على الرغم من حجم المخاوف التي عبر عنها اكثر من مرجع ديبلوماسي واستخباري وأممي نتيجة وقف العمل بمسلسل الهدن الإنسانية وعودة العمليات العسكرية الى مناطق عدة من قطاع غزة، فإن سيلا من المواقف الاسرائيلية والفلسطينية عكست جوا مغايرا يمكن ان يؤدي الى تجاوز المخاوف التي ظهرت الى العلن. فالجانبان كانا على استعداد لاستئناف الأعمال الحربية – على الأقل في العلن فلكل منهما تعهدات بتلقين الطرف الثاني درسا لا يمكن ان ينساه – سواء في القطاع حيث تجددت الغارات الاسرائيلية التي استهدفت 400 هدف في اقل من يومين وحصدت ما يزيد على مئتي، كما بالنسبة الى اطلاق صيلات جديدة من الصواريخ الفلسطينية الصنع باتجاه غلاف غزة والمدن الجنوبية والشمالية من اسرائيل البعيدة منها، عدا عن المواجهات المباشرة في اكثر من منطقة في عمق المناطق التي توغل فيها الجيش الاسرائيلي.

على وقع هذه العمليات العسكرية عبرت مراجع ديبلوماسية واستخبارية عبر “المركزية” عن مخاوفها مما قد يؤدي الى زيادة  الإحتقان المحتمل على المستوى السياسي والديبلوماسي بعد العسكري. ومن اولى المؤشرات احتمال توقف المفاوضات التي تقودها الرباعية الاميركية – الاسرائيلية – المصرية والقطرية التي أدارت برامج “الهدن الانسانية” في القطاع  في الدوحة وقد انتقلت بعد الإطمئنان على امكان تنفيذ مجموعة من عمليات التبادل التي كان من المقرر ان تمتد حتى يوم غد الاثنين في الرابع من كانون الأول الجاري، لعلها تكون كافية لتحقيق بعض الخطوات السياسية التي تحاكي خطوات محتملة يمكن ان تؤدي الى الانتقال من هذه المرحلة الى ما تم التوافق على تسميته بـ “اليوم الأول” لما بعد وقف النار.

كان واضحا ان مفاوضات الأيام الاخيرة قد بدأت تطاول في توقيتها وشكلها ومضمونها بما يضمن الحد الادنى من احتمال وقف العملية العسكرية والانتقال الى مرحلة بناء السلام الدائم في المنطقة ومقتضياته على مستوى مستقبل ما تم احياؤه حيال “القضية الفلسطينية” وعلاقاتها مع الدولة اليهودية سواء تم التفاهم على احياء “مشروع الدولتين” أو اي “صيغة أخرى” يمكن التوصل إليها بعد مرحلة انتقالية تبنى خلالها مقوماتها الأمنية والجغرافية والإدارية التي تفتح الطريق إلى اعادة بناء السلطة او الدولة الفلسطينية التي ستقوم في المنطقة سواء تم التفاهم على اعادة ربطها بالضفة الغربية كمكون “دولتي واحد” أو من دون ذلك.

والى مجموعة المخاوف التي دفعت إليها العمليات العسكرية، فإن ما زاد في الطين بلة تطور الأمور سلبا باتجاه وقف المفاوضات المؤدية الى  الحل السياسي، عندما  أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عصر امس “استدعاء فريق الموساد من قطر بسبب الجمود في المفاوضات بشأن غزة”. وهو قرار بني على خلفية اتهام حماس بعدم الإيفاء بالتزامها بإطلاق سراح جميع الأطفال والنساء الرهائن المدرجين على القائمة التي وافقت عليها رافضا ان تقف الإنجازات عند “استعادة 84 من النساء والأطفال الإسرائيليين و24 أجنبيا من غزة”.

وزاد منسوب القلق لدى المراجع الديبلوماسية والاستخبارية على مساعي التهدئة إن “حماس” التي عبرت عن استعدادها لتجهيز دفعة جديدة من الاسرى والرهائن لديها قبيل انهيار الهدنة صباح أول أمس الجمعة، قدمت صورة مغايرة في وقت قياسي تلاقت فيه والجانب الإسرائيلي على تبرير العودة الى لغة العنف والتدمير وهو ما ترجمه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري الذي اعلن امس ان “لا مفاوضات الآن بشأن التهدئة” و”لا تبادل اسرى حتى انتهاء العدوان ووقف إطلاق نار شامل ونهائي”. وزاد في رده على الإتهامات الاسرائيلية بالتأكيد انه “لم يعد لدينا  نساء وأطفال، وقد سلمنا ما لدينا منهم”. وان “ما بقي لديهم من الأسرى في غزة هم جنود ورجال مدنيون خدموا في جيش الاحتلال”. وانتهى  الى تقديم عرض جديد بـ “إننا مستعدون لتبادل جثث مقابل جثامين شهداء ولكننا بحاجة لوقت لاستخراج جثث الإسرائيليين”.

عند هذه الإشارات السلبية المتبادلة التي عززت التوجه الى العروض العسكرية من جديد، توجهت الرهانات على ما يمكن ان تقوم به الإدارة الأميركية من خطوات تنسقها مع الجانبين القطري والمصري من اجل احياء المفاوضات السياسية والديبلوماسية مع الاعتراف المسبق بفقدان المشروع الذي يمكن ان يعيد الجانب الاسرائيلي الى طاولة المفاوضات. والأخطر ان تتطور الخلافات بين  الجانبين الاميركي والاسرائيلي التي ظهرت بوادرها في اكثر من مناسبة وتحديدا بين وزير الخارجية أنتوني بلينكن في أعقاب اجتماع “حكومة الحرب” في حضوره وقبل ساعات قليلة من سقوط الهدنة الاخيرة ووزير الامن الإسرائيلي يوآف غالانت الذي قال  وبلينكن الى جانبه “أنّ العمليات العسكرية ستُستأنف بعد سقوط الهدنة وانّ حرباً سنخوضها لأشهر عدة”، فقاطعه بلينكن ليقول: “من قال إنّ أمامكم مهلة اشهر”، نظر الوزير غالانت الى ضيفه من دون اي إشارة إيجابية واكمل حديثه عن الاستعدادات المقبلة وكأنّه لم يسمع الملاحظة.

وختاما لا بد من الإشارة الى ان ما يعيق اي مشروع لتجديد الهدن الإنسانية او التوصل الى وقف النار مجموعة من السيناريوهات المتناقضة على مستوى اهل الحكم في اسرائيل كما بين السلطة الفلسطينية وحماس وحلفائها وسط العجز الدولي عن التوصل الى مشروع يلبي الحد الأدنى من مطالب المتحاربين، وهو ما يوحي بأن جنرالات الحرب سيبقون في المقدمة في المرحلة المقبلة الى ان تنقلب الصورة ليتقدم رجال الديبلوماسية والقانون الدولي وهي عملية قد تطول الى مدى لا يمكن تقديره من اليوم.

 

Share.

Comments are closed.

Exit mobile version