حزب الله يُطمئِن ولا يطمئن: منع كسر المعادلات
يوماً بعد آخر في ظل رفض وقف النار، تفلت حرب غزة من ضوابط الحد الادنى. بانضمام العراق واليمن توسّعت رقعة اللاعبين فيها فلم تعد تقتصر على “اسرائيل” وحماس وحزب الله. ما يُسمع من ديبلوماسيين غربيين كبار ان كليْ فريقيْها يتصوّر المنطقة ويريدها على صورته هو
في الساعات المنصرمة كثرت الاشارات السلبية المؤذنة بالاسوأ: سفارات دول كبرى واقل من كبرى، غربية وعربية، تطلب من رعاياها عدم السفر الى لبنان، وممن هم فيه مغادرته على الفور، ومن طائرات بلدانها وقف رحلاتها الى لبنان. اخيراً اولى الاكثر سوءاً بدأت باشاعةٍ قبل التحقق من صحتها هي اعلان شركات تأمين دولية رفع الغطاء عن رحلات جوية الى لبنان على طريق اقفال مطار بيروت وعزله عن العالم الخارجي، دونما الحاجة الى حرب كأنها مقبلة بالفعل. سلسلة الرسائل هذه بعضها ناجم عن تخوّف وتوجس، لكن بعضها الآخر انذار مبكر لما يُعتقد انه سيكون. في الحالين جزء لا يتجزأ من ضغوط معنوية وملموسة على لبنان، ومن خلاله على حزب الله، لعدم الانجرار الى التورط في الحرب الدائرة في غزة.
يحدث ذلك من غير ان يعلن حزب الله، في اي وقت مضى، اعتزامه الانخراط في حرب مع “اسرائيل” دفاعاً عن غزة وحماس. ما قاله مراراً ويثابر عليه انه لن يقف مكتوف الايدي. كرّرته الخميس كتلة الوفاء للمقاومة مع اصرارها على عدم السماح بالغاء حماس. العبارة بدورها حمّالة اوجه وتحتمل اكثر من تأويل: ان يهاجم “اسرائيل” ويخوض الحرب الشاملة معها. لكنها تعني ان يقاتلها بلا حرب مفتوحة. اقرب الى استنزاف يحفظ قواعد الاشتباك لدى الطرفيْن. فسّر البعض موقف الحزب انه مؤشر إحراج وارباك لم يحملاه الى الآن على الاقل على المفاضلة الصعبة بين حسابات المنطقة وحسابات بلدانها.
مع ذلك يتزايد تسعير الاضطراب الامني عند جانبي الحدود الجنوبية بين الحزب و”اسرائيل” ويتمدد تدريجاً الى مسافات ابعد منها، الى داخل كل منهما. ليس هذا فحسب ما رامَ حزب الله قوله. المطلعون على موقفه يتحدثون عن معطيات اخرى بعضها معلوم منذ اليوم الاول لما تلى 7 تشرين الاول، وبعضها الآخر مستجد منذ الخميس:
1 – توجيهه على نحو غير مباشر تطميناً الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى انه الآن ليس في صدد فتح جبهة عسكرية مع اسرائيل. بيد ان احداً لا يسعه التكهن بمآل الحرب الدائرة والى اين تقود المنخرطين فيها؟ المؤكد في موقفه انه لن يتوقف عن إشغال اسرائيل لتخفيف الضغط على غزة، وإشعارها بأنها ليست في مأمن من الشمال.
لم يحن بعد أوان المفاضلة: حسابات المنطقة أم حسابات بلدانها؟
2 – اياً تكن جدية التطمين ذاك ومغزاه السياسي اكثر منه الميداني، فإن سر اسرار حزب الله يكمن في غموضه وكتمانه في السلم وفي الحرب، خصوصاً في صراعه مع اسرائيل في العقود الاخيرة. غموضه احد افتك اسلحته عندما يتعلق بحاجة اسرائيل الى اختبار معه والتحقق مما لديه وما لديه. عندما فاوضها على نحو غير مباشر في ملف الاسرى اكثر من مرة قبل سنوات، لم يفصح عما عنده الا في اللحظات الاخيرة. في الحرب كذلك لا يُخرج سلاحه الفعلي الا على ارض المعركة. ذلك ما يجعل مناورته السياسية على صورة مناورته العسكرية. الا ان المهم في ما يعنيه حزب الله منعه كسر المعادلات الحالية القائمة في المنطقة، خصوصاً موقع حماس في الصراع مع اسرائيل.
3 – وفرة الاتصالات التي يتلقاها مسؤولون امنيون لبنانيون من نظراء لهم بينهم اميركيون وبريطانيون، يحضّون على عدم دخول حزب الله في حرب غزة. الاكثر اهمية واقتضاباً ان يقول المسؤولون الامنيون الغربيون للمسؤولين الامنيين اللبنانيين انهم لا يطلبون اجوبة من حزب الله بل تلقيه فقط رسائلهم. لأنهم لا يتوقعون حتماً الحصول على اجوبة، ما طلبه هؤلاء هو التأكد من وصول رسائل التحذير الى الحزب.
4 – بات معلوماً ان حزب الله لا يريد استعجال الوقت ولا استهلاكه في نبرة التصعيد الامني مع اسرائيل، بل التدرج به عبر جرعات تتنقل بين الجبهات اولاً، وادخال فصائل فلسطينية اليها ثانياً، دونما ان يقود هذا التطور الى إشعال الحرب.
5 – مع ان الاميركيين انكروا علاقة ايران بالتخطيط لهجوم حماس على غلاف غزة في 7 تشرين الاول ولم يحمّلوها بعدذاك اي مسؤولية مباشرة عن تدهور الوضع في غزة وعند الحدود مع لبنان، بيد ان الجمهورية الاسلامية ارسلت اشارات معاكسة اكدت فيها دورها من خلال حدثيْن امنييْن ليس للبنان ولحزب الله صلة مباشرة بهما، هما هجمات الصواريخ من العراق واليمن في اول تدخّل لهذين البلدين في حرب غزة.
6 – تبعاً للمطلعين على موقف حزب الله، فان الاسبوعين المقبلين قد يكونان سياسياً الاشد ضراوة في تقرير مصير المنطقة، بعد الاسبوعين المنصرمين الاشد دماراً في غزة. في خلال ذلك ستُختبر الاحجام الفعلية الثلاثة: دور حاملات الطائرات الاميركية قبالة اسرائيل، الهجوم البري الاسرائيلي لغزة المؤجل يوماً بعد آخر، مدى استعداد ايران لفتح الجبهات وادارة انخراطها في الحرب.
7 – ما سمعه المسؤولون الامنيون اللبنانيون من نظرائهم الغربيين لا سيما منهم اميركيون كانوا في الايام الاخيرة على تواصل يكاد يكون يومياً، ان الجبهة الشمالية لاسرائيل وراء احضار حاملات الطائرات الاميركية الى الشرق المتوسط. ما اوحى به هؤلاء لمحدثيهم ان وصولها لمنع الحرب لا لإشعالها. ما يريده الاميركيون الغاء حماس نهائياً باطلاق يد اسرائيل عسكرياً دونما انجرار المنطقة برمتها الى الاسوأ.