كتب المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسّان فلحه في جريدة النهار
في ازدواجية الإنسانية المتوحشة وهلامية “المجتمع الدولي”
الانسانية تعيش ازدواجية بالغة التعقيد في الانفصام الاخلاقي وترهلًا شديد التباين في مقاربة القيم الاجتماعية والدينية الضامنة لمعايير الاخلاقيات ، وكلما استبد بها مسار التطور المدني وارتفع كلما زادت تعقيدا في فهم الاشياء ،وغدت اسيرة مفاهيم
متناقضة للامور الواحدة.
ليس مستغربا ان لا تشبه تسمية “المجتمع الدولي ” من حيث الحضور والوجود الفعليان سوى تسمية “قانون الجنس البشري ” التى اطلقها الفيلسوف والقانوني البريطاني جيريمي بنثام Jeremy Bentham
هي تعريفات هلامية مطاطة تستخدم كأدبيات اخلاقية في سياق رسم البعض لخطوط سياساته العامة و الخارجية تحديدا ، من حيث قبول الامور او رفضها ، وهو في الحقيقة وجود وهمي ، مجتمع الاقوياء في فرض سطوتهم المادية و الادبية لمفاهيم الاخلاقيات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ولكنها تسقط مدوية في صمت مطبق عندما حصول الازمات الانسانية الكبرى لتختصر في ظل القتل القاسي وتظهر حقيقة المعايير الدولية وتباين تناقضها بان العالم ذو شريعة واحدة تحكمه قوانين القوة لا قوة الشريعة والقوانين
الغرب الذي اوغل في ترسيم حدود القيم
الانسانية وأطلق مسارات كثيرة التشابك حول حقوق الانسان الفردية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والاعتقادية مع اندفاعات قوية تطاول سطوة جسد الفرد بين الجماعات ، و الحريات الجنسية وردم فروقات الجنس الفطرية والتكوينية بين اركان المجتمع واطلاق حملات عملاقة في سعة اختيار ما يريد عليه ان يكون المرء لا كما كان او يكون كجنس بشري او لا يكون ، هذا الغرب تعتريه ازمة حادة في الركون الى اخلاقيات مستقرة ثابتة او اقله بطيئة التقلبات الظرفية . كالقتل واساليبه و وسائله وادواته . اذ كيف تقف بلا هوادة مع حقوق انسان و تنسل الى صمت مطبق في اعارة الاهتمام لحقوق انسان اخر .
كيف يكون القتل شائنا وكيف يكونه بائنا ومتى يستل فعل الادانة والتحريم في الحضور ومتى يسقط في غياهب النسيان .
الموضوع قد يكون متشابها في ابعاده ومضامينه ولكنه ذو نظرات مختلفة تتحكم في اصحابها غالبا جذوة قبلية او ردة دينية او يقظة قومية ولكن المؤكد انها ردة فعل ندامة على فعل قد يكون اقترف في الصراعات المزمنة الا ان الثمن يدفعه غالبا المعذبون في الارض.
لا ينكرن احد ان الغرب بعد دموية حروبه المتنقلة المتعددة وصراعاته القاتلة وتحديدا في القرن العشرين ، رفع من شأن الفرد الى اعلى سلم القيم الانسانية وبوأه مكانة إجتماعية عليا فارهة الانضباط شديد العناية داخل مجتمعاته و ضمن مثالية مفرطة الحضور لاتشبه افعال اسلافه على مدى العصور الغابرة و لا يجاريه الشرق حتما في حال ما مر عليه او ما استقر اليه ،
ما عاشته اوروبا وعانته قبل حربين عالميتين واثناءها وبعدها يدفع الى اخذ دروس تاريخية وانتاج قيم انسانية واجتماعية اعتقد الجميع المعني بانها ستحرّم الحروب وستسعى الى منع حدوثها. الا ان اسبابا فائقة الاعتبار اسقطت هذه الاعتقاد الملتبس عندما يكون الامر متعلقا بخارج الحدود المكانية للقارة القديمة حيث تتبدل قيم الاعتقاد ومفاهيم الاعتبارات الانسانية وتنسج نماذج تفصح عن العمق الحقيقي والدفين لجوهر تكوينها الاجتماعي والانساني . ان صناعة السلاح وحجمها ، وحدهما كافيان لتبيان هذا التناقض الحاد الذي تعيشه المجتمعات “المتحضرة ” بين الايغال الممجوج في اعلاء مقام الفرد وحقوقه المفرطة في الاطراء تجاه الكائن البشري ، وبين التوغل في انتاج الالات القتل وادواته
التى تخرج عن ما يألف استيعابه العقل البشري من مردود مادي واقتصادي من هذه التجارة لو قيض او اتيح تقسميه على سكان الارض لكان نصيب الفرد الواحد يتجاوز المئتين وخمسين دولارا .
هذه الاعمال المتوحشة كصناعة للموت فاقت العمليات المروعة للاتجار بالبشر التى تمتد منذ قرون والتى تأخذ اشكالا مختلفة منها ، ولولا الحرب في اوكرانيا لكان القول جائزا انهم رحماء بينهم اشداء على الاخرين. اما محو غزة عن الوجود سيصنف العالم وحضاراته المرتبكة بانه عديم الاخلاق وانه مصاب بانفصام في المعايير و نقص حاد بالحضور الانساني …