كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
بادر النائب السابق وليد جنبلاط إلى التحذير من مغبة دخول لبنان في الحرب الطاحنة. يقرأ جنبلاط جيداً المواقف الإقليمية والدولية، ويطلع على حجم الدعم والمؤازرة التي تؤمّنها الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل. ويفكّر جدياً بماذا سيحل بوطن الأرز في حال دخل مدار الحرب الكبرى.
التحذير الجنبلاطي الذي ارتفعت وتيرته في الساعات الماضية ليس نابعاً فقط من الخوف على الوجود، فالوضع الدرزي في لبنان يشبه وضعية جميع الطوائف في أزمة، بل من قراءة عميقة لمجرى الأحداث والأبعاد التي قد تأخذها عملية غزة والمنحى الذي قد يتخذه الصراع وتحوّله إلى حرب تشبه الحرب الأوكرانية – الروسية.
لجنبلاط شبكة علاقات كبيرة مع الخارج وعلى رأسها الإشتراكية العالمية التي نعاها أخيراً، ونتيجة الإتصالات التي قام بها وصل زعيم المختارة إلى قناعة بحتمية إبعاد كأس الدمار المرّة عن لبنان.
ولا يطمئن جنبلاط إلى الواقع الدرزي العام وإلى مجريات حرب غزة، فإذا كان وضع دروز لبنان أفضل حالاً، فهذا الأمر لا ينطبق على دروز سوريا، فهم كانوا في طليعة القوى الثورية في جولتها الجديدة، ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد في السويداء، وهناك مخاوف حقيقية لدى جنبلاط من إستغلال نظام الأسد إنشغال المنطقة والعالم بحرب غزة لينتقم من دروز سوريا ومن كل المنتفضين خصوصاً أن آلة القتل والدمار السورية لا تقلّ شأناً عن الدمار الذي يخلّفه الجيش الإسرائيلي.
وتبقى العين على دروز إسرائيل والأراضي المحتلة، فهم محرجون بمشاركتهم في الحرب خصوصاً أنّ عدداً منهم لا يستهان به متطوّع في الجيش الإسرائيلي، أمّا إذا تمرّدوا فسيدفعون ثمناً أغلى.
لبنانياً، يقوم جنبلاط بكل ما بوسعه من أجل عدم إنجرار لبنان إلى الحرب المدمرة، وهو على تواصل دائم مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يعتبر صلة وصل مع «حزب الله»، ويعرف برّي خطورة الوضع لكنه غير قادر على فعل شيء. ويحاول جنبلاط إيصال الرسائل بشتى الوسائل إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لتجنّب الحرب. وأكّد هذا الأمر خلال استقباله رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل، ربما يوصل باسيل كلام جنبلاط إلى نصرالله. في المقابل فقد قال جنبلاط كلاماً خطيراً بعد إستقباله باسيل وهو وضع القوى والحركات المقاتلة تحت إمرة «حزب الله» في الجنوب.
شكّل جنبلاط بعد عام 2005 رأس حربة في دعم مشروع الدولة ومواجهة سلوك «الدويلة» ومنعها من السيطرة على القرار الإستراتيجي، وكان يطالب دوماً وخصوصاً خلال جلسات الحوار، بوضع سلاح «حزب الله» تحت إمرة الجيش اللبناني وإنهاء حالة الشواذ والفلتان في الجنوب.
وبعدما حاول «حزب الله» الإيحاء بأنّ فتح جبهة الجنوب يحصل بقرار من جميع اللبنانيين، وخصوصاً السنّة، بعد إشراك قوات «الفجر» التابعة لـ»الجماعة الإسلامية» وبعض المجموعات والفصائل اللبنانية والفلسطينية وذلك لكسب الرأي العام السني وشرعنة عمله، تنبّه عدد من القوى الداخلية لهذا الأمر ويعمل على سحب البساط من تحت «الحزب».
يعرف جنبلاط كما غيره أن لا وجود لعناصر مسلحة في الجنوب غير «حزب الله»، وحتى الدولة وجودها غير فاعل، لذلك يتخوّف جنبلاط من إستغلال هذه المجموعات وتكبير حجمها لكي تتوسّع في الداخل وتخلق التوترات والإشكالات.
لا يسمح الوضع في الجنوب بالفلتان الكامل، وترسم خطوط المواجهة بين إيران وإسرائيل، وهذه الحقيقة يدركها جنبلاط، لذلك فمن وجهة نظر زعيم المختارة الأولوية هي لصون إستقرار الجنوب ولبنان وإبقاء اللعبة مضبوطة إلى أقصى حدّ. ولا يحتمل لبنان دفع ثمن الصراع الأميركي – الإسرائيلي مع إيران لذلك يجب إعتماد سياسة الحياد الإيجابي وعدم استجرار آلة التدمير.