كشف المحلل السياسي في صحيفة “معاريف” العبرية ألون بن دافيد أن الرئيس الأميركي جو بايدن أوصى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التركيز على غزة، ووعد بأن “تعالج” القوات الأميركية “حزب الله” إذا ما فتح حرباً ضد “إسرائيل”.

وكتب المحلل السياسي “الإسرائيلي”:

من الصعب معرفة أي اسم سيمنحه التاريخ للمعركة التي نحن في بدايتها. لكن، لن يكون هو الاسم الذي منحه الجيش الإسرائيلي للحملة “سيوف حديدية”.

مشكوك أيضاً أن تسمى “حرب غزة الأولى”، إذ إن جبهة الشمال كفيلة بأن تفتح في كل لحظة. الواضح لكثيرين ولنا ومن المهم لجميعنا أن نفهم أننا في حرب على الوجود. إذا لم ننتصر ونحسم فيها، فلن نتمكن من الوجود في هذا المكان… ببساطة.

الكثير من الأمور انهارت صباح السبت، الكثير من المنظومات والمفاهيم والمعتقدات. أكوام من الكلمات قيلت وكتبت حتى الآن عن الإخفاقات والقصورات التي سمحت بالمذبحة، وكتب كثيرة أخرى ستكتب عن العمى والتبطل. ولكن في الإخفاقات انهار المفهوم الذي بموجبه يمكننا العيش إلى جانب الجيران المفعمين بكراهيتنا مع تسويات اقتصادية تضمن للاحتكاك معهم أن يكون محتملاً.

لهذا المفهوم كان شركاء كثيرون: من رئيس الوزراء، عبر قادة كل أجهزة الأمن لدينا ـ وأنا شخصياً، أخطأت به. هذا الاعتقاد في أنه يمكن الحفاظ على الاستقرار تجاه المنظمات الأصولية الإسلامية التي تعيش إلى جانبنا، ذبح أيضاً صباح السبت. وقد اكتسبت الصحوة بالثمن الأكثر إيلاماً الذي ما كان لأحد أن يتصوره، لكنه حاد وواضح: لا يمكن العيش بجيرة مع الإسلام المتطرف. إذا ما بقيت “حماس” في غزة في نهاية الحرب ـ فسنتلقى صيغاً متكررة من مذبحة السبت في المطلة وكفار سابا ونتانيا. لن تكون بلدات إسرائيلية في الغلاف، لا في الحدود الشمالية ولا في تل أبيب، في النهاية أيضاً.

هناك كثيرون آخرون لا يفهمون هذا وينظرون إلى المعركة الحالية بتعابير الجولات القتالية في الماضي: ماذا سيكون وضع النهاية، من سيحكم في غزة بعد ذلك، وأي صفقة مطلوبة لتحرير المخطوفين. لكن المزيد يفهمون كل يوم بأننا نخرج إلى معركة تستهدف الحسم قبل كل شيء: إبادة كل بنى “حماس” التحتية ومقدراتها وطردها من غزة، إلى جانب الكثيرين من سكان القطاع. هم لن يتمكنوا من مواصلة السكن إلى جانبنا.

عندما تقف أمة أمام تهديد وجودي لا يطاق، فهي ملزمة قبل كل شيء بإزالته. عندما تعرضت الولايات المتحدة للهجوم في بيرل هاربر، خرجت إلى معركة تستهدف إبادة قدرات وإرادة اليابان لمواصلة القتال دون أن تتردد في ما الذي ستكون عليه طبيعة النظام في اليابان بعد انتهاء الحرب. المعركة تواصلت أربع سنوات، وكلفت ثمناً رهيباً لكن اليابان لم تعد تهديداً على سلام العالم في النهاية.

بعض من أصحاب القرار لدينا يفهمون هذا الآن، ومن المهم أن ينجح رئيس الوزراء أيضاً في فك ارتباطه عن الانشغال بنفسه وبفشله وليواظب على تحقيق النصر. كل حياة نتنياهو وهو يتعلم ويتطلع ليشبه شخصيته المثلى وينستون تشرتشل، وها هو التاريخ وفر له لحظة تشرتشلية. في الأيام الأخيرة، هو وباقي القيادة الإسرائيلية يترددون في مسألة “حزب الله”. هل يأخذوا المبادرة في الشمال ويوجهوا ضربة وقائية على “حزب الله”.. أم يركزوا على الجنوب ويعرفوا أن “حزب الله” كفيل في أي لحظة أن يفتح علينا جبهة ثانية؟ ثمة تعليلات جديدة لهذين النهجين.

مؤيدو الضربة الوقائية يدعون بأن هذه فرصة لا تتكرر: الجيش الإسرائيلي مجند وجاهز بقوة في الدفاع في الشمال، الأسطول الأميركي إلى جانبنا، وإذا ما أزلنا تهديد “حزب الله”، فسنتمكن من التفرغ للتركيز على المعركة الطويلة التي بانتظارنا في غزة.

معارضو الضربة الوقائية يقولون إنه بعد صدمة السبت، سيصعب على المجتمع الإسرائيلي اجتياز صدمة قاسية أخرى لأبراج تسقط في تل أبيب، وإصابة صواريخ دقيقة لمواقع استراتيجية وإنزال قوات “حزب الله” في أماكن مختلفة في البلاد.

يخيل أن الرئيس الأميركي حل المعضلة. في محادثاته مع نتنياهو، أوصى بايدن بحرارة أن نركز على غزة، ووعد بأن تعرف قواته كيف تعالج “حزب الله” إذا ما فتح حرباً ضدنا. للأسطول الأميركي المرابط هنا قدرات متنوعة لضرب وشل “حزب الله”، قدرات لا تملكها دولة إسرائيل. يكتفي “حزب الله” في هذه الأثناء بأعمال التحرش والاستفزاز على طول الحدود ويحاول وزن التهديد الذي يقف أمامه. في وقت كتابة هذه السطور، لم يتخذ القرار بعد إذا كان سينضم إلى الحرب.

يعدّ الجيش الإسرائيلي في هذه الأثناء خططاً عملياتية جديدة تختلف عن كل ما خطط له حتى الآن في قيادة الجنوب. الخطط العملياتية في الماضي قامت على أساس مناورات سريعة ومركزة على مراكز قوة “حماس” وأعدت بمنطق الجولة. أما الآن فيعنون بخطط بعيدة الأثر بمنطق الحسم.

النية تدمير معظم المنطقة المبنية في شمال قطاع غزة، من خط الشجاعية ـ “نتساريم” شمالاً، كل مدينة غزة، جباليا، وبيت حانون، وبيت لاهيا.

تعتزم إسرائيل تفعيل قوى نارية لم يشهد لها مثيل في أي من حروبنا السابقة، ودحر سكان شمال القطاع إلى قسمه الجنوبي. عندما ستدخل القوات المناورة لن تكون على الأرض مبان ولا مدنيون. سيركز القتال على رجال “حماس” الكامنين في أنفاق غزة التحتية.

هذه الخطوة ستخلق ضغطاً شديداً على حدود مصر وستؤدي إلى توتر مع المصريين، لكن ليس لإسرائيل الكثير من البدائل ـ نحن ملزمون بإبعاد الغزيين عن بلداتنا. وسيكون مطلوباً حل سياسي لإسكان هؤلاء اللاجئين في دول أخرى.

هذه ليست خطوة يحركها الثأر، رغم أن مشاعر الثأر تعتمل في أوساطنا، هذه خطوة بقاء أمة كاملة. خراب غزة سيكون إشارة وعبارة للمصير المرتقب لكل جار لنا يقوم علينا. هذه المعركة ستستغرق أشهراً، ستكون لها أثمان باهظة، لكن سيتعين علينا في نهايتها أن نعرف بأنه لن تجد أي عائلة إسرائيلية نفسها مرة أخرى وحدها في الغرفة الأمنية أمام وحوش إجرامية.

عندما نرى حجم الخراب في الغلاف، من الصعب أن نتصور كيف وهل سيعود إليها السكان الذين نجوا من المذبحة، لكننا ملزمون بالتجرؤ على أن نتصور بأننا سنعيد بناء البلدات، وقد تكون لها هذه المرة مطلة على البحر أيضاً.

Share.
Exit mobile version