أمن و قضاء

رياض سلامة: المعتقل استجابة للتدخلات!

رياض سلامة: المعتقل استجابة للتدخلات!

قال أرسطو: “القانون هو العقل الخالي من الهوى.”، في تأكيد على أن العدالة الحقيقية لا تتحقق إلا عندما يكون القانون مجردًا من التحيز، بعيدًا عن المصالح السياسية والاعتبارات الشعبوية. فالقانون ليس أداة في يد من يفسّره وفق أهوائه، بل ميزان يُفترض أن يُطبق على الجميع بالمعايير نفسها. لكن في لبنان، يبدو أن هذا الميزان قد اختل، حيث يُستخدم القانون بانتقائية، ويخضع لمزاجية بعض القضاة الذين يتجاهلون أصول المحاكمات الجزائية، في مشهد يعكس انهيار مفهوم العدالة واستبداله بمعايير استنسابية تُهدد مصداقية القضاء برمّته.

في قضية رياض سلامة، لم يعد الجدل محصورًا في التهم الموجهة إليه، بل في الطريقة التي يُدار بها الملف قضائيًا، والتي باتت تُثير تساؤلات جوهرية حول احترام القانون وأصول المحاكمات. فبعد أكثر من ستة أشهر على توقيفه، لا يزال سلامة محتجزًا، في خرق واضح للمادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تحدد سقف التوقيف الاحتياطي في الجنايات بستة أشهر كحد أقصى، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط بقرار قضائي معلل، باستثناء بعض الجرائم المحددة مثل القتل والمخدرات والإرهاب. ومع ذلك، ورغم انتهاء المهلة القانونية، لم يتم البت في طلب الإفراج عنه، مما يجعل استمرار توقيفه خارج أي إطار قانوني واضح، ويطرح تساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء هذا التجاوز الصارخ.

هذا الانتهاك ليس الوحيد في الملف، بل سبقه العديد من التجاوزات التي تعكس تسييس القضاء واستخدامه كأداة ضغط، بدءًا من إغلاق التحقيق دون استجواب شخصيات رئيسية يُفترض أن تكون جزءًا من القضية، إلى إصدار مذكرات توقيف بحق محامين لم يخضعوا لأي استجواب، في خرق فاضح لحقوق الدفاع، وصولًا إلى تجاهل قرارات محكمة التمييز التي كانت تنظر في الطعون المقدمة.

الخطير في الأمر أن القضاء لم يكتفِ بهذه المخالفات، بل تجاهل أيضًا البت في طلبات إخلاء السبيل، رغم انتهاء مدة التوقيف الاحتياطي، وهو ما يفتح المجال أمام تساؤلات حول ما إذا كان هذا الملف قد خرج من إطاره القضائي وتحول إلى قضية شعبوية أكثر منه قضية جنائية تستند إلى أدلة قانونية دامغة.

يُضاف إلى ذلك أن سلامة يواجه مذكرة إنتربول دولية، ما يعني أنه لا يستطيع مغادرة لبنان حتى لو أراد ذلك، فضلًا عن أن جواز سفره محتجز لدى السلطات اللبنانية، مما ينفي أي إمكانية لهروب محتمل. كما أنه لم يتخلف يومًا عن حضور التحقيقات، بل على العكس، تم توقيفه أثناء حضوره الطوعي للتحقيق، وهو ما يُفترض أن يكون عاملًا إضافيًا يدفع القضاء إلى تطبيق المادة 108 بحذافيرها والإفراج عنه، خصوصًا في ظل غياب أي مبرر قانوني لاستمرار احتجازه.

استمرار هذه الاستنسابية في التعاطي مع الملف، في ظل أزمة مالية غير مسبوقة يواجهها لبنان، يضع القضاء اللبناني أمام اختبار صعب. وإذا كان القضاء اللبناني يسير في هذا الاتجاه، فكيف يمكن استعادة الثقة بمؤسساته، وهو نفسه أول من ينتهك القوانين التي يُفترض أن تكون ضمانة للعدالة؟ والأخطر في ملف سلامة المعلومات القضائية التي باتت تتسرّب عن أن أعلى مرجعية قضائية في لبنان هي من تمارس الضغوط على القضاة المعنيين للاستمرار في توقيف سلامة خلافاً للقانون استجابة لمطالب فرنسية، بعد عجز القضاء الفرنسي عن الادعاء على سلامة بعد أكثر من 4 سنوات من التحقيقات المفتوحة من دون أي ادعاء!

ما يجري في ملف رياض سلامة ليس مجرد خلل في الإجراءات، بل هو مؤشر إضافي على أن القضاء في لبنان بات يُدار بمعايير مزدوجة، حيث يتم استهداف البعض بقرارات تعسفية، بينما يتم التغاضي عن مخالفات أخرى، مما يضع مفهوم العدالة نفسه موضع شك. فإذا كان الهدف محاسبة الفاسدين، فكيف يمكن تبرير خرق القوانين تحت شعار مكافحة الفساد؟ وكيف يمكن لقضاء ينتهك القوانين أن يُطالب باحترامها؟

ما يحصل اليوم ليس مجرد قضية فردية، بل اختبار حقيقي لمدى التزام القضاء اللبناني بالقوانين، ومدى قدرته على الفصل بين القانون والسياسة. فهل يتحرك التفتيش القضائي ووزير العدل لتصحيح هذه الانتهاكات، قبل أن تتحول إلى قاعدة عامة تقضي على ما تبقى من مفهوم العدالة في لبنان؟ أم أن البلاد دخلت مرحلة جديدة من “العدالة الانتقائية”، حيث يُستخدم القانون كأداة انتقام بدلًا من أن يكون ميزانًا للحق؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce