ماذا لو وقعت الحرب اليوم؟ كيف سيكون المشهد الصحي الاستشفائي في البلاد القابعة على فوّهة يركان من جهة، وفي ظل أزمة مالية – اقتصادية تجعل من الصعب عليها توفير احتياجاتها الآنية؟

في الوقت «البدل من ضائع»، يفترض أن تكون الإدارات والمؤسسات الرسمية والخاصة والوزارات، ولا سيما تلك التي تعنى مباشرة بحياة الناس، قد بدأت التخطيط للمرحلة الطارئة. على رأس هذه المؤسسات وزارة الصحة التي يفترض أن تكون، في أي مواجهة مقبلة مع العدو، في الخطوط الأمامية، إذ تقع على عاتقها مهمتان أساسيتان: إسعاف الجرحى وإجلاؤهم. عملياً، بدأت الوزارة «حراكها» عبر اللجنة المشتركة التي تضمّ نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة والمنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي واللبناني وبعض المانحين والهيئة العليا للإغاثة. وبحسب المدير العام للوزارة فادي سنان، تكثّفت الاجتماعات أخيراً «للعمل على ضمان حسن سير خطة المواجهة التي باتت مؤمّنة إلى حدٍ ما». كما باشرت العمل على تأمين بعض المستلزمات الضرورية ومنها الأوكسيجين للمستشفيات وأدوية الالتهابات والإسعافات الأولية وإعداد لائحة بالحاجات الأكثر طلباً وما ينقص من مخازن المستشفيات، وخصوصاً الحكومية.

تفاصيل خطة المواجهة

ترتكز الخطة، في كل تفصيل، على تلك التي صيغت أثناء حرب الـ 2006، فهي «موديل 2006 مضروبة بـ 2»، بحسب نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون. وتتضمّن تقسيم لبنان إلى ثلاث مناطق تتدرج في مستوى الخطورة من الأكثر خطراً إلى الأقل خطراً، فالأقل. تشمل المنطقة الأولى الجنوب والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية لبيروت، على أن تأتي في المنطقة الثانية بيروت الإدارية وجبل لبنان والمتن الشمالي، ومن بعدها بقية المناطق. وبحسب الخطة، يفترض أن تختص المستشفيات والمراكز الصحية القائمة أو التي تستحدث في المناطق «الحامية» بـ«شغل الطوارئ وتأمين انتقال الحالات الحرجة إلى خارجها، وعملياً سيكون الدفق على صيدا وسبلين وجزين من الجنوب وإلى مستشفيات بيروت الإدارية وجبل لبنان وحتى المتن للجرحى من الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك الحال بالنسبة إلى بعلبك والبقاع الشمالي، حيث يؤمن الانتقال نحو مستشفيات المناطق الأقل خطراً»، بحسب سنان.

هذه التقسيمات تترافق مع مسح للمستشفيات القادرة على خوض المعركة ودرس إمكاناتها وحاجاتها وما تملكه من مخزون وقدراتها الاستيعابية ووفرة الطواقم الطبية وما تقدمه من خدمات وتوافر بنوك الدم. وبحسب هارون، «يفترض أن هناك ما لا يقل عن 40 مستشفى قادرة على استيعاب ما لا يقل عن 4 آلاف مصاب دفعة واحدة» في حال كان السيناريو شبيهاً بما جرى عام 2006. أما إذا كان شبيهاً بالمشهد الغزاوي، فيجمع الكل، ومنهم هارون، على أن الخطة «ما بتلحق تعمل شي»، وعندها «سيصبح كل شيء على حسب الضربة لأنه يتعيّن علينا أن نتعامل هنا مع الميدان».

«شغل» وزارة الصحة

في غرفة العمليات المركزية في وزارة الصحة العامة، بدأ التحضير «الجدّي» لمواكبة الميدان، بحسب رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة، هشام فواز، مع توزيع لجان العمل، مشيراً إلى لجنتين أساسيتين: الأولى تضم جميع «الشركاء»، كالمستشفيات والصليب الأحمر والمنظمات الدولية تختص بمتابعة أوضاع المستشفيات والمعدات والمستلزمات والأدوية. وقد أنشأت الوزارة «platform» يضم معلومات عن كل المستشفيات لناحية توفر عدد الأسرة والطاقم الطبي والتمريضي والأقسام الأساسية والتجهيزات وغيرها، وتقييم للمستشفيات المرجعية التي «سيكون الثقل عليها في الحرب» لناحية توافر مقومات «التروما سنتر». وتختص اللجنة الثانية بمتابعة أوضاع النازحين صحياً، وقد وضعت الوزارة لائحة بالاحتياجات المفترضة وتم توزيعها على المانحين.

من أين ستأتي الاعتمادات؟

في متابعة لما تجريه الوزارة، تسير الأمور على ما يرام… أقله ورقياً، أما السؤال الذي لم يأتي جوابه حتى اللحظة فهو عن الإعتمادات.

ثمة اطمئنان لدى الوزارة والجهات المعنية في اللجنة – إلى حد ما – إلى انخراط معظم المستشفيات في الخطة وضمان توافر الطواقم الطبية. إلا أن ما يثير القلق هو أن الخطة هي أقرب إلى النظري منها إلى العملي لوجود علامات استفهام كثيرة يفرضها الواقع الاقتصادي – المالي الذي يختلف كلياً عما كان عليه في 2006. لذلك، فإن السؤال المقلق اليوم يتعلق يكيفية تأمين الاعتمادات اللازمة للمواجهة، إن كان لناحية توفير المستلزمات والأدوية التي سيزيد الطلب عليها حكماً في حالة الحرب أو لناحية تجهيز المستشفيات والطواقم الطبية.

ما تقوم به لجنة الطوارئ اليوم هو «حلّ الواجب المطلوب». الـ homework. وإن كان هذا الجزء مطلوباً، إلا أنه لا يكفي، حتى بالنسبة إلى القيّمين على الخطة. مع ذلك، «لا بد منه، على الأقل لتكون القاعدة جاهزة»، يقول مصدر في اللجنة. وبحسب سنان، تكثّف الوزارة اجتماعاتها لتحضير الأرضية من خلال إجراء مسح للمستشفيات الحكومية ومخزونها وطواقمها، وقد خصص اجتماع أول من أمس مع رئيس الحكومة لهذه الغاية، لوضع بعض التصورات والحلول، منها ما اتفق عليه، ولا سيما في ما يتعلق بتسريع دفع المستحقات للمستشفيات الحكومية والخاصة، و«تواصل رئيس الحكومة مع وزير المالية خلال الاجتماع وطلب منه صرف ما للمستشفيات من مستحقات لتستطيع شراء أدوية ومستلزمات والعمل على تخزينها تحسباً للوضع».

مخزون الدواء: من شهر إلى 4

من جهة أخرى، تأتي الجردة الأدق للمخازن من جهة نقابة مستوردي الأدوية. وفي هذا السياق، يقول جوزف غريب، نقيب مستوردي الأدوية، إنه جرى تقسيم الدواء إلى أربعة أصناف: otc (التي تصرف من دون وصفة طبية) والـ accute (الأدوية التي تستخدم لمرة أو مرتين خلال العام)، أدوية الأمراض المزمنة، الأدوية التي تستعمل في المستشفيات وأدوية السرطان. ضمن الفئات الثلاث الأولى، يؤكد غريب أن «المخزون لدينا يكفي بين 3 و4 أشهر، أما أدوية الأمراض السرطانية فتوجد بنسبة أقل وتكفي بين شهر وشهرين». لذلك، تتواصل النقابة مع الشركات المصنعة لتعزيز المخزون، مع إعطاء الأولوية «للأدوية التي يؤدي انقطاعها إلى موت المريض، وأهمها الأدوية السرطانية». وفيما لو طال أمد الحرب، مع حصار بري وبحري وجوي، وضعت النقابة خطة بديلة تتضمن التواصل مع الشركات المستوردة والمصنعة «بحيث يقوم المستوردون بإعداد الطلبات وإرسالها إلى الشركات في الخارج، على أن تعمل هذه على تسيير المعاملات مع بعضها وتجميع الدواء في محطة موحدة في قبرص أو الإمارات»، على أن يصار إلى التنسيق مع وزارة الصحة والمنظمات الدولية للبحث في كيفية جلبها إلى لبنان.

الدفع عند التسليم: أزمة الأزمات

في الشق المتعلق بمخزون بعض المستشفيات، يطمئن هارون إلى أن الوضع «منيح» على صعيد المستشفيات الجامعية الكبرى والمتوسطة، منطلقاً من التقديرات الأولية للمستشفيات والمستودين بأن «المخزون يكفي لشهرين إلى ثلاثة». لكنه يشير إلى أن الأمور في بقية المستشفيات تسير بـ«القطعة»، إذ تشتري هذه المستشفيات حاجتها يوماً بيوم «وخصوصاً أن المستوردين امتنعوا عن إعطاء مهلٍ للدفع، مطالبين بالدفع عند التسليم مباشرة، وهو ما لا طاقة للكثيرين على فعله». وهذا ما سيؤثر على إمكانية توفر مخزون كافٍ لديها، في ظل الحاجة إلى تلك المستلزمات لمعالجة المرضى اليوميين. وإذا كان هناك تعويل لدى البعض على المساعدات والهبات، فهناك جملة من الأسئلة تتعلق بوضع المستشفيات الحكومية على الأرض وطواقمها الطبية والتمريضية التي تعمل اليوم بقوة دفعٍ لا تتخطى الـ 40%، بسبب عدم صرف الزيادات لهم لعدم توفر الاعتمادات، فكيف ستحلّ خلية الأزمة هذه المعضلة؟ من جهة أخرى، هناك هاجس سوء تصريف هذه الهبات أو تسليمها للجمعيات الخاصة «التي نهبت خزينة الدولة خلال الأحداث الكبرى، وآخرها حدث انفجار المرفأ وهو المثال الفاقع على ما فعلته وتفعله المنظمات»، بحسب مصدر في لجنة الطوارئ الصحية.

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version