مقالات

استباقاً لخطط ترامب: فرصة لسوريا ودور للبنان

استباقاً لخطط ترامب: فرصة لسوريا ودور للبنان

يترقب العالم ومنطقة الشرق الأوسط لسياسة واستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما بعد دخوله إلى البيت الأبيض. استبق ترامب تسلّمه للسلطة في الحديث عن مؤشرات كثيرة، منها ما يتصل بتغيير الخرائط، عندما عبّر عن رغبة في ضم قناة بنما، وجزيرة غرينلاند، وجعل كندا الولاية الـ51 من الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى حديثه عن المكسيك. أما في الشرق الأوسط، فهو تحدّث أكثر من مرة عن سعيه إلى إحلال السلام ووقف الحروب. وذلك لا يعني التلاقي مع تطلعات شعوب هذه المنطقة في الوصول إلى الرخاء أو الرفاه، بل إن منظور ترامب إلى السلام يقوم على حسابات الصفقات والمصالح والمردود الاقتصادي والتفرغ لمواجهة الصين. رغبة ترامب بوقف الحروب هي التي شكّلت ضغوطاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب على غزة، وبالقوة المعنوية التي “تمتّع” بها ترامب توقفت الحرب الإسرائيلية على لبنان، وسارع المسؤولون إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية اللبنانية استباقاً لدخوله إلى البيت الأبيض، فيما كانت سوريا تشهد تحولاً كبيراً بسقوط النظام السوري وتصدر هيئة تحرير الشام للمشهد.

التجربة السورية
دول كثيرة تسارع إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط قبيل وصول ترامب، كما هو الحال بالنسبة إلى تركيا، التي عززت من موقعها في سوريا وستخوض مفاوضات شاقة مع الأميركيين بشأن الوضع الكردي ووضع شمال شرق سوريا. وكما نجحت أنقرة في توسيع هامش نفوذها ومصالحها، يبرز اهتمام عربي بالتقدم أكثر باتجاه سوريا، وسط معلومات أصبحت مؤكدة عن الاستعداد للانخراط أكثر في مشاريع كثيرة سياسياً، اقتصادياً، واستثمارياً، مع الإشارة إلى أن مسؤولين عرب نقلوا مواقف واضحة إلى القيادة السورية الجديدة، بأن هناك فرصة حقيقية لنجاح هذه التجربة مع توفير كل الظروف الملائمة لتحقيق الانتقال السياسي السلس، مع استعدادت عربية لتوفير المساعدات اللازمة لسوريا على مستوى الكهرباء، والمصرف المركزي، ومجالات الطاقة، بالإضافة إلى الدخول في استثمارات وإعداد برامج تدريب لإعادة بناء المؤسسات. وسط حديث عن اهتمام سعودي جدي بالملف السوري ووجود نية للتعاون مع الإدارة الجديدة وإعطائها الوقت للتعلم من التجارب والأخطاء، على الرغم من الضعف الكبير في كوادر الإدارة الجديدة والأخطاء التي ترتكب.

دور لبنان
في هذا السياق، يحضر الاهتمام الأردني الإستثنائي في سوريا، من خلال التنسيق مع دول عربية عديدة. يطمح الأردن لأن يكون قاعدة أساسية لإعادة الإعمار، وأن يكون المكان الذي تتجمع فيه الشركات الدولية الكبرى لإطلاق مشروع إعادة الإعمار في سوريا، علماً أن لبنان هو الذي كان يطمح لأن يكون قاعدة أساسية لإعادة الإعمار في سوريا، وهو الذي دخل ورشة سياسية جديدة بعد إنجاز الانتخابات الرئاسية وبانتظار تشكيل الحكومة الجديدة. لكن سوريا تتقدم في سلّم الأولويات بالنسبة إلى دول المنطقة، نظراً لموقعها، ومساحتها، باعتبارها الدولة المركزية في الربط مع أوروبا والخليج، ولذلك فإن الاهتمامات تتركز على تعزيز الروابط التجارية لخلق جسور ما بين هذه الدول، وهنا يكمن تحدّ أساسي لدى لبنان في كيفية تعزيز الروابط مع سوريا، ومعها مع الدول العربية الأخرى.
ففي حال انتظام سوريا، ستحوز هي على الاهتمام الأكبر، بينما لبنان سيكون أمام تحدي انتظار اهتمام الخارج، ما يفرض عليه السعي في سبيل استقطاب هذا الاهتمام، وذلك من خلال ريادة الدور وقيادته باتجاه سوريا. بمعنى أوضح، لبنان بحاجة الى اختراع دور لنفسه، كساحة تلاقي وتعايش يتم العمل على تعميمها في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، التي تخرج من حرب شنيعة وتسعى إلى إعادة تكريس مفهوم الوحدة الوطنية والتعايش، وتحصل المكونات المختلفة على حقوقها السياسية. هذا الدور يمكن للبنان إعادة بنائه على قاعدة تحوله إلى نموذج فريد ومتجدد في منطقة المشرق العربي، قابل للتصدير إلى الخارج، وأن يضطّلع بلعب دور الوساطة في حل الكثير من النزاعات.
في استراتيجية ترامب تجاه المنطقة، والتي يلخصها بأنه يريد إنهاء الحروب، ويسعى إلى تحقيق السلام، فإن الضغوط ستتزايد على كل دول المنطقة لدفعها إلى “السلام مع إسرائيل” وفتح الطريق أمام طرق الاستثمار والتجارة وممرات الطاقة، بما يتلاءم مع المصلحة الأميركية العليا على المستوى العالمي. ومن هنا لا بد من توقع المزيد من الضغوط في المعاني السياسية أو الاقتصادية، ليس على دول المشرق فقط بل على إيران وعلى دول الخليج أيضاً، في سبيل رسم الملامح التي تريدها الولايات المتحدة الأميركية.

منير الربيع /المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce