بدت لافتة استضافة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب تيمور جنبلاط في البترون، فما هي دلالات تلك الزيارة الكاسرة للحواجز؟
إذا كان تيمور جنبلاط قد ورث قيادة الحزب والمختارة، الّا انّ بعض الذين يلتقون به يشعرون انّ لديه حرصاً على ألاّ يرث رواسب الحرب الاهلية وما تختزنه من تعصّب طائفي وسياسي، لا يزال ساري المفعول في مرحلة «الحرب الباردة».
وبهذا المعنى، يحاول الرجل ان يصنع تجربته الخاصة وان يكسر القوالب الجامدة في السياسة، مستنداً الى نزعة علمانية في داخله، تحاول التعايش بأقل الخسائر الممكنة مع دوره الإلزامي في حماية مصالح الدروز وحقوقهم في النظام اللبناني الطائفي، علماً انّ جمع هذين البعدين في توليفة واحدة ليس سهلاً، خصوصاً انّ قواعد اللعبة في لبنان غالباً ما تدفع قي اتجاه إعطاء الأرجحية الساحقة للحسابات الطائفية والمذهبية على ما عداها، وبالتالي لا بدّ الانتظار قليلاً لاختبار قدرة جنبلاط الإبن على صنع نموذج مختلف اكثر توازناً، والثبات عليه.
وانطلاقاً من ميله الى الاّ يكون أسير الأحكام المسبقة والاصطفافات المعلّبة، قرّر تيمور ان يختصر المسافة الفاصلة بين المختارة والبترون، حيث التقى باسيل الذي استضافه في منزله الى «طاولة حوار» غنية تخلّلها خبز وملح.
ووفق المطلعين، تعكس هذه الزيارة توجّهاً عند تيمور بتعزيز الانفتاح على مختلف المكونات المسيحية، وعدم حصر العلاقة بـ»القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» فقط، خصوصاً انّ للتيار حضوره في الجبل والدولة، ولا بدّ من تنظيم التعايش معه، علماً انّ البيئة الدرزية لـ«الاشتراكي» قد لا تكون متحمسة لهذا الانفتاح بسبب الحساسيات والهواجس المتراكمة.
وتفيد المعلومات، انّه كان من المفترض أن يتمّ لقاء باسيل – جنبلاط الاسبوع الماضي، ولكن أمراً طارئاً استجدّ لدى الثاني دفعه الى طلب إرجاء الموعد حتى امس الأول، مع الاشارة الى انّ تيمور لم يكن حاضراً خلال اجتماع باسيل مع وليد جنبلاط في سياق الجولة الأخيرة لرئيس «التيار» على عدد من الشخصيات السياسية.
اما مواد النقاش بين باسيل وتيمور فقد كانت واسعة ومتشعبة، بحيث امتدت من الواقع الدولي وخط الحرير مروراً بتحدّيات الحرب على غزة وتداعياتها الإقليمية واللبنانية، وصولاً الى المسائل الداخلية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي وشبح الشغور في قيادة الجيش ومخاطر ملف النزوح وتحدّي بناء الدولة، كذلك تطرّق البحث الى واقع العلاقة بين الدروز والمسيحيين وايضاً بين «الحزب الاشتراكي» و»التيار الحر»، وكيف يمكن تعزيز عامل الثقة وتخفيض منسوب الحذر المتبادل.
ومن هذا الباب تحديداً، تمّ في اجتماع البترون التشديد على وجوب انتخاب رئيس الجمهورية بلا مزيد من التأخير، كمدخل لإعادة تكوين السلطة ومعالجة الشغور والخلل في المؤسسات، بعيداً من سياسة الترقيع.
وفي حين أبدى تيمور قلقاً من خطر الفراغ المحدق بقيادة الجيش، أكّد له باسيل انّ المؤسسة العسكرية لا تتحمّل الفراغ، وتلقائياً الأعلى رتبة يتولّى المسؤولية الى حين تعيين القائد الأصيل.
ولئن كان جنبلاط قد أكّد تفضيله خيار التمديد للعماد جوزف عون تفادياً للشغور، الّا انّه أوحى في الوقت نفسه بأنّه غير مقفل على البحث في حل آخر اذا وُجد.
وكان هناك توافق حول مقاربة مشروع بناء الدولة وضرورة تطويرها على اساس تطبيق الإصلاحات الحيوية ومكافحة الفساد.
أما على المستوى الثنائي، فيؤكّد العارفون انّ الكيمياء الشخصية سرت بين جبران وتيمور، وانّهما اتفقا على تطوير علاقة «الاشتراكي» و«التيار» ليس فقط من الزاوية السياسية وانما أيضاً من الزاوية التنموية عبر التنسيق البلدي، وتفعيل التعاون في الجبل، والسعي الى تنفيذ مشاريع سياحية، وإيلاء الجانب الإنمائي أهمية مشتركة.
كذلك تفاهم الطرفان على ضرورة تنظيم الخلاف حين يتعذّر الاتفاق، بعيداً من مظاهر التشنج.