نوّاف سلام بمواجهة “الحزب”… أين العهد؟
زياد عيتاني
سألني الصديق مصطفى فحص، وهو المعروف بقربه من الرئيس نوّاف سلام: “أليست مستغربةً الحملة على الرئيس نوّاف من قبل “الحزب”، التي بدأت في المدينة الرياضية وتستمرّ اليوم”. أجبته متسائلاً بروح الدعابة: “لمَ أنتم منزعجون؟ على الرئيس نوّاف إرسال كتاب شكر لـ”الحزب” وقياداته. أهمّ إنجاز حقّقه الرئيس نوّاف منذ تشكيل الحكومة هو أنّ الحزب هاجمه”. ضحك صديقي مصطفى قائلاً: “سأخبر الرئيس نوّاف بذلك، لكن ليس عن لسانك”.
منذ دخول “الحزب” السياسة بتفاصيلها اليومية، تميّز بمهارته في تقديم الخدمات المجّانية لخصومه في السياسة. هكذا فعل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ مطلع التسعينيات حتّى لحظة اغتياله عندما أطلق حلفاؤه، كي ينتقدوه ليلاً ونهاراً، من “بركيل” قريطم، وصولاً إلى اتّهامه بصاحب المشروع المشبوه. ساعدت هذه الحملة بتحوّل الرئيس الشهيد إلى زعيم على مستوى الوطن عابرٍ لكلّ الطوائف.
هكذا فعل “الحزب” أيضاً مع المعارضة في عهد إميل لحّود، عندما حشد أنصاره في 8 آذار 2005 في ساحة رياض الصلح. استفزّ الناس والعباد فنزل الملايين إلى ساحة الشهداء في 14 آذار 2005 مقتلعين كلّ يابس فباتت “ثورة الأرز” تُطلق على ثورتهم.
هكذا أيضاً فعل السيّد حسن نصرالله عام 2008 عندما وصف عدوان 7 أيّار على بيروت وجبل لبنان والناس الآمنين باليوم المجيد، فحوّل أهل بيروت في الانتخابات النيابية عام 2009 إلى تسونامي بيروتيّ منح الرئيس سعد الحريري أكثريّة لم ينَلها أحد قبله أو بعده.
منذ دخول “الحزب” السياسة بتفاصيلها اليومية، تميّز بمهارته في تقديم الخدمات المجّانية لخصومه في السياسة
“الحزب” لم يتغيّر
على الرغم من غياب السيّد حسن وكلّ القيادات التقليدية، لم يتغيّر “الحزب”. ما يزال يسير على النهج نفسه مقدّماً الخدمات السياسية المجّانية لخصومه. الآن حان دور الرئيس نوّاف سلام، الرجل القادم من بلاد الاغتراب، وتحديداً من محكمة العدل الدولية، الذي لا يمتلك كتلة نيابية صغيرة أو كبيرة، ولا قاعدة شعبية واضحة متماسكة في تأييده.
يُستنزف رصيده السياسي، من سمعة ودعاية، يوماً بعد يوم لعدّة أسباب، منها ما يتحمّل مسؤوليّته الرئيس نوّاف نفسه، ومنها ما وضعته بمواجهته الظروف، حتّى وصل الأمر إلى ولادة قناعة واسعة معمّمة بين الناس والصالونات السياسية بأنّ الرجل القادم من الغربة ستنتهي رحلته المحلّية مع نهاية الانتخابات النيابية صيف 2026.
الرئيس نوّاف
لا بريق أمل لعودته إلى السراي الحكومي. لا بل أكثر من ذلك عمد الرئيس نجيب ميقاتي في مجالسه الخاصّة والعامّة أخيراً إلى ترداد أنّ سلسلة من الاعتراضات الشعبية والنقابية مرشّحة للانفجار في الشارع، ومن شأنها إسقاط حكومة نوّاف سلام قبل الانتخابات النيابية.
في ليلة وضحاها، في حوار صحافي واحد خارج الأراضي اللبنانية، تحوّل الرئيس نوّاف سلام من رئيس مغترب لا يعرف ما يفعل، متردّد تجاه “الحزب” وسلاحه، إلى رئيس مقاتل شرس وكأنّه هو القادم من المؤسّسة العسكرية لا رئيس الجمهورية جوزف عون، شرس تجاه حصريّة السلاح غير متردّد، لا بل أكثر من ذلك وصل الرئيس نوّاف بهجومه إلى إيران ومسألة تصدير الثورة. لقد ناطح كبيرهم، كما يُقال، عندما انتقد الإمام الخميني ومذهبه في تصدير الثورة.
لم يصبح الرئيس نوّاف سلام الآن، بفضل عبقريّة “الحزب” وقياداته وجمهوره في المدينة الرياضية، النجم الأوّل في لبنان وحسب، وهنا سرّ الكلام، بل أيضاً في الخارج.
الآن حان دور الرئيس نوّاف سلام، الرجل القادم من بلاد الاغتراب، الذي لا يمتلك كتلة نيابية صغيرة أو كبيرة، ولا قاعدة شعبية واضحة متماسكة في تأييده
الثّابت والمتحوّل
بالعودة إلى الحوار مع صديقي مصطفى فحص، قبل أن نودّع بعضنا قال: “أخشى ما أخشاه أن يكون “الحزب” يفضّل عودة الحرب مع إسرائيل على قرار تسليم سلاحه للدولة اللبنانية”.
تعامل “الحزب” مع نوّاف سلام تماماً كما تعامل مع كلّ رؤساء الحكومات منذ عام 2005 على قاعدة الثابت والمتحوّل. ينظر إلى رئاسة الجمهورية على أنّها الثابت، فيما رئاسة الحكومة هي المتحوّل.
عادت “حليمة إلى عادتها القديمة”. يرى “الحزب”، أنّ معارضة رئاسة الجمهورية، بخاصّة في أوّل العهد، معركة خاسرة، فالرئيس باقٍ في مركزه لا يُقال ولا يستقيل ولا تعصف به الريح. معارضة رئاسة الجمهورية وإن كان لا بدّ منها، فهي غير محرّمة في الأشهر الأخيرة من ولايته كما حصل مع الرئيس الأسبق ميشال سليمان أيّام مصطلح المعادلة الخشبيّة. فيما معارضة رئيس الحكومة بالنسبة لـ”الحزب” هي معركة رابحة. استقالة أيّ رئيس للحكومة واردة ومقبولة ومرحّب بها ودائماً لها من يؤيّدها في الساحتين السياسية والشعبية.
“الحزب” عندما يكيل أمينه العامّ المديح لرئيس الجمهورية وقائد الجيش في خطابه الأخير، ثمّ يُرسل أحد المنشدين لديه إلى المدينة الرياضية بمذياع كبير ليشتم رئيس الحكومة، فهذا يعني أنّه قرّر خوض معركة مع العهد كلّ العهد تحت عنوان “نوّاف سلام”.
“الحزب” يدرك ما يريد. فهل العهد، كلّ العهد، من رئيسه إلى وزرائه والقوى السياسية التي تؤيّده، وبخاصّة المسيحية، يدرك ما يفعله “الحزب”؟
الحملة على نوّاف سلام يتعامل معها العهد والقوى المسيحية بما يشبه اللامبالاة وكأنّها معركة فرديّة بين نوّاف و”الحزب”، وهنا مكمن الخطورة وللكلام تتمّة