنان من جديد ثابتا على الجوهر في هويته ورسالته ومستعدا لتغيير ما يجب أن يتغير فيه لأن الحياة أيضا فصول وظروف تطغي في كل مسيرة طالعة لهذا أو ذاك من الشعوب”.

وأردف مطر: “وكم طابت خاطرا بهذا الرجل الذي ملأ فكرها تصورات وأحلاما مستجدة، كان عليها أن تصقل فيها ما استطاعت من أجل بروز النعمة عبرها ولو في عاديات الأيام.
كل ذلك كان إلى أن دقت ساعة الفراق الأقسى على غسان بفقده ولده الأخير جبران وسط الظروف اللا إنسانية التي أحاطت بجريمة حصدته مجانا ودون سابق انذار. وكيف ننسى هذا العملاق الروحي والوطني عندما أخذ الكلام في الكنيسة يوم الجنازة، ليقول أنه ناضل طوال حياته نضالا مرا ومستمرا. لكنه وأمام هذه المأساة يضع حدا لمعاركه كلها. فقرر أمام جميع المصلين في الكنيسة أن يدفن فأس الحرب في التراب، ليدخل وهو بعد على الأرض إلى حالة السلام الإلهي الذي لن تعرفه الدنيا كاملا إلا في اكتمال الملكوت. وهكذا دخل غسان إلى قلب الله تاركا وراءه كل حقد وضغينة وكل شهوة بالانتقام، وحسبه بذلك أنه اختار الحظ الأحسن له على الإطلاق”.

وقال: “اما المرحومة شاديا فلم تتعجب من هذا الموقف لغسان أبدا. بل ربما كانت هي وراء الإلهام به سواء بكلامها المباشر فيه أم في الصلاة من أجل أن يسير زوجها في هذا الطريق مختصرا كل ألام الدرب ليدخل وهو بعد في هذه الدنيا حياة الأطهار كما هي معروفة في السماء ولدى القديسين. وها نحن اليوم وعلى هذا الرجاء المحيي الذي بات صمام أمان لشعبنا المرهق حتى من الانتظار، نستودعك أيتها الأخت الفاضلة مراحم الرب ونعمة السكنى في منزله المقدس. وليبق ذكرك حيا في قلوب محبيك وعارفيك كما في قلوب الذين كنت أمامهم مثلا صالحا بالثقة المطلقة التي وضعتها برب السماء. فتصبحين لعارفيك جميعا خير حافز للسير في هدي هذا الخط البياني المنير إلى حيث المصالحة الكبرى بين عمل الأرض والاكتفاء بنعمة الله الموفورة والمتوافرة من الأرض إلى السماء.
وإذ نقدم تعازينا الحارة لجميع أقرباء المرحومة شاديا آل النيني وأل تويني وآل الخازن الأحباء ولجميع قادريها ومحبيها على السواء نسأل الله مجددا أن يتغمدها بوافر رحمته ويسكب عليكم جميعا بلسم العزاء”.

العويط
بعدها القى الدكتور عقل العويط كلمة قال فيها: “كيف لامرأة غابت منذ عام؛ إشراقة وجهها، يا للمفارقة، لا تغيب منذ عام. والحال هي هذه، ليس من المقدر أن تأفل الإشراقة، وأن تغيب، وإن بعد ألف عام وعام.
المرأة هذه، التي غادرت، في مثل هذه الأيام، زمنها الأرضي، ليست إشراقتها وقفا عليه؛ فلا هي به، ولا هي منه، بل من المسيح، الذي به ترى إلى العالم، وبه يرى العالم إليها. بهذا النور، تتواصل معنا الست شادية، ونحن به نتواصل معها.
فطوبى لها. طوبى لهذه المرأة، لأنها أعطيت إشراقة ملكوت السماوات، وأعطينا بها، نحن أهلها وأصحابها وعارفيها، أن نحظى بهذه الشراكة الخلاقة معها.
وهي، صنو المرأة الفاضلة، التي كلما أطبقت السماء على الأرض، من جراء استشراء الشر وفساده، نظرت بأفعالها الخيرة إلى صاحب السماء، تسأله أن يرفع العبء عن الأرض، ليكون ثمة قبس، ولو زهيد، من طمأنينة وخير وسلام.
والمرأة الفاضلة لا تنبس بوجع، ولا بآهة، ولا تتأفف، ولا تتعب من كبر، ولا ترزح تحت حمل، ولا تتباهى، ولا تتشاوف، ولا تزدري، ولا تتنكر لقريب أو لبعيد، ولا لأصل وأصالة، ولا تضجر من تفاؤل ابتسامة، ولا تيأس من مشقة، ولا تسد طريقا، ولا تشيد جدارا، ولا تعرف يمناها ماذا صنعت يسراها، ولا تترك لأحد، سوى المسيح، أن يقاسمها جلجلتها. فلها الولادة الثانية، والقيامة”.

أضاف: “والمرأة الفاضلة تؤمن، وتأمن، وتنصت، وتحفظ، وتتعلم، وتكتم، وتتحفظ، وتحب، وتفتر، وتتكرم، وترحب، وتفتح الباب والنافذة، وتروي الحديقة، وتستمطر شروق الدفق والبركة، وتسهر على المرضى، وتعزي الحزانى، وتبلسم اليتامى، وتمسح الدموع، وتستقبل، وتكسر الخبز والخمر، وتولم، وتخدم، وتحتضن، وتأخذ باليد، وتعيل من العثرة، وتصيخ السمع بأذن القلب والعقل للحكمة، للدراية، للتدبير، للرحمة، للرأفة، وتترفع عن الحقد، وتتعالى على اللؤم، وتعلو على الخبث، وترفع حبر الكتاب إلى مقامه، وتقرأ، وتفهم، وتتفهم، وتنشر، فيفوح عطرها في الأرجاء والديار المادية والمعنوية، فينهمر من جراء ذلك كله فرح يدق الأجراس، متشبها بأغمار المسرات الميلادية.
والمرأة الفاضلة، “امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ. بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى غنيمة. تصنع له خيرا لا شرا كل أيام حياتها. تطلب صوفا وكتانا وتشتغل بيدين راضيتين”.

وتابع: “هي كسفن التاجر. تجلب طعامها من بعيد. وتقوم إذ الليل بعد وتعطي أكلا لأهل بيتها وفريضة لفتياتها. تتأمل حقلا فتأخذه وبثمر يديها تغرس كرما. تنطق حقويها بالقوة وتشدد ذراعيها. تشعر أن تجارتها جيدة. سراجها لا ينطفئ في الليل. تمد يديها إلى المغزل. وتمسك كفاها بالفلكة. تبسط كفيها للفقير وتمد يديها للمسكين. لا تخشى على بيتها من الثلج. لأن كل أهل بيتها لابسون حللا. تعمل لنفسها موشيات. لبسها بوص وأرجوان. زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض. العز والبهاء في مجلسها وتضحك على الزمن الآتي. تفتح فمها بالحكمة وفي لسانها سنة المعروف. تراقب طرق أهل بيتها ولا تأكل خبز الكسل. يقوم أولادها ويطوبونها. وزوجها أيضا فيمدحها. أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها أعمالها في الأبواب. بنات كثيرات عملن فضلا. أما أنت ففقت عليهن جميعا” (سفر الأمثال 10:31)”.

وختم: “فلتحفظ إشراقة وجهك، أيتها المرأة الفاضلة، يا ست شادية، يا شقيقتي وأختي، هنا، وحيث أنت، ولينشر النور الفائح على رغم الغياب، تخليدا للذكر، حماية للمناعة الروحية، بوصلة للأمل، وأيقونة لمكسوري الخاطر في الوجود الراهن والحياة الآتية”.
سلام إلى روحك، يا ست شادية نمر الخازن النيني تويني

Share.
Exit mobile version