نتنياهو “المراوغ”: أهدافه الشخصية ستمدّد الحرب عاماً آخر
منير الربيع المدن
بمناسبة وفاة مساعد وزير الخارجية الأميركي والسفير الأميركي في إسرائيل سابقاً مارتن انديك في شهر تموز الفائت، كتب زميله وصديقه المقرب، وهو المنسّق لعملية السلام في الشرق الأوسط دنيس روس، مقالاً حول العمل المشترك بينهما تجاه عمليات السلام في المنطقة وحلّ الدولتين. يشرح روس في المقال الصعوبات التي اعترضت حلّ الدولتين، ويحمّل رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو مسؤولية فشلها. ويقول روس في مقالته إن انديك كان يعتقد دائمًا أن مصالح أميركا في الشرق الأوسط تتحقق من خلال وجود إسرائيل قوية، ومن خلال العلاقة القوية الأميركية الإسرائيلية. مشيراً إلى جرأة رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين في اتخاذ قرارات صعبة لإبرام اتفاق السلام أو اتفاق أوسلو. ويقول إن انديك رأى بوضوح ثباتاً في مواقف رابين، بينما رأى في نتنياهو المناورة.
وينقل روس في المقال: “في نظر مارتن، كانت التزامات رابين مقدسة، بينما كانت التزامات نتنياهو ظرفية وغير موثوقة. علاوة على ذلك، فقد شعر أن المصالح السياسية الذاتية لنتنياهو لها دائمًا الأسبقية على أي شيء آخر، بما في ذلك احتياجات الولايات المتحدة ومخاوفها”.
مصالح نتنياهو
يصحّ هذا الكلام في أي زمان ومكان وعند أي محطّة ومفصل بشأن نتنياهو، الذي لا يزال يتحدث عن تغيير الشرق الأوسط، ويخوض حرباً تلو الأخرى للقضاء على حلّ الدولتين، ولتغيير الوقائع العسكرية والتوازنات السياسية في المنطقة، من خلال الحرب على غزة ولبنان، وربما انتقالها لاحقاً إلى إيران.
مناسبة استحضار المقال وتوصيفات مسؤولين أميركيين لنتنياهو، هي محاولة لفهم ما يفكّر به الرجل من خلال الحرب التي يخوضها، ويريد لها أن تستمر وتتوسع، وإذا تمّت مطابقة المسار الذي ينتهجه بتقييم انديك له حول أسبقية المصالح السياسية الذاتية لنتنياهو على أي شيء آخر، فيجدر الخوف حينها من أن يطيل نتنياهو أمد الحرب إلى أيلول العام 2025، موعد الانتخابات الإسرائيلية، والتي يسعى إلى الفوز فيها مجدداً بالرهان على الحروب التي يخوضها والإنجازات العسكرية والأمنية التي يحققها وفق ما يعتبر.
التسريبات الإعلامية
مناسبة الكلام أيضاً، هو الضخ الإسرائيلي الكبير حول إمكانية الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان قريباً، علماً أن اللبنانيين لا يرون جدية في هذا الكلام، بل يضعونه في خانة الحروب النفسية التي يعتمدها الإسرائيليون منذ أكثر من سنة في غزة كما في لبنان.
ترافقت هذه التسريبات الإعلامية الإسرائيلية مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وما يدور حولها من كلام لجهة سعي ترامب إلى إنهاء الحرب سريعاً في الشرق الأوسط، والكلام عن استعداد إيراني- ترامبي للتواصل والانفتاح وإبرام اتفاقات. علماً أن نتنياهو يراهن على ترامب لإطلاق يده في المنطقة، ويستند على نصيحة أسداها له ترامب في ضرب المشروع النووي الإيراني، أو أن أي اتفاق سيحصل لابد أن تتوفر فيه ظروف “انتصار إسرائيل”.
ومما سرّبه الإعلام الإسرائيلي أيضاً، معلومات عن إعطاء ترامب ضوءاً أخضر للمبعوث الأميركي آموس هوكتشاين لمواصلة مهامه أو مساعيه بين لبنان وإسرائيل. علماً أن المعلومات الدقيقة تؤكد أن هوكشتاين يبقى في منصبه حتى نهاية ولاية بايدن، وطالما أنه في هذا المنصب فيفترض به التنسيق مع إدارة بايدن من جهة، ومع فريق عمل ترامب كرئيس منتخب من جهة أخرى، بانتظار أن يسلّم الملف لشخصية أخرى، إلا اذا ارتأى ترامب تكليفه بمتابعة المهمة.
“إبن إسرائيل”
في هذا السياق، يدور الكلام عن زيارة محتملة سيجريها هوكشتاين إلى المنطقة سعياً وراء تحقيق وقف إطلاق النار، بينما آخرون يعتبرون أنه لا بد من انتظار لقاء بايدن وترامب الذي سيعقد يوم الأربعاء، وسيتم البحث خلاله في الحرب على غزة ولبنان. وبناء على هذا الاجتماع، يمكن أن يتحرك هوكشتاين مجدداً. وبحال استمرّ هوكشتاين في منصبه مع ترامب فهذا سيعود لسبب أساسي، وهو تأييد إسرائيل لهذا الخيار. هنا لا بد من العودة إلى العلاقة الإسرائيلية مع هوكشتاين، ويمكن تشبيهها في طريقة تعاطي نتنياهو مع مارتن انديك ودنيس روس وكلاهما يهوديان. فبحسب ما ينقل عالمون في أميركا، فإنه على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر بين نتنياهو وروس وانديك، إلا أن نتنياهو كان ينظر إليهما كأبناء لإسرائيل. الأمر نفسه على الأرجح ينطبق على هوكشتاين الذي عاش في إسرائيل وخدم في جيشها. لذا، فإن أي اتفاق يريده نتنياهو من خلال هوكشتاين سيكون مرتبطاً بتلبية المصالح الإسرائيلية.
في ظل التسريبات الإسرائيلية المتعمدة حول قرب إنجاز اتفاق لوقف النار، تستبعد مصادر متابعة أي إمكانية لوقف إطلاق نار، لا سيما أن نتنياهو لم يحقق الأهداف التي وضعها، وحزب الله لا يزال يمتلك قوة كبيرة في إطلاق الصواريخ ومنع سكان الشمال من العودة. ما يعني أن وقف إطلاق النار سيمنح الحزب انتصاراً. وترجح المصادر أن يكون تسريب الأجواء الإيجابية هو جزء من الحرب النفسية، وأن وقف الحرب سيحصل إذا تعرضت إسرائيل لضربات قاسية وخسائر كبيرة، أو أن تلجأ إسرائيل إلى تغيير استراتيجيتها العسكرية بوقف العملية البرية مقابل استمرار عملياتها الجوية، أو تأجيل توسيع العملية البرية مع استمرار الضربات المتبادلة إلى الربيع المقبل. فمع تغير عوامل الطقس، تطلق معركة برية جديدة وموسعة.
بين روسيا وأميركا
كل الرهانات على وقف إطلاق النار، توضع في قالب يتصل بانتخاب دونالد ترامب ومساعيه لوقف الحرب، مع إغفال الاستراتيجية التي سيعتمدها ترامب. علماً أن إسرائيل تراهن عليه لإطلاق يدها أكثر عسكرياً أو سياسياً من خلال تحقيق الأهداف التي تريدها. هنا يتعمّد الإسرائيليون تسريب أجواء إيجابية حول المفاوضات كي يتم فتح قنوات متعددة مع جهات مختلفة، وكي لا تكون إسرائيل في موقع الذي يعرقل التفاوض. وفي المقابل تواصل تل أبيب الضغط على حزب الله وارتكاب المجازر في لبنان، ضمن استراتيجيتها “التفاوض بالنار”.
في هذا السياق، نشر الإعلام الإسرائيلي خبراً عن زيارة سرّية أجراها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي رون ديرمر إلى روسيا، للبحث مع المسؤولين الروس حول كيفية قطع طرق الإمداد عن حزب الله في سوريا، لكن الزيارة أيضاً ترتبط بمسار جديد يتلمّسه نتنياهو بين أميركا وروسيا. بمعنى أن نتنياهو يستعد للمرحلة المقبلة التي ستشهد لقاءات وعلاقات تنسيقية بين ترامب وبوتين، تبدأ في أوكرانيا ولا تنتهي في سوريا، وتشتمل على وضع حزب الله في لبنان، وعلى إيران والملف النووي. بهذه الزيارة يريد نتنياهو أن يحجز لنفسه موقعاً على الطاولة الروسية الأميركية سعياً وراء تحقيق الأهداف التي يريدها.