الغموض الذي يعتمده حزب الله في مساره العملياتي جنوباً، زاده قلق إضافي بعد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن «الكلام يبقى للميدان، لست أنا من أعلن عن الخطوة، وسياستنا في المعركة الحالية أن الميدان هو الذي يتكلّم، ثم نأتي نحن لنشرح فعل الميدان، ولذلك يجب أن تبقى العيون على الميدان».
وهذه المرة الأولى التي تعلن المقاومة فيها أنها تترك الأمر للميدان، ما جعل الجهات المعادية، تسأل عبر وسائط مختلفة… ماذا يعني هذا الأمر؟ هل هو ترك الأمر للمقاتلين على الحدود ليفعلوا ما يرونه مناسباً، أم أن القيادة السياسية فوّضت لهم الأمر برمّته، وبالتالي، فإن مسار العمليات ونوعيتها تحددهما الضرورات العسكرية لا التصورات السياسية، أم أن حزب الله يقول للعالم إنه أقفل الباب أمام أي حوار سياسي معه حول ما يجري على الحدود، تاركاً الأمر للميدان؟
وكرّر نصرالله السبت ما قاله في خطابه الأول بأن توسّع الحرب مرتبط بالحرب على غزة، وأن من لا يريد توسيع الحرب عليه أن يعمل على وقفها هناك. وما شهدته حدود لبنان مع فلسطين المحتلة أمس، شكّل ترجمة لتطور عملية الإسناد التي تقوم بها المقاومة الإسلامية للمقاومة الفلسطينية. وبدا واضحاً أن الإحاطة المعلوماتية التي تمتلكها المقاومة حول ما يقوم به جنود إسرائيل على الضفة الجنوبية من الحدود، تشكل أساس العمليات العسكرية وطريقة تنفيذها وطبيعة الأسلحة التي تحتاج إليها. وبالتالي، فإن العمليات العسكرية تسير وفق برنامج يرتبط بما يقوم به الجيش الإسرائيلي، سواء على الحدود مع لبنان، أو مع توسّع إجرامه في غزة. كما أن قيادة المقاومة، أكدت سابقاً، أن الرد على قصف المدنيين لا يحتاج إلى إذن منها، وأن على القادة الميدانيين القيام بالأمر فوراً وفق برنامج مقرّر سابقاً.
الأمر الأخير، متصل بأن المقاومة تريد إفهام الجيش الإسرائيلي أولاً، وحلفاءه وداعميه ثانياً، والمراهنين عليه ثالثاً، بأن القرار بالمواجهة اتُّخذ، وأن الميدان يقود بنفسه العمل الميداني وفق مقتضيات المواجهة. وبالتالي، فإن حزب الله يكون قد أقفل الأبواب أمام رسائل التحذير أو التهديد التي ترسلها إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أطراف أخرى.
وهو ما لمسته جهات غربية في بيروت، بعدما أصيبت بالخيبة جرّاء عدم حصولها على أجوبة شافية حول ما ينوي حزب الله القيام به. ويهدف حزب الله في هذا السياق إلى نسف الانطباع الذي يروّج له الغربيون في لبنان من أن حزب الله مردوع ولن يقدر على القيام بما من شأنه دعم المقاومة في غزة. ونفي هذا الانطباع يبدأ من استمرار عمليات المقاومة، كما يتعزّز من خلال مستوى ونوعية هذه العمليات، وهو ما جعل الأميركيين ينتقّلون إلى مربّع «التوضيح» بأنهم لا يريدون توسّع الحرب، وأنهم لم يصدروا تهديدات بأنهم سيقومون بعمل ضد حزب الله. وهو كلام حرصت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا على نشره خلال الأيام العشرة الماضية، علماً أن الجميع في بيروت وفي الخارج، يعرفون أن واشنطن لم تترك جهة عالمية أو عربية أو لبنانية تربطها صلة بالحزب، إلا وأرسلت إليه عبرها تهديدات مباشرة في حال وقف عسكرياً إلى جانب حركة حماس.