منوعات

في زمن عيد الحب… الزواج في لبنان: حلم مؤجل أم مؤسسة تحتضر؟

في زمن عيد الحب… الزواج في لبنان: حلم مؤجل أم مؤسسة تحتضر؟

“قد يتزوج البعض ليكتشفوا لاحقاً أنهم يفضلون الحرية، أو أن ميولهم الجنسية لا تتلاءم مع فكرة الزواج، فيتحول إلى جحيم”.

أيام تفصلنا عن عيد الحب، موسم الورود الحمراء والهدايا، وتجدد العهود بالحب الأبدي الذي قد يبتعد بنا إلى مستقبل واعد، بينما يسقط البعض الآخر في غياهب الشهور والخلافات. وعند الحديث عن العلاقات وأبديتها، يتبادر إلى الذهن مفهوم الزواج. في ظل التغيرات المستمرة في لبنان، وما يرافقها من انهيار اقتصادي وأزمات متعددة، كيف تأثرت رغبة الشباب بالزواج ورؤيتهم تجاه هذه المؤسسة الاجتماعية؟

 

 

 

توفر إحصائيات المديرية العامة للأحوال الشخصية نظرة مفيدة، حيث بلغ عدد معاملات الزواج في لبنان لعام 2024 نحو 25,628، مقارنة بـ 30,553 في العام السابق. في المقابل، سجّلت معاملات الطلاق 6,894 في 2024 مقابل 8,541 في 2023. يُظهر هذا تراجعاً ملحوظاً في معدلات الزواج، ما يطرح تساؤلات: هل هذا ناجم عن الأزمة المالية التي تضرب البلاد، أم يعكس تحولًا في معتقدات الشباب وميولهم نحو علاقات أكثر حرية بعيداً عن قيود الزواج؟ 

من جهة أخرى، نُلاحظ انخفاضاً في معدلات الطلاق. لكن يتبادر إلى الذهن: هل فعلاً تراجعت معدلات الطلاق؟ أم أن ثمة حالات طلاق صامت تحدث بعيداً عن السجلات الرسمية؟

لذا، قمنا باستطلاع آراء بعض اللبنانيين من فئات عمرية متنوعة وخلفيات مهنية وثقافية مختلفة، لنتسنى لنا فهم رؤيتهم للزواج في زمننا الحالي.

 

 

 

ما الفائدة؟

يرى مهندس معماري، 35 عاما، أن الزواج هو النتيجة الطبيعية لعلاقة حب متينة، متسائلاً: “وإلا فما الفائدة من هذه العلاقة؟”. ومع ذلك، يُرجع تردده في الإقدام على هذه الخطوة إلى الأوضاع المالية الصعبة في لبنان، مشبّها الزواج بتأسيس شركة، حيث يتطلب الأمر استثماراً كافياً لضمان نجاحه، لا سيما في مجتمع لا يزال يرى أن مسؤولية المصاريف تقع بشكل أساسي على عاتق الرجل.

ويضيف أن الزواج قد يشكل عائقاً أمام تحقيق الأحلام، سواء بسبب كثرة المسؤوليات أو اختيار الشريك غير المناسب. كما أن انتشار تطبيقات المواعدة ووسائل التواصل الاجتماعي رفع سقف التوقعات، ما ولّد خوفاً من الالتزام لدى البعض.

أما عن الدافع الحقيقي للزواج، فيختصره بالقول: “لا أحد يحب أن يكون وحيداً في هذه الحياة”.

 

 

الزواج… هزيمة و”زحطة“!

ترى شابة تبلغ من العمر 24 عاماً، وتصف نفسها بالمتمردة، أن هناك فكرة سائدة بين الناس مفادها أن الزواج يجب أن يحدث قبل سن الثلاثين، وقبل أن يبدأ هاجس الإنجاب. إلا أنها لا تشعر بهذا الضغط وتقول: “لست متأكدة بعد إن كنت أريد الزواج أو الإنجاب أصلاً”.

وعند سؤالها: لمَ لا تتزوجين؟ تجيب: “أحيانًا أنقم على الزواج لأنه يمنح شرعية للمعايير الاجتماعية التي تقيّدنا. لماذا لا يمكنني أن أحب من دون أن أتزوج؟ لماذا لا أستطيع إنجاب طفل من دون زواج؟ الزواج قد يمنح الأمان الاجتماعي، لكنه يسرق الشغف الذي يمكن أن يعيشه الحبيبان خارج إطاره. العمر المناسب للزواج هو عندما يعرف الإنسان نفسه جيداً، ويدرك ماذا يريد من الحياة”.

 

 

وتضيف: “قد يتزوج البعض ليكتشفوا لاحقاً أنهم يفضلون الحرية، أو أن ميولهم الجنسية لا تتلاءم مع فكرة الزواج، فيتحول إلى جحيم. “الزواج ليس بطيخة”، بل تخطيط مشترك، وحب لشخص قررت أن أخوض معه هذه التجربة، التي قد تستمر أو تنتهي”.

تصف الزواج بالهزيمة من منظورها النسوي، قائلة: “لماذا يجب أن يحضر شيخ ليزوجني؟ ما هذه الوصاية الذكورية؟” وتشير إلى أن معظم المتزوجين من حولها لم يقدم لهم الزواج سوى الشعور بأنهم استثمروا في إنجاب طفل، دون تحقيق أي سعادة حقيقية. وتختم حديثها بحزم: “مستحيل أن أتزوج فقط من أجل الإنجاب، بل لأحيا مع شريك أستمتع معه بممارسة أهم الأشياء في الحياة… وحتى أسخفها”.

 

“الولد بتجي رزقتو معو”

ترى بترا الحلبي، البالغة من العمر 22 عاماً وتعمل في مجال هندسة الميكانيك، أن الزواج يُعتبر أحد أهدافها الأساسية، خاصةً في سياق تشكيل عائلة. لكنها تُشير إلى أن هذه الخطوة تأتي مع العديد من المسؤوليات، بما في ذلك ضرورة اختيار شريك الحياة بعناية وتفادي اختيار والد غير مناسب لأبنائها المستقبليين.

تُركز بترا على أهمية وجود تلاقٍ بينها وبين شريكها على مستوى المبادئ والقيم التي تؤمن بها، والتي تسعى لنقلها إلى أبنائها مستقبلاً، بالإضافة إلى الحاجة إلى القدرة المادية المشتركة لتأمين حياة كريمة. وتُشير إلى التحديات التي نواجهها اليوم، موقنةً أن المثل القائل “الولد بتجي رزقتو معو” لم يعد يلقى قبولاً كما السابق.

وعن العمر المثالي للزواج، تؤكد بترا أنه لا يوجد عمر محدد، بل الأمر يتوقف على العثور على الشريك المناسب وتحمل مسؤولية هذا القرار.

عندما سُئلت عما يمكن أن يقدمه لها الزواج، أجابت: “أنا شخص عاطفي، وأحب التعبير عن مشاعري. الزواج قد يكون المكان المثالي ليطلق العنان لهذه المشاعر، ويساعدني على ملء الثغرات وتعويض الأشياء التي كانت تنقصني، كما يوفر لي فرصة لتجربة أشياء لم تُتح لي تجربتها وأنا عزباء أعيش مع أسرتي. يمنحني الزواج أيضاً استقلالية، لكني لا أعني بذلك الاستقلالية الفردية، بل الإحساس بوجود أسرة ومجتمع صغير خاص بي. وهو بلا شك يمنحني شريكاً يدعمني ويشعرني بالأمان، فالطبيعة الإنسانية تقتضي ألا نعيش وحدنا”.

 

 

أفكار مستجدة لدى النساء

يرى م. ك.، طبيب الأطفال البالغ من العمر 43 عاماً، أن الزواج يمثل استمرارية وديمومة المجتمع من خلال الإنجاب، ويعد تجسيداً للاستقرار العاطفي والاجتماعي، بالإضافة إلى كونه وسيلة لإيجاد شريك يساعد في تخطي صعوبات الحياة. أما عن أسباب تأخير الزواج، فيعزوها إلى الفقر والوضع المالي المتعثر، إضافة إلى اشتراطات معينة للحياة الزوجية التي لا تتماشى مع الواقع. كما ينتقد الأفكار المستجدة التي تدفع النساء للتركيز على مسيرتهن المهنية على حساب الحياة الزوجية.

من جهته، يعتقد سامر أبو سمرا، الذي يبلغ من العمر 30 عاماً ويعمل في مجال الإعداد والعقارات، أن الزواج تجربة شخصية تختلف من فرد لآخر. بينما قد يكون مصدر سعادة واستقرار للبعض في حال وجود تفاهم، فإن البعض الآخر يجد أنه ليس شرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار، بل قد يجدونه خارج إطار الزواج. يقول سامر: “الزواج لم يعد إجبارياً كما في السابق، لذا فهي قناعة شخصية”.

ويضيف سامر أن قراره بالزواج يتوقف على استعداده النفسي والعاطفي والمالي، خاصة في ظل الظروف المادية الحالية وارتفاع تكاليف المعيشة. ومع ذلك، يعبر عن استعداده لتحمل هذه المسؤولية، ويعتبر الزواج مصدراً للدعم العاطفي والنمو الشخصي والاجتماعي.

 

 

الميل إلى الحرية

ترى الاختصاصية في العلوم الاجتماعية والعلاقات العامة، ناديا علامة، أن الشباب اللبناني يواجه تحديات عدة، أبرزها الأزمة الاقتصادية، موضحة: “بات الزواج مكلفاً، بدءاً من تكاليف العرس وصولاً إلى المصاريف اليومية، فضلاً عن أعباء الأطفال في المستقبل”.

وتضيف أن الواقع الأمني المتقلب يشكل عاملاً آخر يؤثر على قرار الشباب بالزواج: “نعيش في بلد على صفيح من الأزمات والحروب، ما يزيد من المخاوف بشأن الاستقرار العائلي”. وتشير إلى أن الأولويات تغيرت بمرور الوقت: “نقضي سنوات في تحقيق طموحاتنا، واكتساب شهادات جامعية إضافية، والترقي اجتماعياً، حتى باتت الأولويات أكثر فردية من كونها اجتماعي”..

وتؤكد علامة أن “حسّ المسؤولية ارتفع بين الشباب، فلم يعودوا يتخذون قرار الزواج والإنجاب بتهور، بل باتوا يتعمقون في التفكير، ويسألون أنفسهم إن كانوا مستعدين حقاً لهذه الخطوة”. كما تلاحظ وجود ميل متزايد نحو الحرية الاجتماعية، قائلة: “يشعر الفرد بحرية أكبر عندما لا يكون مسؤولاً عن عائلة، إذ تقيّد المسؤوليات قراراته. ترك العمل بحثاً عن فرصة أفضل، يصبح أكثر تعقيداً عندما يكون الشخص رب أسرة”.

 

تغير مفهوم الزواج لدى الفتيات

ترى د. مي مارون، الحاصلة على دكتوراه في علم الاجتماع التربوي، أن تأخر الزواج في المجتمع اللبناني لا يمكن تعميمه على الجميع، موضحة: “هل المجتمع اللبناني متجانس؟ وهل يتأخر الزواج بالوتيرة ذاتها في الريف والمدينة، وبين المتعلمين وغير المتعلمين؟ في المجتمعات التي يتابع فيها الشباب والفتيات تعليمهم العالي، باتوا يفكرون مليّاً قبل الإقدام على الزواج، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان”. وتشير إلى أن الجيل المثقف لم يعد يؤمن بالمقولة التقليدية: “الولد بيجي رزقتو معو“.

تسلط د. مي الضوء على ظاهرة سفر الشباب بهدف الادّخار، خاصة في ظل غياب الدعم المالي كقروض الإسكان. وتشير إلى أن “مفهوم الزواج لدى الفتيات تغيّر بشكل واضح. فالمرأة المستقلة والمستقرة مادياً تفضّل الحفاظ على استقلاليتها، بدلاً من الزواج بشخص يعاني من ضائقة مالية، فتجد نفسها مضطرة لتحمل أعباء إضافية، وربما العمل في أكثر من وظيفة لإعالة الأسرة. لذلك، لم تعد الفتيات يتسرعن في اتخاذ هذه الخطوة”.

 

في زمن يعج بالحروب وتسقط فيه الضحايا بشكل يومي، تمنياتي للبنانيين على اختلاف آرائهم بالزواج أن تزدحم حياتهم بالحب في عيد الحب وفي كل يوم.. وألا يسقطوا ضحاياً أبداً إلا للحب..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce