“لبنان هو توأم غزة، أو غزة هي توأم لبنان، وما يحصل في أيٍّ منهما يتكرر في أرض توأمه”، بهذه العبارة اختصر دبلوماسي عربي عتيق مباراة الجدل البيزنطي بين عباقرة الجعدنة حيال توقعات ما تحمله الأيام للتوأم اليتيم، فاقد الرعاية ورافض النصيحة، حادّ البصر وأعمى البصيرة.
في لبنان، أوضح الدبلوماسي-الأمني، ينتظرون “نشرة أحوال المصير” التي ستصدر سواء واضحة، أو تستخلص أبعادها، من الخطاب الموعود لأمين عام الحزب الذي يأوي على أرض لبنان شريحة تابعة لإيران من المتحاربين في غزة ويحاول دعمها بما يتناقض مع رغبة غالبية الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، إذا وجدت.
في العام 2000 انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، فوقع الجنوب تحت سيطرة الحزب الذي منع الجيش اللبناني من الدخول إلى الأرض التي يفترض أنه سيدها ويجب أن تكون تحت إشرافه تنفيذاً للمزاعم الرسمية التي تقول إن الجمهورية اللبنانية “دولة سيدة-مستقلة”، فإذا بها كيان مُحتل صاغر خاضع للاحتلال، ومطبّع مع المحتل الذي عززه أحد الأمنيين بابتكاره بدعة تحرير مزارع شبعا التي لم يكن أي مواطن قد لحظ وجودها على خارطة لبنان قبل صدور بدعة الضلال تلك.
مزارع شبعا احتلتها سوريا في حقبة “الجمهورية العربية المتحدة” مع مصر التي تأسست في 22 شباط 1958 وانهارت في 28 أيلول 1961 بانقلاب عسكري في سوريا أعلن عن قيام “الجمهورية العربية السورية” التي خسرت مزارع شبعا كما مرتفعات الجولان الإستراتيجية للعدو الإسرائيلي الذي احتلها من دون قتال بعد صدور بلاغ عسكري عن وزارة دفاع دمشق يعلن سقوط القنيطرة في حرب الأيام الستة غير المجيدة سنة 1967.
في بلدة شبعا الحبيبة تتردد رواية بين المسنين الذين شهدوا تلك الحقبة تقول إن ضابطاً لبنانياً شاباً برتبة ملازم اسمه “ميشال عون” ترأس “قوة راجلة” (يعني قوة مشاة وفق القاموس العسكري) توجهت إلى مزارع شبعا في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، وكان دليله في المسالك الجبلية “راعي لبناني”، ولما وصل إلى “مزرعة مغر شبعا أعادته إلى لبنان قوة الدرك السوري المسيطرة على الأرض هناك”.
هل ما روي يعكس حقيقة أم هو مجرد أسطورة؟ لا أدري، لكن حتى الأساطير أساسها حقائق.
غزة، كما لبنان الذي طبّع علاقاته مع حزب الله، أيضاً طبعت علاقاتها مع ذراع إيران الأخرى “حماس” التي شقت فلسطين، وعزلت غزة عن خارطة ما استعاده ياسر عرفات لأرض فلسطين، وقتلت مقاتلي حركة فتح، وأسست لنفسها قواعد تتحكم بمصير شعب فلسطيني فرض عليه الخضوع وتطبيع علاقاته مع القوة التابعة لإيران.
ما لا يعرفه كثر، بل ما لا تعرفه غالبية العرب، هو أن القوى التابعة لإيران تموضعت في 8 مخيمات للاجئين في غزة وفقاً لتصنيف الأونروا وهي: مخيم البريج، مخيم الشاطئ، مخيم المغازي، مخيم النصيرات، مخيم جباليا، مخيم خان يونس، مخيم دير البلح، ومخيم رفح.
مخيم الشاطئ هو أكبر مخيمات “اللاجئين” في “قطاع” غزة، يعيش فيه أكثر من 82 ألف لاجئ، على مساحة هي أقل من كيلومتر مربع، على شاطئ البحر المتوسط غربي قطاع غزة.
يفوق عدد سكان “القطاع” المليوني نسمة، وتضم مدينة غزة وحدها 400 ألف نسمة من غير اللاجئين. معظم سكان “القطاع” هم من لاجئي 1948.
كما يوجد “بالقطاع”، إضافة إلى المدينة الوحيدة “غزة” ومخيمات اللاجئين الثمانية، 44 تجمعاً سكانياً، يجاور بعضها مخيمات اللاجئين التي تحمل اسمه.
وتعتبر إسرائيل وتشاركها الرأي معظم دول العالم أن حركة حماس إتخذت من المخيمات الثمانية قواعد عسكرية لها تضم آلتها الحربية وأنفاقها ومراكز قياداتها، وهي التي يقول الدبلوماسي العربي العتيق إن إسرائيل “وحلفاءها مصممون على تدميرها.”
هذا بالضبط ما حصل لمخيم جباليا، إذ استطلعته إسرائيل بالنيران أولاً، ثم أغارت عليه فدمرت الأهداف التي جمعتها باستطلاعها على من فيها، وهذا ما أصاب أيضاً، برج المهندسين عند مدخل مخيم النصيرات.
ويشدد الدبلوماسي على أنّ هذا “سيكون مصير المخيمات الباقية لأنّ إسرائيل تعتبر أنها كلها مكونة من بيئة التابعين لإيران، من مقاتلين وعائلاتهم، والغرب لا يخالفها الرأي.”
وبالتالي فإنّ الحرب في قطاع غزة هي حرب على مخيمات حماس الثمانية، لا على بقية غزة.
لبنانياً، لا تسيطر حماس أو من معها على أي مخيم فلسطيني لأن قواعدها متواجدة ضمن مناطق سيطرة حزب الله، لذلك يتوقع إذا إمتدت الحرب إلى لبنان أن تطال مناطق سيطرة الحزب.
لكن، هل ستمتد الحرب إلى لبنان؟
إسألوا إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس وريث قاسم سليماني الذي وصل إلى بيروت أمس مستبقاً نشرة الأحوال الحربية التي سيصدرها المرشد في لبنان يوم غد الجمعة أمام جمهوره الذي سيستعرضه على 5 شاشات خصصها لمتابعته كما لعرض حجم جمهوره على المشككين بتماسك حزبه.
قاآني غادر لبنان، على الرغم من نفي الحزب، بعدما شارك في توجيه التحقيقات المتعلقة بالخلافات التي تعصف بالحزب إثر كشف شبكة الجواسيس التابعة لإسرائيل والتي اخترقت بيئته القيادية.
تزامن التركيز على حرب غزة وإمكانية امتدادها إلى التوأم اللبناني مع السعي لتمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون وتعيين رئيس أركان يكمل هيكلية قيادته حرصاً على إستقرار المؤسسة العسكرية حامية البلد في حقبة الإهتزازات الكيانية.
إلا أن بعض رموز الطغمة الحاكمة وعلى رأسهم حزب السلاح الفارسي وحليفه جبران باسيل يعارضون الخطوة نظراً لمعارضتهم التقليدية للعماد عون الذي يتمتع بتأييد الغالبية العظمى من دول العالم، عربية وغير عربية، باستثناء معسكر إيران ومن بقي تحت مظلتها من المسمى محور الممانعة المدعوم أيضاً من نظام الأسد ودولة الجزائر والمحور الروسي-الكوري الشمالي.
فهل ستنجح طغمة تحالف المال القذر وسلاح الغدر في تجريد لبنان من قيادته العسكرية كما جردته من رئيسه قبل سنة كي تحافظ على مكتسباتها في إدارة إقليم لبناني تابع لدولة إيران؟
يشدد الدبلوماسي-الأمني العربي على أن “المجتمع الدولي والعربي أيضاً لن يسمحا بتجريد لبنان من المؤسسة الوحيدة (الوحيدة) الحائزة على إعتراف دولي، وتستطيع أن تحافظ على وجود الكيان على الأرض، بإنتظار ما سيكون عليه نظامه السياسي. المهم بقاء الكيان على الخارطة، وهذا البقاء لا يحفظه إلا الجيش”.