عودة “بلاد الأرز” إلى الحضن العربي من بوابة المملكة
عودة “بلاد الأرز” إلى الحضن العربي من بوابة المملكة
جاء في “الراي الكويتية”:
تتشابك الأبعادُ الـ «فوق عادية» التي تجعل زيارةَ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للسعودية، الإثنين، محطةً استئثنائيةً في إطار تأكيد انطلاقةِ قطار «لبنان الجديد» وعودة «بلاد الأرز» إلى الحضن العربي من بوابة المملكة التي باتت حجر رحى في العلاقات الدولية وقاطرة للسلام العالمي.
وعلمت «الراي» أن الإطلالةَ الخارجيةَ الأولى للعهد الجديد كان من المأمول أن تتمّ من السعودية عبر حَدَثَ استثنائي يتمثّل في زيارة وفدٍ كبيرٍ يتقدّمه عون ويضمّ رئيسَ الحكومة نواف سلام وعدداً من الوزراء ويتخلّله توقيع نحو 22 اتفاقاً «من دولة إلى دولة» كانت مُعَدّة وتحتاج إلى «روتشات»، وهي الأهمّ على مدى آخِر 100 عام ومن شأنها مأسسة العلاقة التاريخية بين بيروت والرياض.
وفي معلومات خاصة بـ «الراي» أن ضيقَ الحيز الزمني بين نيْل حكومة سلام الثقة (الأربعاء) والقمة العربية الطارئة المخصصة لمناقشة مجريات القضية الفلسطينية في القاهرة الثلاثاء لم يُفْسِح أمام إعداد برنامج عمل الزيارة – الحدَث للسعودية التي كان الرئيس عون وَعَدَ بأنه سيدشّن منها إطلالاته الخارجية، عندما تلقّى دعوةَ ولي العهد رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان خلال اتصال التهنئة بانتخابه، الأمر الذي يجعل زيارته الاثنين للمملكة محطةً رمزية لها دلالات بالغة الأهمية، ليس أقلّها معاودة لبنان «الوصْلَ» مع عمقه العربي عبر الجسر السعودي.
ولم يكن عابراً أن يظهّر الرئيس عون عشية الزيارة (وفي حديث إلى صحيفة «الشرق الأوسط») نهجاً جديداً في مقاربة ليس فقط الاعتبارات العميقة التي تحتّم تعزيز الروابط التاريخية مع السعودية، بل أيضاً العناوين السيادية التي عبّر عنها انتخابُه في 9 كانون الثاني الماضي وبعدها تكليف سلام تشكيل الحكومة الـ تكنو – سياسية، على وهج التحولات الاستراتيجية في المنطقة والتي شكّلت حرب لبنان الثالثة – المربوطة بـ «طوفان الأقصى» – شرارةً رئيسية أتاحت تَمَدُّدها إلى سورية – الأسد وربما إلى… ما بعد بعد.
رؤية 2030
وفي مواقفه أكد عون أن «لبنان يستطيع أن يكون ضمن رؤية سمو ولي العهد محمد بن سلمان، رؤية السعودية 2030»، مشيراً إلى أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدين.
ورأى أن «السعودية صارت إطلالة للمنطقة وللعالم كله. وصارت منصة للسلام العالمي؛ ولذلك اخترتُ السعودية لعلاقتها التاريخية. وآمل وأنتظر من السعودية وخصوصاً ولي العهد سمو الأمير أن نصوّب العلاقة لمصلحة البلدين، ونزيل كل العوائق التي كانت في الماضي القريب، حتى نبني العلاقات الاقتصادية والطبيعية بيننا، ويعود السعوديون إلى بلدهم الثاني لبنان، واللبنانيون اشتاقوا للسعودية»، وموضحاً أنه خلال الزيارة «سأطلب – إذا كان ممكناً – إعادة تفعيل الهبة (المساعدات العسكرية التي كانت تقدمها السعودية إلى الجيش اللبناني)».
بناء الدولة
وفي الشق السيادي، المرتبط بسلاح «حزب الله» والقرار 1701، شدد عون على أن «هدفنا بناء الدولة. وإذا أردنا أن نتحدث عن مفهوم السيادة، فمفهومها حصر قرارَيْ الحرب والسلم بيد الدولة، واحتكار السلاح أو حصر السلاح بيد الدولة (…) متى يتحقق؟ أكيد الظروف ستسمح، والظروف تتحكم بطبيعة الأمر بتحقيق الهدف الأساسي. وأكيد مع انتشار الجيش على مساحة الأراضي اللبنانية كافة».
وأضاف: «انتهى، ولم يعد مسموحاً لغير الدولة القيام بواجبها الوطني في حماية الأرض وحماية الشعب. ليس مسموحاً لأحد آخَر لعب هذا الدور. وعندما يصبح هناك اعتداء على الدولة اللبنانية، الدولة تتخذ القرار، وهي ترى كيف تجند عناصر القوة لصالح الدفاع عن البلد. وإذا الدولة احتاجت ووجدت أن هناك ضرورة للاستعانة بالآخرين بشعبها، فهي تتخذ القرار،» وتحدد مقدار الاستعانة «في الاستراتيجية الدفاعية».
وفيما شدد على ضرورة أن تكون علاقات لبنان «ندّية ومتوازنة» مع كل الدول، بما فيها إيران وسورية، كرر أن «اللبنانيين تعبوا من حروب الآخرين على أرضهم»، موضحاً أن لبنان «أصبح يستحق أن تكون لديه نقاهة اقتصادية وسياسية، وتعب من تَحارُب السياسيين ومسؤوليه. وربما بعض الأصدقاء تعبوا منا، وهذا كان الهدف من خطاب القسم وهو بناء الدولة».
ولفت إلى «أننا ملتزمون بتطبيق القرار 1701 على كامل الأراضي اللبنانية، وبدأنا به في الجنوب وأعطيناه الأفضلية. وهناك تعاون من الجميع، ولاحقاً نعود إلى مرحلة أخرى؛ لأننا نريد أن نمشي خطوة بخطوة لنحقق هذا الشيء».
«حق حرية الحركة»
وتأتي زيارةُ عون للسعودية في الوقت الذي تتعاظم التحديات أمام لبنان الرسمي الذي يبدو واقعاً بين مطرقة مندرجات اتفاق وقف النار مع اسرائيل وتطبيق القرار 1701 وسندان «الإطباق» الإسرائيلي على تنفيذها بموازين «التفوّق» الذي عبّرت عنه الحرب ونتائجها، وصولاً إلى احتفاظها بخمس تلال إستراتيجية على الحدود ومضيّها في تظهير «حق حرية الحركة» وضرب أهداف في كل لبنان «درءاً لخطر وشيك» أو في طور التشكّل، مع توسيع إطار دائرة «المحظورات»، من السلاح والمقاتلين إلى الأموال التي تعتبرها من «شرايين» إحياء «حزب الله» وقدراته.
وفي هذا السياق كان بارزاً تطوران:
– ما نقلته محطة «الحدث» عن مصادر من أن إسرائيل أبلغت إلى لبنان وجوب تحذير «حزب الله» من مغبة الاستمرار في «نقل الأسلحة في الهرمل» وأنها ستستهدف كل نقاط الحزب إذا واصل خرق الاتفاق، و«لن تحيّد الضاحية الجنوبية» من ضرباتها.
– ضبْط دائرة المسافرين والسوق الحرة في مديرية الجمارك في مطار رفيق الحريري الدولي مبلغ قدره مليونان ونصف المليون دولار مع أحد المسافرين القادمين من تركيا، وسط تقديراتٍ بأن هذه الأموال كانت مخصصة لـ«حزب الله» من ضمن مسارٍ بديلٍ عن إيران التي توقّف قبل نحو أسبوعين هبوط طائراتها في بيروت بعد تحذير إسرائيلي من استهداف المطار بحال حطّت رحلةٌ زعمت أن على متنها أموال للحزب سيستخدمها لمعاودة بناء قدراته، ما جعل بيروت تعلّق الرحلات من وإلى طهران إلى أَجَل غير مسمى. علماً أن الطائرات الآتية من العراق تخضع بدورها لتفتيش دقيق.
ومعلوم أن وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر، سبق أن أعلن قبل نحو أسبوعين أن «تركيا تتعاون مع إيران في تهريب الأموال لحزب الله»، وقال حينها «لقد تصاعدت جهود طهران لنقل الأموال إلى لبنان من أجل إحياء قوة الحزب ومكانته. ويتم تنفيذ هذه الجهود، من بين قنوات أخرى، عبر تركيا وبالتعاون معها».