بالتزامن مع حفلة الإجرام الإسرائيلية في غزّة، تخوض المنظّمات الدولية العاملة في لبنان عبر مكاتبها المحلية، معركة “إسرائيل” لا «معركة الإنسانية» التي ترفع لواءها، فيما منظّمات غير حكومية انتشرت كالفطر بحجّة محاربة القمع والعنف، بلعت ألسنتها لعدم إغضاب مموّليها الأوروبيين والأميركيين.

هيئات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني والحقوقي عبر مكاتبها في لبنان، والمنظّمات الدولية التي تهتم بحماية المرأة والطفل وحقوق الإنسان، وتصدع رؤوس اللبنانيين بـ”إرساء العدالة” و”المساواة” و”حماية الأفراد والمجتمعات” من الانتهاكات، هي نفسها عمّمت على موظفيها بضرورة التزام الحياد حيال ما يجري في غزّة التي، على ما يبدو، لا تنطبق هذه المعايير على أهلها الفلسطينيين.

الـ”UNICEF” و”UNERWA” و”UN WOMEN”، ومنظّمات كـ”IRC” و”OXFAM” و”CRTDA” و”ANERA”… عمّمت على العاملين لديها بعدم إبداء أي رأي حول ما يجري على الفلسطينيين، حتى على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. بُرِّر ذلك بالسياسات الداخلية لهذه المنظّمات التي تحظر على الموظف إبداء موقفٍ علني قد يُحسب على المنظمة، بحجة التزام «الحياد» و«عدم التمييز»، واضعةً المعتدي والمُعتدى عليه في كفةٍ واحدة، تماهياً مع التموضعات السياسية لدولها الأم الحليفة لـ”إسرائيل”.

بعض هذه المنظّمات ذهب إلى حدّ تهديد بعض العاملين بأن عدم امتثالهم «سيعرّض مسيرتهم المهنية للخطر»، رغم أن هذه المنظمات نفسها ضربت عرضَ الحائط بـ«الحيادية» في الحرب الروسية – الأوكرانية، عندما سخّرت مواقعها الرسمية ومنصاتها الافتراضية للهجوم على «الإرهاب الروسي» ضد أوكرانيا. كما أن هذه المنظّمات نفسها غضّت الطرف عن قيادة العاملين لديها لـ«ثورة» 17 تشرين الثاني 2019، بعد «تسوية» توصّلت إليها معهم تقضي بأن يغفلوا على صفحاتهم على مواقع التواصل أي إشارة إلى طبيعة عملهم مع المنظّمات، فيما ترفض اليوم أيّ تسوية مماثلة.

في خضمّ التطورات العسكرية على الحدودية الجنوبية، اتّخذت غالبية المنظّمات الدولية العاملة في لبنان خطوات وقائية عكست تمييزاً حتى بين موظّفيها. ففيما باشر بعضها تسفير الموظفين الأجانب، منعت الموظفين اللبنانييين والسوريين من مغادرة لبنان من دون إذن، ولم تبحث في خيار توفير مساكن آمنة للعاملين المحليين، سيّما من يقطنون في مناطق مُستهدَفة. أضف إلى ذلك أن منظّمات أخرى تعمل في مجال تقديم المساعدات للنساء والأطفال، أرسلت إلى شركائها المحليين من منظّمات الـ«NGO»، تطلب منهم وضع خطط للإخلاء، لا خططٍ للاستجابة في حال دخل لبنان دائرة الحرب!

منظّمات دولية تهدّد موظفيها المتضامنين مع فلسطين

“الحياد” ينسحب أيضاً على بيانات المنظّمات التي تعتمد سياسة تجهيل الفاعل في ما يجري في غزة. فـ«أنيرا» التي تعمل مع اللاجئين والمجتمعات المضيفة المتضررة من الحروب والأزمات، على سبيل المثال، تحدّثت في بيان لها عن «أزمة مياه في غزة» لا عن قطع العدو الإسرائيلي المتعمّد للمياه عن القطاع. فيما تتباكى الهيئات الأممية التي أُنشئت للاستجابة للفلسطينيين على عدم إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، دون الإتيان على ذكر الرفض الإسرائيلي لفتح المعبر. وتستخدم عبارات «تصاعد الأحداث في المنطقة» في سياق الحديث عن «مليون شخص بدون ملجأ» وكأنّ زلزالاً دمّر بيوتهم لا الغارات الإسرائيلية.

كذبة الـ”NGOS”
أما جمعيات الـ NGOs المبشّرة بحرية التعبير والرأي ومناصرة القضايا المحقّة، فقد دفنت رؤوسها في الرمال حيال المجزرة الوحشية في غزة، راضخة لسياسات مموّليها، باستثناء قلّة قليلة تبنّت خطاباً داعماً للقضية الفلسطينية، ورفعت الصوت ضد الجرائم الإسرائيلية في غزة. ففيما أطبق الصمت على منصات جمعيتَي «أبعاد» و«فرح الاجتماعية»، مثلاً، شاركت جمعية «نُساد» قبل يومين منشوراً يتيماً تبنّت فيه دعوة الأمم المتحدة «جميع الأطراف إلى احترام القانون الإنساني، وسط تبادل إطلاق النار المستمر على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية»، مساوية المقاومة الفلسطينية بالعدو الإسرائيلي، ومتبنّية تسمية «الحدود اللبنانية – الإسرائيلية». أما جمعية «كفى» فانتظرت ستة أيام قبل أن تنشر محتوى داعماً، هو عبارة عن بيانين وثلاث صور تنديداً بمجزرة المستشفى المعمداني. وانتظرت جمعية «Fiftyfifty» شلالاً من الدم قبل أن تستفيق لتسأل: «ما هو ذنب الشعب الفلسطيني الذي يريد المحافظة على أرضه؟»، في منشور وحيد بعد مجزرة المستشفى، من دون أن تتجرّأ على ذكر إسرائيل.

Share.

Powered by WooCommerce

Exit mobile version