البلديات أمام امتحان الثقة والشفافية
كتب داود رمال في “الانباء الكويتية”:
بعد إنجاز الانتخابات البلدية والاختيارية في مختلف المحافظات اللبنانية، برزت مواقف رسمية تعبر عن قراءة شاملة لهذا الاستحقاق الديموقراطي، وتضع خريطة طريق للمجالس المحلية المنتخبة تستند إلى المسؤولية والعمل الجماعي والمؤسساتي.
وحملت الكلمات الموجهة إلى الرأي العام تهنئة واضحة للفائزين، سواء عبر صناديق الاقتراع أو بالتزكية، إلا أن التهنئة لم تكن تقليدية، بل مشفوعة بنداء لتحمل أمانة ثقيلة، تتمثل في ترجمة ثقة الناخبين إلى أداء فعلي يلبي الطموحات التنموية والخدماتية، في ظل عجز مركزي مزمن وانهيار إداري يضرب مؤسسات الدولة.
في هذا الإطار، تعتبر المجالس البلدية بمثابة خط الدفاع الأول عن المجتمع المحلي، لاسيما في ما يتعلق بتأمين الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرقات، إلى جانب دورها في خلق فرص عمل للشباب والتفاعل البناء مع الإدارات الرسمية. الدعوة كانت واضحة إلى أن يكون المنتخبون صوت الناس الحقيقي، والحارس الأمين على المال العام، من خلال تبني نهج شفاف في الإدارة والمحاسبة، ومقاطعة الزبائنية والمحسوبيات، والانفتاح على المبادرات المجتمعية التي تعزز التماسك الاجتماعي وتحافظ على هوية البلدات.
بالتوازي، كانت إشادة بالمؤسسات الإدارية والأمنية والقضائية التي ساهمت في إنجاح العملية الانتخابية، في إشارة إلى حرص الدولة على الاضطلاع بدورها كضامن للانتخابات على رغم التحديات. وتم إبراز المهنية التي تحلت بها وزارة الداخلية، والدقة التي طبعت أداء الأجهزة القضائية، إلى جانب الدور الفاعل للمؤسسات الأمنية في تأمين أجواء الاقتراع، ما عزز الثقة الشعبية بالمسار الديموقراطي، وأكد أن الانتخابات لاتزال أداة فعلية للتعبير الشعبي وبناء الشرعية.
إلا أن المقاربة لم تخل من الواقعية، مع الإقرار بوجود ثغرات وتجاوزات رافقت العملية، ودعوة إلى استخلاص العبر لمنع تكرارها، والتشديد على مسؤولية الحكومة في التحضير الجدي والمبكر للانتخابات النيابية المقبلة، من خلال مراجعة شاملة للقوانين الانتخابية، وتحديث منظومة إدارة العمليات الانتخابية بما يضمن تمثيلا عادلا ومعبرا عن تطلعات اللبنانيين.
هذه المواقف، التي تنأى عن الطابع الاحتفالي التقليدي، تعكس توجها إصلاحيا في مقاربة الاستحقاقات الانتخابية، منطلقا من الحوكمة المحلية ومتجها نحو إعادة الاعتبار للدولة ككل.
نجاح الانتخابات البلدية لا يجب أن يقرأ كإنجاز شكلي، بل كمؤشر مبكر على مدى جهوزية الدولة لإجراء الانتخابات النيابية بفعالية ونزاهة. وقد شكل اختبارا حقيقيا لمدى قدرة المؤسسات على تنظيم استحقاق وطني يتجاوز منطق الطوائف والمحاصصة، ويعيد وصل ما انقطع بين المواطن والدولة.
في المحصلة، وجد اللبنانيون أنفسهم أمام دعوة جدية لتحمل المسؤولية من القاعدة إلى القمة، في بلد تتعدد فيه الأزمات وتتعمق فيه الانقسامات، وتبرز فيه حاجة ملحة إلى ترميم الثقة، وبناء وطن يشبه تضحيات أبنائه ويليق بتاريخه العريق.