مقالات

إيران تستعدّ لمرحلة ما بعد الأسد: مناورات حول «صندوق باندورا» السوري

إيران تستعدّ لمرحلة ما بعد الأسد: مناورات حول «صندوق باندورا» السوري
محمد خواجوئي الاخبار

طهران | لم يكن سقوط دمشق، بوصفها أقدم عاصمة عربية حليفة لطهران ما بعد الثورة الإسلامية، والتي اضطلعت بدور مهمّ ولا سيما لجهة إمداد مجموعات المقاومة بالسلاح، نبأ ساراً للسلطات في إيران. ومع ذلك، شدّد المسؤولون الإيرانيون، في تصريحاتهم التي تلت سقوط بشار الأسد، على ضرورة أن يرسم الشعب السوري مستقبل بلاده ونظامها السياسي، وعلى أن الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن بذل أيّ جهد للمساعدة على استتباب الأمن والاستقرار في سوريا. وفيما يسود التشاؤم، بعض الأوساط السياسية والإعلامية إزاء مستقبل سوريا، وخصوصاً لناحية انتشار الجماعات المسلحة وتلك المتطرّفة، فضلاً عن التدخّلات الخارجية فيها، ثمّة مَن يقول إن على طهران أن تتهيّأ لـ»سوريا ما بعد الأسد»، وتنظّم سياستها بما يتناسب مع الظروف الجديدة.
وكان «سقوط دمشق؛ نهاية مهمّة الإرهابيين وبدء هيمنة أميركا» هو العنوان العريض لصحيفة «كيهان»، ليوم أمس، في ما يظهر تشاؤم هذه الصحيفة الأصولية إزاء التحوّلات في سوريا. ورأت أن «الإرهابيين وصلوا أمس إلى دمشق في غفلة من الجيش السوري! وسقطت بالتالي الحكومة السورية. إن إجراء الإرهابيين هذا، هو في الحقيقة مكمّل لخطّة واشنطن وتل أبيب لنشر سلطة أميركا وإسرائيل على أنقاض سوريا». ومن جهتها، كتبت صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، في افتتاحيتها بعنوان «لقد فُتح صندوق باندورا في سوريا»: «لقد استغرق الوقت 11 يوماً فقط، حينما تمكّن المعارضون السوريون المنضوون تحت مظلّة تحرير الشام، من الانطلاق من إدلب إلى حلب ومنها إلى حماة وحمص، ومن ثم قطعوا مسافة 160 كيلومتراً، ليدخلوا العاصمة التاريخية لسوريا، دمشق، ويطيحوا بشار الأسد ويمسكوا بزمام الحكم في الشام؛ الحدث الذي لم يكن أحد يتنبّأ به حتى قبل أسبوعين من الآن. والآن، حيث باتت عشرات الجماعات الصغيرة والكبيرة، بدءاً من القوميين العرب وصولاً إلى السلفيين الإخوانيين والقاعدة والداعشيين، تسيطر على أجزاء واسعة من الأرض السورية (ثلثا البلاد على الأرجح)، يمكن القول إن هذا الوضع يشكّل وصفة لصندوق باندورا، وهو مفهوم معروف لوصف الأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها على خلفية تعدُّد اللاعبين، ويمكن أن ينطوي على جميع البلايا والشرور المجهولة وغير المتوقّعة».

«دخول الجمهورية الإسلامية على خط الصراع في سوريا، كان سيتسبّب بحرب كبيرة بين الشيعة والسنة»

أمّا صحيفة «إيران» الحكومية التي عنونت صفحتها الأولى بـ»دعم إيران لحقّ انتخاب الشعب السوري»، والمقتبس من تصريحات الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، وبيان وزارة الخارجية الإيرانية، فاستقبلت بنظرة إيجابية التغييرات الحاصلة في سوريا؛ إذ نقلت عن النائب السابق في البرلمان الإيراني، علي مطهري، قوله: «بما أن الموقف الإيراني من سوريا خلال الأيام الأخيرة، كان متعقّلاً للغاية وسار في الاتجاه الصحيح، وأظهر أن البلاد لم تتدخّل في التطورات الأخيرة في سوريا، فإن ذلك سيفتح نافذة أخرى على العلاقات بين إيران وسوريا. وليس خافياً على أحد أن دخول الجمهورية الإسلامية على خط الصراع في سوريا، كان سيتسبّب بحرب كبيرة بين الشيعة والسنة، تكون محصّلتها الاقتتال بين المسلمين. وهذا هو المطلب الأميركي والإسرائيلي. لكنّ المطلب الرئيسي لجميع الإيرانيين الآن هو الأخذ في الاعتبار رؤية أغلبية الشعب السوري، ومثلما أنّنا لم نقف إلى الآن في وجه القسم الأكبر من الشعب السوري ممّن كانوا يعارضون الأسد، فإنّنا سنواصل هذا الأسلوب من الآن فصاعداً أيضاً».
ووفقاً لصحيفة «فرهيختكان» الأصولية، في مقال للمختص في الشؤون الدولية ساسان كريمي، فإن «علاقات إيران مع بشار الأسد لا تعني قطع العلاقة مع نظام الحكم الجديد، على أن تعلن إيران وتطبّق موقفها وسياستها بعد أن تتّضح ظروف وملامح نظام الحكم الجديد في سوريا. وفي هذه المرحلة، فإن ثمة حاجة ملحّة إلى التخطيط الذكي لحفظ مصالح إيران ومحور المقاومة في سوريا». وبدورها، كتبت صحيفة «اعتماد»، في مقال للعضو السابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية النيابية، حشمت الله فلاحت بيشه، حول متطلبات السياسة الإيرانية تجاه مستقبل سوريا، قائلةً إن «عدم تدخّل إيران في التطوّرات الأخيرة، أظهر أنها تسعى إلى الاضطلاع بدور إيجابي في مرحلة الانتقال. وثمة أوجه اشتراك بين البلدين يجب الإفادة منها. ويجب حتماً إيجاد قنوات اتصال مع المجموعات الحاكمة في سوريا، إذ سيكون على طهران أن تسعى إلى استتباب الأمن والاستقرار في سوريا، وأن يُعتمد الشيء ذاته في سائر المبادرات والأفكار. إن مبادرة أستانا المتطورة، تشكّل نموذجاً يمكن إيران متابعته. كما عليها أن تساعد ليقرّر الشعب السوري مصيره بنفسه، وأن يمتنع جميع اللاعبين عن التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Powered by WooCommerce